مسار الناصري صوت نسائي أدبي في ذي قار ومنصب في القيادة الثقافية

المنصة – مرتضى الحدود
في الثانية عشرة من عمرها تلقت مسار حميد الناصري الطفلة التي تقطن مدينة الناصرية جنوب العراق هدية غير تقليدية من والدتها، كانت قصة من الخيال العلمي وجاءت بمثابة تكريم لنجاحها الدراسي، لتكون تلك اللحظة بداية الطريق الذي سيقودها إلى عالم الأدب والشعر.
لم تكن تلك الهدية سوى البذرة الأولى التي زرعتها والدتها لتكون مسار لاحقا صوتا أدبيا يصدح في المجتمع ويكسر الحواجز التي يفرضها الواقع الاجتماعي والعادات الاجتماعية التقليدية، ولم تتوقف عن الكتابة منذ بدأت الاهتمام بالأدب في تلك المرحلة من حياتها.
الناصري التي تبلغ من العمر اليوم خمسون عاما تزامن حبها للقراءة مع مرحلة دراستها الابتدائية عندما كانت تحرص على قراءة المقالات الأدبية في مجلة ألف باء وآفاق عربية وأقلام وكانت تغذي روحها بما يُنتج من نقد وروايات وقصص وشعر، حتى أصبحت الكتابة جزء لا يتجزأ من حياتها.
وعلى الرغم من أنها بدأت تجربة الكتابة في مرحلة مبكرة من عمرها، الا أنها لم تنشر نتاجها الكترونيا الا في وقت متأخر وتقول “قررت خوض تجربة النشر الإلكتروني في عام 2007 وتلقيت ردود فعل متنوعة صقلت تجربتي الشعرية وأثرت مضامينها على حياتي العملية لاحقا”.
ولم تقتصر مسيرة مسار الناصري على الكتابة فحسب، بل دخلت في عالم الفن التشكيلي لكنها غيرت مسارها وعادت الى الكتابة “أول معرض فني اقيم لي أثناء دراستي في الصف الرابع الإعدادي وسط شارع الحبوبي لكنني لم أجد نفسي في الفن التشكيلي رغم حبي له فقررت العودة الى الكتابة مجددا” تقول مازحة.
مدينة الناصرية الجنوبية التي تبعد (350 كلم) عن بغداد تمتاز بطابعها العشائري المحافظ لكنها افرزت العديد من الشعراء والفنانين اما النساء فلم تتقلد مناصب قيادية فيها الا حديثا اذ شغلت وداد الاعرجي منصب مديرة متحف الناصرية ويقين كريم مديرة التخطيط فيما شغلت زينب الازيريجاوي منصب مديرة دوائر العمل وانتخبت الناصري نائبا لرئيس اتحاد الكتاب والادباء وكان لهذا المنصب دورا كبيرا في تعزيز حضورها في المشهد الادبي.
تتمتع الناصري اليوم بحضور خاص في سماء الأدب العراقي وحكاية تروي رحلة إبداعية توجت ميولها الادبية بتخصص أكاديمي قريب جدا على شانها الثقافي وهو اللغة العربية ما منحها مهارات متقدمة في قراءة النصوص وفك شفراتها وتفكيكها.
ولا تعترف الاديبة التي نشأت في أحضان مدينة الناصرية بالنظريات كثيرا وتقول “التكوين الأدبي الحقيقي ليس في العلوم النظرية وحدها، بل في التجربة الإنسانية والمشاركة الفعلية في الحراك الثقافي وهو ما دفعني للاستمرار في الدراسات العليا لاحقا حتى أكملت الدكتوراه”.
تكمل الناصري “من خلال عملي رئيسة لنادي لاما الثقافي الذي يعد جزءا من الاتحاد استقطبت العشرات من الكاتبات، رغبة مني في منحهن مساحةً للتعبير والمشاركة الأدبية بعيدا عن القيود الاجتماعية التي تكبل إبداع المرأة”.
يضم نادي “لاما ” الثقافي في ذي قار اليوم (60) اديبة مسجلة في اتحاد الادباء والكتاب وهو يمنح الاديبات في المدينة مساحة ثقافية تمكنهن من التفاعل الأدبي ومشاركة الأفكار عبر تنظيم الأمسيات الثقافية والشعرية وفرصة للظهور والتفاعل وتبادل الأفكار بعيدا عن ضغوط الحياة اليومية والتقاليد التي قد تفرض قيودا على حريتهن في التعبير.
يقول رئيس اتحاد أدباء ذي قار علي الشيال ان الاتحاد يعمل جاهدا منذ مدة لدعم الأديبات والمثقفات في ذي قار وأن تأسيس “نادي لاما الثقافي” الذي تقوده الاديبة مسار حميد الناصري جاء بهدف احتواء هذه الشريحة المبدعة، وأن عضوية النادي ليست مشروطة بالانتماء للاتحاد في الوقت الذي سجل الاتحاد اكثر من 200 عضو بين اديب واديبة.
ويضيف “الاتحاد نظم العديد من الأمسيات الأدبية وورش العمل التثقيفية التي تهدف إلى تطوير مهارات الأديبات في مجالات الشعر والقصة والنص المسرحي، وذلك في إطار سعيهم المستمر لإثراء المشهد الثقافي في المحافظة”.
عندما تقلدت مسار الناصري منصبها الثقافي أصبح لديها القدرة على إيصال أصوات النساء ومساعدتهن في التعبير عن مكنوناتهن الأدبية وباتت عنوانا للمشاركة النسائية الفاعلة في الحياة الثقافية والمجتمعية إذ قدمت نموذجا يحتذى به للأديبات الشابات في ذي قار والعراق بشكل عام وأثبتت أن الأدب لا يتوقف عند الكلمات، بل يمتد ليشمل القيادة الفكرية والقدرة على إحداث تغييرات حقيقية في المجتمع.
وفي عالم الكتابة غالبا ما تستعين مسار بقلم الحبر ليس لكونه أداة للتدوين، بل هناك رابط حميم بين روح الكاتبة وأفكارها ويمثل جسرا يربط الماضي بالحاضر فهو يحمل في طياته ذكرى والدتها التي كانت بدورها تستخدمه في كتابة أفكارها وعملها، فكلما امسكته استعادت صورة امها التي كانت حجر الأساس في تشكيل شخصيتها الأدبية وترسخ في ذهنها الدروس التي زرعتها فيها من خلال الكلمات التي دونتها بالقلم ذاته.
صدر للكاتبة والشاعرة الجنوبية مجموعة بعنوان ” هناك… حيث أنت” وبعدها مجموعة ” فراغ بنكهة الكبريت” كما أصدرت كتابا نقديا يحمل عنوان ” تحولات الخطاب في شعر عقيل علي ” وعدد من المقالات والدراسات الأدبية، مقدمة بذلك قراءات نقدية معمقة للأدب العراقي.
اما اليوم فهي تستعد لإطلاق مجموعة شعرية جديدة تحمل تسمية “ماذا لو ابتلّ الماء؟” وكتاب نقدي حول “سرديات الذات والمتخيل السردي في روايات نعيم عبد مهلهل” و ” مغامرة تحت لحاء اللغة ” واعمال أخرى، وهي تمثل اليوم صوتا نسائيا يتحدى المسلمات ويرسم ملامح دور جديد للمرأة في الادب العراق.
أنجزت هذه القصة ضمن سلسلة مقالات بدعم من برنامج قريب، وهو برنامج اقليمي تموله الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) وتنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الاعلامية (CFI)