معلمات العراق بين الطباشير والخوف من الضرب.. متى تنتهي الانتهاكات؟

 

المنصة – فاطمة كريم

اعادت حادثة ضرب المعلمة زينب خريبط جويد مديرة مدرسة مأرب الابتدائية في ذي قار على يد قوات مكافحة الشغب في المدينة اثناء الاضراب الى الاذهان حوادث الاعتداءات التي تتعرض لها المعلمات ومديرات المدارس اثناء العمل او الترصد بهن بعد مغادرة المدارس.

الاضراب هو آخر الاحداث التي كشفت عن تعرض النساء العاملات في قطاع التعليم في العراق لمخاطر الاعتداء وليس أولها، إذ سبق وتعرضت معلمات ومديرات مدارس في مدن عراقية متفرقة في العامين الماضيين الى الضرب على يد طلابهن او أولياء أمور لطلاب وطالبات لم ينجحوا في الامتحانات او عوقبوا لسوء سلوكهم.

 

في 15 ديسمبر الماضي تعرضت مديرة اعدادية السديم في قضاء الزبير بالبصرة للضرب امام طالباتها على يد شخص يدعى احمد فاخر حاول اغلاق المدرسة بالقوة ومنع الطالبات والكادر التدريسي من الخروج بحجة ان خروج الطالبات اثناء انتهاء الدوام يسبب ازعاجا له، حيث ضرب المديرة بعدما اعترضت على تصرفه، وقبل عام من الحادثة اعتدى ولي امر طالبة على مديرة مدرسة ومعلمات بالضرب في المحافظة ذاتها.

وفي مارس عام 2024 اعتدت أمهات طالبات بالضرب على مديرة مدرسة في مدينة الشعب فيما صدر قبلها بستة اشهر في سبتمبر 2023 حكما قضائيا من محكمة احداث الرصافة بالحبس ستة اشهر على طالب اعتدى على مديرة مدرسة الولاء الابتدائية في مدينة الصدر التي كان يدرس فيها، حيث قام بضرب المديرة دلال علي جودة واحداث اضرار في شبابيك المدرسة.

سنويا تقع أربع او خمسة حوادث معلنة ضد المعلمات ومديرات المدارس تتناولها مواقع التواصل الاجتماعي فيما تحل عشرات القضايا الأخرى المتعلقة بالاعتداء على المعلمات عشائريا ولا تصل الى الاعلام او مواقع التواصل الاجتماعي وتدفع ديات مالية للمعتدى عليهن وينقل الطلاب المعتدون او الذين قام أولياء امورهم بالاعتداء الى مدارس أخرى.

في معظم تلك الحوادث المعلنة كانت نقابات المعلمين تقوم بوقفات احتجاجية وتطالب بحماية الكوادر التدريسية من تلك الاعتداءات، اما المخفية التي تحل بالتراضي فلا احد يعلم شيئا عن تفاصيلها سوى المدرسة والاشراف التربوي في بعض الأحيان، ومعظم تلك الحوادث تقع في المدارس الحكومية.

شهادات وحقائق

دخلت نور عادل سلك التعليم قبل ست سنوات وهي تتحدث بمرارة عن واقع المدارس الحكومية في العراق، واصفة إياه بالمتدني والمنهك للمعلم والطالب وتقول “لا تتوفر أبسط المقومات التي يحتاجها المعلم أو الطالب لإنجاح العملية التعليمية. فلا توجد سبورات ذكية حتى أبسط ما يمكن توفيره في قاعات الدراسة من رحلات جلوس ومراوح للتخفيف من حرارة الصيف غائب تمامًا”.

وتصف نور البيئة التعليمية داخل القاعة الدراسية بأنها “مرهقة للغاية”، حيث يضم الصف الواحد نحو 50 طالبًا، مما يخلق بيئة مكتظة تصعب السيطرة على الطلاب وتحد من قدرة المعلم على إيصال المعلومات بشكل فعال.

وتضيف: “حين تكون القاعة مكتظة بهذا الشكل، يصبح من المستحيل تقريبًا تقديم شرح واف لكل طالب، ويضطر المعلم إلى بذل جهود مضاعفة للحفاظ على سير الدرس وسط الفوضى والضوضاء ورغم هذا لا نحصل على رواتب جيدة والكثير من حقوقنا مهدورة”.

نور لم تتعرض للضرب مثل زميلاتها لكنها كانت من بين آلاف المعلمين الذين قرروا أن يرفعوا أصواتهم عاليا في الاحتجاجات التي شهدتها العاصمة بغداد وعدد من المحافظات العراقية مؤخّرا. تقول نور “خرجنا إلى الشوارع مع زملائنا لأننا لم نعد نحتمل هذا التهميش المستمر. أردنا أن نطالب بأبسط حقوقنا التي نراها تتلاشى يومًا بعد آخر”.

معاناة  المعلمة الشابة لا تنتهي مع نهاية الدوام الرسمي، بل تمتد إلى تفاصيل حياتها اليومية خارج أسوار المدرسة، وتقول “دورات التدريب التي تقدمها وزارة التربية لا تواكب المناهج الحديثة التي أصبحت أكثر تطورً، وصحيح أن المناهج تطورت وأصبحت تحتوي على مفاهيم يحتاجها الطالب، لكن الإشكالية الحقيقية أننا كمعلمين لا نحصل على تدريب يهيئنا لتدريس هذه المناهج بالشكل الصحيح، وهذا مطلب آخر لنا يجب اخذه في الاعتبار”.

وترى نور أن الاعتماد على التعلم الذاتي أصبح ضروري للمعلم العراقي، ما يدفعها للبحث عن كورسات على الإنترنت ومنصات مثل اليوتيوب، لتطوير مهاراتها ومواكبة التحديثات كي تتمكن من تدريس المواد بشكل جيد.

حوراء كاظم معلمة لمادة التاريخ لم تتجاوز الأربعين من عمرها ولديها سيرة تدريس امتدت الى اكثر من عشرة اعوام، تحمل حوراء في ملامحها إرث التجربة وحكايات من صبر المعلمات في ظل واقع تعليمي لا يرحم، تقول “مهنتنا متعبة جدًا. التعليم ليس كما يظنه البعض، مجرد ساعات دوام وتنتهي، بل الوقوف لوقت طويل، التعامل مع طلاب من بيئات متعددة، وضغوط العمل تتبعنا حتى إلى بيوتنا”.

وتضيف “نعود الى منازلنا لنتحول إلى مخططي دروس، ومصححي أوراق، ومعدين للأسئلة. نعيش في دوامة لا تنتهي من الجهد والالتزام، فضلا عن ذلك نحن نتعرض لمخاطر عدة بسبب مهنتنا وحينما نطالب بحقوقنا نتعرض للإهانة او الضرب”.

لا تخفي حوراء استياءها مما تصفه بـ”مسرحية الحكومة”، بعد موجة المظاهرات الأخيرة، والتي تقول إنها لم تكن سوى محاولة لامتصاص غضب المعلمين، دون قرارات فعلية تغير واقعهم.

وتكمل حديثها “صناعة الأجيال تبدأ من المدارس وفي الدول المتقدمة يعامل المعلم كما يعامل الطبيب أو المهندس اما في بلداننا فالأمر مختلف وحتى بعد كل هذه الاحتجاجات والوقفات، لم نحصل سوى على زيادة لا تتجاوز 100 ألف دينار اي (70) دولارا فقط، فهل تعادل هذه الزيادة حجم الجهد المبذول؟ بالتأكيد لا”

واقع مربك

لا تقتصر المشكلات التي تواجهها المعلمات على عملهن في المدن، فمدارس القرى لها حكايات أخرى للنساء العاملات في مجال التدريس غالبا ما تختبئ بين الجدران ولا تخرج للعلن لان الحلول تقدمها العشائر هناك، وحتى لو رفضت المدرسة اللجوء الى العشيرة فلن يحميها القانون وعليها ان تبادر الى معرفة تفاصيل عن عشيرتها اذا ما عملت في تلك القرى.

رفل محسن تبدأ رحلة يومية طويلة كل صباح إلى مدرستها الابتدائية التي تبعد مسافة طويلة عن منزلها مما يجبرها على صرف جزء كبير من راتبها على وسائل النقل، فقط لتصل إلى مكان لا يحمل من مفردات “المدرسة” إلا الاسم.

المدرسة التي تعمل بها رفل، واحدة من عشرات المدارس النائية التي لا تتوفر فيها أبسط مقومات التعليم، لا للمعلمة ولا للطالب. البناية متهالكة، والمقاعد مكسّرة، ولا وجود لأي وسائل تعليمية حديثة. حتى الكادر التعليمي يعاني من نقص حاد، ما يجعل المعلمات، ومن بينهن رفل، يتحملن عبئًا مضاعفًا بتغطية الحصص الإضافية والعمل لساعات تفوق المقرر، دون أي تعويض أو دعم.

وزارة التربية العراقية أعلنت إحصائية في يناير الماضي كشفت فيه ان عدد المدارس الطينية وصل الى مئة مدرسة اما مدارس الكرفانات فبلغت 1000 مدرسة معظمها في جنوب العراق ، فيما اكدت الإحصائية ان هناك 1200 مدرسة آيلة للسقوط ويخدم فيها آلاف المعلمات والمعلمين.

المتحدث باسم وزارة التربية كريم السيد أعلن في تصريح لوسائل الاعلام المحلية ان معظم المدارس الطينية تقع في محافظات ذي قار وصلاح الدين في القرى البعيدة، مؤكدا رصد تلك المدارس جاء ضمن خطة الوزارة لتحديد أولوياتها في ترميم المدارس.

وسط هذا الواقع المتعب، تتارجح حياة المعلمات في العراق بين مشكلات تخص المدارس وأخرى تتعلق بحقوقهن التي يطالبن بها مع زملائهن عبر الاضراب والاعتصامات وثالثة تتعلق باستهدافهن المستمر من من قبل أولياء أمور الطلبة او الطلبة ذاتهم، حيث يتقاسمن التعب اليومي بين زحمة الصفوف، وقلة الإمكانات وساعات العمل التي لا تنتهي بانتهاء الدوام. من نور إلى رفل، ومن حوراء إلى كل من تحمل الطباشير بيد والهموم والخوف بيد أخرى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى