بين الإرهاق والطقوس الروحانية.. رمضان يزيد أعباء المرأة العراقية

فاطمة كريم _بغداد
مع غروب شمس بغداد تفوح رائحة الأطعمة التقليدية من المنازل وتتردد أصوات الأذان معلنة لحظة الإفطار فيما تجلس العائلات حول موائد عامرة بما لذ وطاب. لكن خلف هذه الصورة الرمضانية المبهجة، هناك نساء يقفن في المطابخ لساعات، يتنقلن بين إعداد الطعام والتنظيف والعمل وتلبية احتياجات الأسرة، في مهرجان رمضاني يومي لا يكاد ينتهي.
سارة القاهر، امرأة في الثلاثين من عمرها وهي موظفة حكومية تسكن في حي الجهاد ببغداد، تزداد الاعباء على سارة خلال شهر رمضان بسبب كثرة متطلبات العائلة مع العمل خارج المنزل يصبح الأمر أصعب وهي تحاول دائما ما تنظم وقتها ما بين مهام العمل والمنزل.
تتحدث قائلة “رمضان من أفضل الشهور من حيث الخير والبركة، لكنني أشعر أنه يزيد الأعباء عليّ بشكل كبير. المهام تتضاعف، والطلبات تكثر، فيصبح الشهر عبئًا بدلًا من أن يكون فرصة للراحة والتأمل”.
تبدأ سارة يومها قبل طلوع الشمس، حيث تستيقظ لإعداد الإفطار لابنها قبل أن يذهب إلى المدرسة، ثم تتوجه إلى عملها الحكومي الذي يستمر حتى الساعة الثانية ظهرا.
بعد انتهاء الدوام، تبدأ مرحلة أخرى من الإرهاق، إذ تتوجه للتسوق وشراء احتياجات المنزل، لتعود بعدها وتدخل مباشرة إلى المطبخ لتحضير مائدة الإفطار.
تضيف سارة “النهار يمر سريعًا بين الدوام، والتسوق، والمطبخ، ثم بعد الإفطار يأتي دور تنظيف الصحون، وتحضير أطباق الحلويات، وأحيانا اضطر إلى استقبال الضيوف ، كل هذا يعد جهدا كبيرا”.
في العراق يحمل رمضان طابعًا خاصًا، حيث تمتزج الروحانية بالعادات العائلية وتحرص النساء على تحضير أطباق متنوعة لإرضاء جميع أفراد الأسرة، فالمائدة العراقية في رمضان لا تكتمل دون الشوربة والدولمة والكبة والزلابية والبقلاوة، وسط طلبات مستمرة من العائلة لتجهيز أطباقهم المفضلة.
النساء لا يجدن وقتاً للراحة و للصلاة لأنهن دائمًا في انشغال، بينما يجلس الرجال في المسجد أو أمام التلفاز يستمعون إلى المواعظ
إلى جانب الطبخ، تزداد الضغوط على المرأة بسبب الجمعات العائلية، حيث يتطلب استقبال الضيوف مجهوداً إضافياً في التنظيم والتقديم والتنظيف بعد انتهاء الولائم. كما أن السهر لتحضير السحور، خاصة مع عدم وجود مساعدة من أفراد الأسرة، يجعل النساء يواجهن إرهاقا مضاعفا.
تقول سارة ملامح التعب على وجها “بعد اكمل جميع المهام ويحين منتصف لليل فلا استطيع النوم لأن توجد وجبة السحور ويجب ان احضرها، فاضطر ان اسهر إلى وقت متأخر من الليل ولا أستطيع النوم الا ثلاث أو أربعة ساعات تقريبا ثم انهض للعمل من جديد”.
سليمة سلمان وهي في 45 من عمرها، ربة البيت التي تعيش في منزل عائلة زوجها الكبير رفقة أربعة أبناء وزوجها وأهل زوجها، ومعاناتها مضاعفة بسبب كثرة الأفراد في المنزل والزيارات العائلية المستمرة.
تقول: “أنا لا أعمل في وظيفة، لكنني أعيش في مطبخ المنزل طوال شهر رمضان. في كل يوم هناك طلبات مختلفة، فكل شخص يريد طبقًا مختلفًا عن الآخر، بالإضافة إلى كثرة الولائم، لأن بيتنا هو بيت العائلة الكبير، منزل الجد والجدة، ولا يخلو من الزيارات”.
تواصل سليمة حديثها “في كل يوم هناك ضيوف، فهم يجلسون في غرفة الاستقبال يتبادلون الأحاديث، بينما أنا في المطبخ أتنقل بين القدور وأحاول تجهيز الطعام”.
ورغم أن هناك نساء أخريات في العائلة إلا أن المسؤولية الكبرى تقع على سليمة، فهي زوجة الابن الأكبر، والمسؤوليات في العرف العائلي تقع على عاتقها، خاصة عندما يتعلق الأمر بإعداد الولائم وتنظيم أمور المنزل.
بالنسبة للكثير من النساء مثل سارة و سليمة، فإن أكثر ما يحزنهن هو أنهن لا يجدن وقتًا للعبادات التي يفترض أن تميز شهر رمضان، رمضان شهر الروحانيات، لكن بالنسبة للكثير من النساء هو مجرد عمل متواصل، ولا يوجد وقتًا للراحة و للصلاة وباقي الأعمال، لأنهن دائمًا في انشغال، بينما الرجال يجلسون في المسجد أو أمام التلفاز يستمعون إلى المواعظ على حد وصفهنّ.
تعلّق سارة: “المجتمع لا يدرك حجم الجهد الذي تبذله النساء في رمضان. نحن مطالبات بالعمل وكأننا غير صائمات، وفي الوقت نفسه علينا توفير كل احتياجات العائلة وكأننا غير مرهقات”.
وبالرغم من كل هذه الصعوبات، فان النساء العراقيات ما زلن يحافظن على العادات الرمضانية بكل تفاصيلها، في محاولة لإيجاد التوازن بين متطلبات الأسرة ومتطلباتهن الشخصية.
تقول سارة: “أتمنى أن يكون هناك وعي أكبر لدى الرجال بضرورة المشاركة في المهام المنزلية للمرأة داخل المنزل سواء كانت لديه اخت أو أم أو زوجه”، بينما تتحدث سليمة قائلة “عندما يتعاون الجميع، يصبح العمل أسهل، وتتحول الأعباء إلى لحظات تقربنا من بعضنا البعض، بدلاً من أن تكون عبئًا على المرأة فقط”.
رمضان، الذي يُفترض أن يكون شهر الطمأنينة والعبادة يتحول بالنسبة للعديد من النساء العراقيات إلى شهر من العمل المكثف والمسؤوليات المتزايدة. وبين سارة التي توازن بين وظيفتها وأمومتها، وسليمة التي تعتني بأسرة كبيرة وتتحمل مسؤولية منزل ممتلئ بالضيوف، تتشابه المعاناة وإن اختلفت الظروف.