شتاء العراق يفتح أبواب البالات على مصراعيها

بغداد- نرجس خضير

في الصباحات الشتوية الباردة تتحول الأزقة الضيقة في حي الكاظمية إلى وجهة حيوية لعشرات المتسوقين الذين يتجمعون حول أكوام الملابس المستعملة بحثاً عن الدفء بأسعار تناسب الجميع.

وسط ضجيج المساومات وأحاديث المارّة، يعثر هؤلاء على ضالتهم من المعاطف الثقيلة والأحذية المتينة إلى جانب الإكسسوارات القادمة من أماكن بعيدة.

أبو جبار، صاحب أحد محال البالة في الكاظمية يؤكد أن متاجر “البالات” في العراق تصبح مع حلول موسم الشتاء خياراً أساسياً للكثيرين، ليس فقط لتلبية احتياجاتهم الملحّة من الملابس، بل أيضاً كملاذ اقتصادي يوفر الجودة بأسعار معقولة لمختلف الشرائح الاجتماعية. 

يقول أبو جبار “نشأت بين هذه الأكوام منذ طفولتي، وأواصل اليوم ما بدأه والدي قبل عقود”، يستعيد الرجل البالغ من العمر خمسين عاماً ذكرياته مضيفاً: “كنا نستورد الملابس من كوريا واليابان، أما اليوم فأصبحت مصادرنا متنوعة وتشمل دولاً عربية وأوروبية”. قال ذلك وهو ينفث دخان سيجارته، متكئاً على أكوام البضائع المرصوصة بعناية في زاوية محله.

رغم تغير مصادر استيراد البالات، تبقى الأسعار ثابتة في معظم المواسم. لكن، كما يوضح أبو جبار، “الفرق يكمن في نوعية البضائع”، وأضاف بينما كان ابنه يرتب القمصان بعناية مستخدماً مكواة بخارية صغيرة: “الشباب اليوم يفضلون البالات بسبب ارتفاع أسعار الملابس التركية المستوردة، كما أن البالات توفر ماركات عالمية بجودة تدوم لفترات أطول”.

في هذا الحي الواقع في جانب الكرخ في الجزء الغربي من العاصمة تنتشر محلات البالات في كل زاوية تقريباً. لكن حي الكاظمية ليس وحده مركزاً لهذا النوع من التجارة، فأسواق بغداد الجديدة وحي العامل وباب الشرجي تنافسه في التنوع والإقبال. 

في حي العامل مثلاً، نجد تنوعاً أكبر في البضائع التي لا تقتصر على الملابس فقط، بل تشمل الأدوات المنزلية أيضاً. يوضح أبو علي، صاحب أحد المحلات، تصنيفات البالات قائلاً: “البالات تأتي بدرجات: الأولى وتسمى “الكريمة” تكون نظيفة لكنها مستعملة، أما “السوبر كريمة” فهي جديدة تماماً، بينما الدرجة الثالثة غالباً ما تكون رديئة”. 

أثناء حديثه، فتح أبو علي شوالاً كبيراً يحتوي على ملابس جديدة نسبياً قائلاً: “اليوم نستورد البالات من دول عربية أكثر، لأنها أقرب ثقافياً وأسهل وأرخص من الدول الأوروبية”.

لزيادة الطلب على بضاعتهم يلجأ بعض الباعة إلى الترويج عن طريق الانترنيت، منهم إياد، صاحب محل في الكاظمية دخل المجال منذ خمس سنوات، يقول: “الإنترنت كان له دور كبير في الترويج لمحلات البالات. الناس صاروا الآن يأتون من كل مكان بعد رؤية ما نقدمه عبر مواقع التواصل”.

أما لبنى التي تدير محلاً للقطع الالكترونية المستعملة في حي العامل، فترى أن التجارة عبر وسائل التواصل الاجتماعي توفر مرونة وأماناً. تقول لبنى البالغة من العمر عشرين عاماً: “العمل الإلكتروني يمنحني حرية عرض بضاعتي في أي وقت يناسبني”.

لكن أبو جبار لا يتفق معهما في نسب الفضل في نجاح تجارته للترويج الالكتروني، قائلاً: “لدي زبائني المعروفون. يكفي أن أتصل بهم فور وصول البضاعة الجديدة وهم أول من يأتي”. 

في أجواء السوق، تتعالى أصوات الباعة وهم ينادون الأسعار: “القطعة بألف!”، “القميص بخمسة!”. وبين الزبائن، تقول صبيحة، امرأة خمسينية: “أشتري ملابس لأحفادي من هنا، وأقوم بغسلها وتعقيمها بطرق خاصة قبل استخدامها”. 

أما علي فيحرص على أن يكون أول الواصلين إلى السوق صباح كل يوم جمعة لانتقاء أشهر الماركات العالمية. يقول: “أجد هنا قطعاً مميزة، أبحث عنها لاحقاً على الإنترنت وأكتشف أنها من ماركات عالمية وتساوي أسعاراً خيالية”. 

ويروي هذا الشاب علي موقفاً طريفاً قائلاً: “وجدت حذاء أعجبني، وظللت أبحث عن فردته الأخرى حتى فقدت صبري وصرخت بأعلى صوتي: رحم الله من يجد لي الفردة الأخرى!'”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى