سماح فلاح… اول فلكية شابة تمثل العراق بأربع مناسبات دولية

المنصة – سارة القاهر.
“منذ صغري كنت أحب السماء، وحين انام على السطح اتطلع مليا في النجوم وانا استمع لأحاديث امي، وحين كبرت، كبر معي ولعي بعلم الفلك كونه عالما غامضا وساحرا، لكني لم اجد متنفساً يشبع ولعي في الانضمام الى مؤسسات مختصة بهذا الشأن، ما دفعني الى تأسيس فريقي الخاص” بهذه العبارة تبدأ سماح فلاح رئيسة فريق “دار السلام الفلكي” حديثها عن تجربتها في مجال الفلك
قليلة هي التجارب الفردية في مجال الفلك في العراق وتجربة سماح واحدة منها وهي على قلتها تمثل مؤشراً جيد لتنامي الوعي الشبابي خلال بحثهم عن هوايات تعود بالنفع على المجتمع، وتساند المؤسسات العلمية الأخرى.
اسست الشابة العراقية على تفقتها الخاصة فريقها الفلكي “دار السلام” عام 2023، وهو مسجل بدائرة الرعاية العلمية في وزارة الشباب والرياضة، ويعد هذا الفريق الاول والوحيد الذي تديره فتاة في العراق، تحاول الفتاة من خلال مشروعها زرع حب الفلك بين الشباب ويضم فريقها اعمارا مختلفة منهم.
تقول سماح “نقوم انا وفريقي بزيارة المكتبات للاطلاع المعارف وتطوير قدراتنا في هذا المجال ونتصفح آخر الاخبار الفلكية على الانترنت وننتظر وقوع الظواهر الغريبة بشغف كي نتمكن من رصدها، انه شغف الطفولة الذي استمر معي حتى اليوم”.
تهدف الفتاة الشابة من خلال مشروعها الى نشر علوم الفلك والفضاء بين الناس عبر تنظيم العديد من الأنشطة الفلكية، ومنها رصد الأجرام السماوية بالتلسكوبات ورصد الأحداث الفلكية كالخسوف والكسوف ومرور المذنبات بالأرض، اضافة الى عقد محاضرات وورش عمل ومسابقات فلكية وغيرها من الانشطة المتعددة.
وتقيم وزارة الشباب والرياضة في العراق امسيات فلكية بين الحين والآخر لمشاهدة الظواهر الطبيعية تجمع فيها عشرات الهواة من الشباب معظمهم من الفتيان ولا تظهر الفتيات بينهم الا نادرا وفي أحيان كثيرة تقوم الجامعات العراقية بالمشاركة في امسيات مماثلة تقام في بغداد او في مدن أخرى، لكن سماح وفريقها يقيمون امسيات صغيرة مماثلة مع افراد فريقها كان آخرها الأمسية التي اقامتها في 13 يناير الجاري والتي انقطع فيها التيار الكهربائي بشكل مفاجئ فالتقطنا صورا معتمة للفريق.
اقتربت خلال تلك الأمسية احدى العائلات من سماح وطلبوا منها ان يشاهد أطفالهم القمر والكواكب من خلال التلسكوب الخاص بها، لحظات قبل ان يقفز أحدهم فرحا وهو يقول لشقيقه “تعال انظر الى القمر، لقد شاهدته بوضوح” فيركض الآخر باتجاهه مدفوعا بالفضول ليرى عبر الجهاز نفسه ما شاهده اخيه.
تقول سماح “اشعر بسعادة حينما أرى لمعة عيون الأطفال وهم يشاهدون الاجرام السماوية معي، ولدينا فريقا آخر مكون من الاطفال والناشئة تحت سن خمسة عشر عاما، يحمل اسم فلكيو المستقبل ونقوم بنشر أوقات امسياتنا على صفحتنا كي يتجمع الناس المهتمين للمشاركة معنا”.
رغم عملي لسنوات كصحفية لكنها المرة الأولى التي اشاهد فيها الاجرام السماوية عبر تلسكوب الفريق الفلكي، مثلما شاهده الأطفال القريبين مني كانت حلقات زحل واضحة وكان القمر يبدو مغطى بالصخور والثقوب ربما كنت سأشعر بالدهشة ذاتها لو كنت أصغر عمرا.
يحاول افراد الفريق تطوير معارفهم الفلكية والعلوم الأخرى وهذا الفريق وفق سماح متاح لجميع الفئات في الانضمام اليه، وجميع انشطته العلمية والفلكية تعرض مجانا.
وتنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي عددا من الفرق والتجمعات التي تهتم بالفضاء والفلك معظمها من الشباب مثل “مركز بغداد لعلوم الفلك والفضاء” الذي انشأ منذ قرابة عشر سنوات وفريق “دار السلام الفلكي” الذي تقوده سماح وفريق “واسط الفلكي” فضلا عن فرق أخرى تجاوز عددها 17 فريقا في عموم العراق تشارك معظمها في امسيات عامة للفلك وتقيم في أحيان كثيرة امسياتها الخاصة بها.
ويحقق فريق السلام الفلكي منذ عامين نجاحات جيدة في مجال علم الفلك من خلال جملة نشاطات علمية نفذها الفريق داخل البلاد وخارجها حيث مثلت سماح وفريقها العراق في اربع مناسبات دولية في الامارات والجزائر والاردن وتونس.
تقول سماح “تجاوزت انشطتنها الفلكية 150 نشاطا، وحصدت نجاحات كثيرة وقمنا بعقد عدد من المخيمات الفلكية في العامين الماضيين وحصلنا على عضوية الاتحاد العربي للعلوم الفلكية، لقد كبر فريقنا سريعا وهذا الامر يشعرني بالسعادة لقد حققت شغفي”.
لا يحصل فريق سماح او باقي الفرق الأخرى على الدعم الكافي من وزارة الرياضة والشباب او او أي جهات رسمية أخرى وباستثناء الدعم المعنوي الذي تقدمه لها دائرة الرعاية العلمية بوزارة الشباب يتكفل الفريق بكل شيء حينما يقيمون امسياتهم الفلكية مثل باقي الفرق الأخرى.
تكفلت الفتاة الشابة بشراء الاجهزة الفلكية على نفقتها الخاصة، ومنها ثلاثة تلسكوبات بكلفة (25) مليون دينار عراقي يستخدمها الفريق لرصد الفضاء والكواكب والقمر، وتضم تلسكوب يبلغ حجمه (11) إنجا وتلسكوب اخر بحجم ثمانية إنجات تستخدمه في النشاطات الفلكية المختلفة.
ودأبت دائرة الرعاية العلمية في وزارة الشباب والرياضة على تنظيم فعاليات لهواة الفلك والرصد تستمر عدة ايام لتشجيع الشباب على الاهتمام بعلم الفلك وتنمية هواياتهم في المجالات العلمية وتتضمن الفعاليات القاء محاضرات عن علم الفلك والفضاء وآخر التقنيات الحديثة التي توصل لها العلماء في هذا المجال.
لم تخف سماح تفاعلها مع هذه الفعاليات والمشاركة بها مع فريقها الفلكي، ولم تشكُ من غياب الدعم المادي لهواة الرصد الفلكي، فهي كما تقول لا تنتظر من مؤسسات الدولة مبادرات الدعم المادي، بيد انها تدعو جميع الجهات المعنية ومنها الاجهزة الامنية للتعاون مع الفرق والمخيمات الفلكية وابداء المساعدة اللازمة لهواة الرصد الفلكي من الموهوبين الشباب.
“انه شغف الطفولة وانا فخورة بما حققته مع فريقي وسأستمر فيه حتى النهاية وسيكبر فريقنا أكثر في المستقبل بشكل كبير” تقول سماح وهي تساعد أحد الأطفال على استخدام التلسكوب لمشاهدة السماء.
أنجزت هذه القصة ضمن سلسلة مقالات بدعم من برنامج قريب، وهو برنامج اقليمي تموله الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) وتنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الاعلامية (CFI)