مأساة البساتين العراقية بين التصحّر والجشع

المنصة- رامي ادوارد

“أصبحنا نشعر أن الجهد الذي بذلناه سنوات طويلة قد ذهب هباءً”. بهذه الكلمات يصف عمر أحمد (اسم مستعار)، أحد فلاحي محافظة الأنبار، ما حل به من فقدان قسري لبساتينه الزراعية. تلك البساتين، التي تمتد على مساحة خمسين دونماً وتزدهر بمختلف أصناف التمور، كانت بالنسبة له أكثر من مجرد أرض. “كانت جزءاً من هويتي ومصدر رزقي الأساسي”، يقول عمر، الذي اضطر تحت وطأة مشكلات الري ونقص المياه إلى بيع الأرض التي ورثها عن أجداده.

بستان هذا المزارع الذي تحول لاحقاً إلى عقارات سكنية هو جزء من مشهد أوسع بكثير تشهده محافظة الأنبار ومناطق اخرى من العراق من عمليات تجريف للبساتين والأراضي الزراعية، وهي ظاهرة تعود بحسب تقرير أعده قسم مكافحة التصحر في جامعة الأنبار إلى عدة عوامل، من بينها التغيرات المناخية التي أدت إلى انخفاض معدلات هطول الأمطار وتذبذبها، وانخفاض الحصة المائية لنهري دجلة والفرات، مما أثر سلباً على الزراعة والغطاء النباتي في المنطقة.

بالإضافة إلى ذلك، تسهم  الأنشطة البشرية، مثل التوسع العمراني غير المنظم وتجريف البساتين لتحويلها إلى مناطق سكنية أو تجارية، من تفاقم المشكلة، فتزيد بدورها من حدة تأثيرات التغير المناخي مثل ارتفاع درجات الحرارة وزيادة العواصف الترابية.

وزير الموارد المائية عون ذياب وصف عمليات التجريف التي تجتاح البساتين في العراق بأنها “جريمة بيئية يحاسب عليها القانون”. لكن في الواقع، تعجز الدولة من تأخر في معالجة الأزمة، ويتهمها المزارعون بالتقصير.

وكانت الحكومة العراقية قد سنّت قوانين لمنع تجريف البساتين والأراضي الزراعية، مثل القانون رقم 50 لسنة 2016، الذي يهدف إلى حماية هذه المناطق وإحالة المتجاوزين إلى القضاء. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات في تطبيق هذه القوانين على أرض الواقع.

في شمال بابل، يتحدث الفلاح سيف علي (اسم مستعار) عن معاناته مع الزراعة التي أصبحت غير مجدية منذ عام 2016. “اضطررت إلى بيع بستاني وتحويله إلى أرض تجارية لأنني لم أجد أي دعم حكومي”، يقول بحزن. الخسائر المادية والانهيار الاجتماعي الذي تلا ذلك جعله يشهد تحول جنته الصغيرة إلى مجرد ذكرى.

أما في بغداد، فقد باع الفلاح فريد رائد (اسم مستعار) أرضه التي تحولت إلى مشروع استثماري. “انخفض مردود الإنتاج الزراعي بشكل كبير، والأسعار المرتفعة للمواد الزراعية أجبرتني على التخلي عن الأرض”، يشرح فريد.

الخبراء البيئيون يؤكدون أن إزالة البساتين تؤدي إلى زيادة العواصف الترابية وتغير نوعية التربة، ما يفاقم أزمة التصحر. “التربة التي كانت محمية بالظل والرطوبة أصبحت عرضة للشمس المباشرة، ما يؤدي إلى فقدان الأحياء الدقيقة فيها”، يوضح أحد الخبراء طالباً عدم ذكر اسمه، أما العواصف الترابية، فقد قفز عددها من 19 سنوياً إلى 300 بعد عام 2013، وهو تغير مناخي خطير سببه الرئيسي إزالة الغطاء النباتي.

في بغداد، تنتشر عمليات تجريف الأراضي الزراعية، خاصة في مناطق حزام العاصمة، لتحويلها إلى مجمعات سكنية ومشاريع استثمارية. ويقول احد المزارعين طالباً عدم ذكر اسمه إن هذه العمليات تتم غالباً تحت ضغوط من متنفذين أو مجموعات خارجة عن القانون، مضيفاً أن التوسع العمراني العشوائي يزيد من كثافة الأبنية الخرسانية ويقلل من المساحات الخضراء.

وسط هذا المشهد القاتم، يتحدث الفلاح سيف علي، الذي ضاع حلمه في بستانه، قائلاً: “لقد ولدت بين النخيل، وكنت أرى الحياة فيها، لكن الآن كل ما أملكه هو ذكرى تلك الجنة الصغيرة التي كانت تعني كل شيء لي ولعائلتي”. ويختم بالقول: “ما نحتاجه اليوم ليس الوعود أو القوانين غير المطبقة، بل دعماً حقيقياً للمزارعين، وبرامج فعالة لمكافحة التصحر، وأفعالاً تعيد لنا الأمل في أرضنا”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى