هل ستحسم عملية التصويت الخاص نتائج الانتخابات النيابية في ميسان

العمارة- مهدي الساعدي
مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية المقررة في الحادي عشر من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، تشهد الساحة السياسية العراقية سباقًا محمومًا بين المرشحين الذين يكثّفون حملاتهم الدعائية في محاولةٍ للفوز بثقة الناخبين قبل بدء مرحلة الصمت الانتخابي، في مشهد تتزايد فيه حدة المنافسة وتتشابك فيه التحالفات والمصالح.
وفي هذا لا يختلف المشهد العام في محافظة ميسان جنوب شرق البلاد عن بقية المحافظات والمدن العراقية الأخرى، رغم احتفاظها ببعض الخصوصيات التي ميزتها، منها كثرة أعداد أبنائها من منتسبي القوات الأمنية، الذين يخضعون بدورهم لعملية التصويت الخاص.
ما هو التصويت الخاص؟
هي عملية انتخابية محددة لفئات خاصة لا تستطيع المشاركة مع أقرانها في الانتخابات العامة، بسبب انشغالهم بتنفيذ مهام وواجبات منوطة بعملهم، وفي مقدمتهم القوات الأمنية كونها المسؤولة عن حفظ الأمن في البلاد، أو لظروف خاصة كوقوعهم تحت الحماية مثل السجناء.
لذلك تم تخصيص يوم يسبق الانتخابات العامة ليقوموا بالتصويت والتفرغ بعدها لمهام عملهم – كالقوات الأمنية – أو للعودة إلى وضعهم الطبيعي كالسجناء.

وفي هذا الصدد يشير الباحث م. د. زياد خلف نزال في بحثه المنشور في مجلة النهرين للعلوم القانونية في عددها الصادر في شهر ديسمبر عام 2023، إلى أن “المشرّع العراقي أكد على حق التصويت الخاص، ونظمه في قانون الانتخابات العراقي رقم 9 لسنة 2020 المعدل، والذي حدد فيه فئات معينة للتصويت بسبب وضعهم الخاص، وهم كلٌّ من القوات الأمنية المسلحة العراقية والنزلاء المحكوم عليهم بالسجن لأكثر من خمس سنوات”.
أعداد وأرقام
يبلغ عدد منتسبي القوات الأمنية المشمولين بالتصويت الخاص من أبناء محافظة ميسان فقط أكثر من 36 ألف ناخب، كما بينت مصادر مسؤولة في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق – مكتب ميسان. وهو عدد لا يُستهان به، خصوصاً بعد نتائج نسبة المشاركة في عملية التصويت العام لانتخابات مجالس المحافظات غير المرتبطة بإقليم، التي جرت مؤخراً خلال شهر كانون الأول/ديسمبر 2023 (باستثناء إقليم كردستان)، حيث بلغت نسبة المشاركة في ميسان بالتحديد 27% فقط، ما يولّد اعتقاداً كبيراً بأن مشاركة التصويت الخاص ستسهم في حسم النتائج مبكراً.
وفي هذا الصدد، بينت مصادر مطلعة في مكتب ميسان في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق للمنصة أن “عدد مجموع مصوتي محافظة ميسان والمشمولين بالتصويت الخاص، سواء في ميسان أو غيرها من المحافظات والمدن الأخرى، يبلغ 36,437 ناخباً، سيدلون بأصواتهم في التاسع من شهر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، أي قبل 48 ساعة من التصويت العام، وذلك عن طريق مراكز التصويت الخاصة بهم المنتشرة في عموم البلاد، وسيتم التصويت وفق آلية خاصة تم تدريب موظفينا عليها، كما سيتم إعلان نتائج التصويت الخاص رسمياً مع نتائج التصويت العام”.
وأضافت المصادر: “وفي محافظة ميسان بالذات تم تخصيص 24 مركزاً للتصويت الخاص وُزعت على عموم مناطق المحافظة، سيدلي خلالها 42,369 ناخباً من عموم المحافظات العراقية الأخرى، ولكن مراكز عملهم في ميسان، وسيُحسب تصويتهم لصالح محافظاتهم الأصلية”.
تأثير التصويت الخاص
بحسبة بسيطة، واعتماداً على نتائج آخر عملية انتخابية شهدتها البلاد والمتمثلة بانتخابات مجالس المحافظات ونسبة مشاركة أبنائها، سيكون لمشاركة منتسبي القوات الأمنية تأثيرٌ كبير في حسم نتائجها.
وفي هذا الصدد يؤكد المراقب علي بدر عبد الله، أحد أعضاء منظمة الخير الإنسانية – شريك شبكة عين العراق لمراقبة الانتخابات – للمنصة:
أن “التصويت الخاص دائماً يشمل القوات الأمنية، ويكون قبل يومين من موعد الانتخابات، وقد تصل نسبة مشاركتهم إلى أكثر من 80%، ما يجعل أصواتهم مؤثرة، بسبب اعتماد طريقة الاختيار بالنسبة للقوائم أو المرشحين الذين يمتلكون علاقات قوية بالمؤسسات الأمنية والحكومية. وهذا يخلق ترجيحاً لبعض القوائم على حساب أخرى، كونها تعتمد على العلاقات مع القوات الأمنية، وخير دليل على ذلك الانتخابات النيابية السابقة التي أُجريت عام 2021 والتي غيرت الكثير من المعادلات الخاصة بالأعداد والمقاعد”.

وفي السياق ذاته، أشار جمعة المالكي، رئيس مؤسسة الهدى للدراسات الاستراتيجية، للمنصة قائلاً إن “عدد 36 ألف صوت، وبحساب نسبة التصويت العام، إذا ما أخذت الانتخابات المحلية كمثال وكانت متدنية، فبالتأكيد ستكون مؤثرة وقد تحسم النتائج. ولكن لا بد من وضع أهمية الكيانات السياسية المشاركة والشخصيات المؤثرة في الحسبان في انتخابات مجلس النواب، لذلك من الممكن أن ترتفع نسبة الحضور إلى صناديق الاقتراع مقارنة بالانتخابات المحلية لعام 2023”.
معركة حسم مبكرة
نسبة المشاركين من أبناء ميسان في آخر عملية انتخابية شهدتها البلاد، مقابل التزام ناخبي التصويت الخاص بالاقتراع، جعل الكثير من المهتمين من أبناء المحافظة يعتقدون أن عملية التصويت الخاص ستكون معركة حسم مبكرة.
يقول الباحث في العلوم السياسية أ.م.د. وجدان فالح حسن للمنصة: “إذا كانت نسبة المشاركة في التصويت العام منخفضة جداً، فمع وجود ما يقرب من 36 ألف ناخب سيصوتون في التصويت الخاص، مقسمين على الأجهزة الأمنية المتنوعة، سواء الدفاع أو الداخلية أو هيئة الحشد الشعبي أو الأجهزة الأمنية الأخرى غير المرتبطة بوزارة، فإن التصويت الخاص سيكون له تأثير حاسم في الانتخابات. أما إذا كانت نسبة المشاركة في التصويت العام عالية، فسيكون تأثيره غير حاسم بشكل كامل. لذا تعتمد قضية الحسم المبكر على مقدار نسبة وعدد المشاركين في التصويت العام”.

وقد تنبّه إلى هذا الموضوع عدد من مرشحي المحافظة لمجلس النواب، إذ وضع بعضهم كل ثقته واعتماده على نتائج التصويت الخاص.
وفي هذا الشأن أكد المراقب علي بدر عبد الله، أحد أعضاء منظمة الخير الإنسانية – شريك شبكة عين العراق لمراقبة الانتخابات – للمنصة:
“من وجهة نظري، العديد من المرشحين في ميسان يعتمدون اعتماداً كلياً على نتائج التصويت الخاص، سيما من يملكون علاقات قوية ومؤثرة بالجهات الأمنية، ولا نخفي ما تمتلكه الأحزاب في هذا الصدد”.
وأضاف “لاحظت وجود توجه في الشارع الميساني نحو القوات الأمنية، وبالذات على رؤساء تلك القوات باعتبارهم المحركين لها حسب مناصبهم ووجودهم في المؤسسات الأمنية”.
توقعات مسبقة
على الرغم من توقعات تأثير نسبة التصويت الخاص في تحديد الجهات السياسية التي سيكون لها الحظ الأوفر في الفوز بالمقاعد النيابية الممثلة لميسان، إلا أن المراقبين يقفون بحذر أمام توقع أسماء محددة لأسباب عديدة.
يقول الباحث وجدان فالح حسن للمنصة: “لو قسمنا القوات الأمنية إلى مجموعات انتخابية، فسنجد أن أغلب القوات الموجودة ضمن قوات الحشد الشعبي ستصوّت لقائمة مرشحيها، بمعنى أنها تتوزع على الأحزاب السياسية والفصائل التي تشترك في الانتخابات ولها أذرع عسكرية، أو بعبارة أخرى، لها مقاتلون ضمن ألوية الحشد الشعبي. وكذلك الحال في الداخلية والدفاع والتشكيلات الأمنية الأخرى المرتبطة بالقائد العام للقوات المسلحة، إذ هناك العديد من الضباط والشخصيات من المرشحين الذين كانوا يعملون في هذه التشكيلات”.

و]ضيف: “هذا أيضاً سبب يجعل المنتسبين يصوتون لهم، كما لا نغفل تأثير شيوخ العشائر المترشحين في الانتخابات، الذين سيكون لهم دور مؤثر، لذا من الصعب جداً أن تتحرك هذه الأصوات في اتجاهات يمكن توقعها بشكل محدد”.
وفي السياق نفسه، أفاد مراقبون بوجود ضوابط تلزم توجه ناخبي التصويت الخاص، منها الانتماءات العديدة. ويرى المراقب علي بدر عبد الله للمنصة إن “ناخبي التصويت الخاص سيتحركون وفق ميزان العلاقات الشخصية والانتماءات السياسية وكذلك العشائرية، وسيكون لهذه المرتكزات الثلاثة دور في حصول بعض القوائم أو المرشحين على أصوات من خلال الاقتراع الخاص”.

وتشهد محافظة ميسان تنافس 141 مرشحاً، منهم 37 امرأة، من 7 قوائم انتخابية، ثلاث منها لتحالفات سياسية وثلاث أخرى لأحزاب، إضافة إلى مرشح مستقل واحد فقط.
ويتنافس الجميع على عشرة مقاعد نيابية تمثل أبناء محافظة ميسان، على الرغم من تجاوز عدد سكانها المليون وأربعمائة ألف نسمة، وفق بيانات إحصاء عام 2024، بعدد ناخبين مؤهلين للتصويت بلغ 572,778 ناخباً، بحسب ما أعلنته المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في ميسان.



