الإيزيدية .. مأساة أبدية

يأتي الايزيديون من الماضي المحمل بالقمع والمذابح، وهم مستهدفون بالإبادة الجماعية بسبب معتقداتهم الدينية المختلفة التي لم يتخلوا عنها بالرغم من كل التحديات، على العكس من ذلك، فقد كانوا حريصين على حماية هويتهم وتاريخهم بشدة.
يحتفظ الأيزيديون بذاكرة مدمية فلطالما تعرضوا للهجوم والتدمير،والتي كانت تسمى في العهد العثماني “فارمان”. كانت الموجة الأخيرة من الإعتداء على الإيزيديين هجوم مقاتلي تنظيم “داعش” على سنجار في آب/أغسطس 2014 حيث تم تشريد الآلاف منهم وقتل أعداد كبيرة وخطف نساء وأطفال ورجال، الكثير منهم مجهول المصير حتى الآن.

نشأة الديانة الأزيدية
الإيزيدية هي أقلية دينية مغلقة تؤمن بأن دينهم قديم جداً يعود تاريخه إلى تاريخ البشرية. ومع ذلك، فإن مؤرخي الديانة الأزيديين يصنفون دينهم ويؤمنون بأن تاريخ الديانة الأزيدي يبدأ بعد وصول الإسلام. وفقا للمؤرخين، أعاد الإيزيديون إحياء دينهم وتقاليدهم على أمل أن يتمكنوا من حماية هويتهم التاريخية في مختلف مناطق الشرق الأوسط ، وبالتالي نمت معتقداتهم الدينية. ويتمركزون أساسا في محافظة نينوى فضلا عن أن لديهم وجود في إقليم كوردستان، واللغة الكردية هي عنصر أساسي للأيزيديين.
تعود جذور الديانة الأيزيدية الى القرن الثاني عشر الميلادي بحسب الكثير من المصادر التاريخية، عندما سافر “شيخ عدي بن مسافر” من بلاد الشام إلى “لالش” ، قام بتحويل ميثراس والكنيسة النسطورية القديمة إلى مكان عبادة ديني خاص به، وبدأ في توسع هذا الدين المحير.

إنها قصة معقدة لفهم جذور وأسلاف “الشيخ عدى بن مسافر” ، هناك العديد من الروايات المختلفة والغامضة عن حياة هذا الرجل وموته ، لكن ما هو واضح هو أن بن مسافر عاش في القرن الثاني عشر. كان يحظى باحترام كبير ويعتبر مؤسس الدين الأزيدي. ويعتبر مكان العبادة لالش والشيخاد أقدس الأضرحة عند الايزيديين.

أخفي شيخ عدي وأتباعه سر دينهم عن غير الايزيديين لقرون، وهذا هو أحد الأسباب التي تجعل الإزيديون يختبئون في القرى والوديان البعيدة والتلال الغادرة والجبال في شيخان وباعذري وبعشيقة وسنجار.
دائما ما يتهم الايزيديون بأشياء كثيرة لأنهم لا يحبون تعريف غير الايزيديين عن حقيقة دينهم ولا يمكن لأي أيزيدى ان يغادر دينه ولا يمكن لأحد أن يتحول إلى دينهم. ويمكن لهذا الدين أن يتوسع من خلال الدم فقط أي الوراثة.
وعاشت الأيزيدية دائمًا كمجموعات صغيرة وانتشرت في البلدات والمناطق الفرعية المحيطة بالموصل، وهي مجموعة معزولة كانوا يقومون بزراعة وتربية الحيوانات كمصدر للدخل والمعيشة، و كانوا دائمًا يحمون هذه الثقافات الخاصة بهم.

مير وشيخ وبير وفقير
للديانة الأيزيدية كتابان مقدسان هما “جلوة” و “المصحف الأسود”، ويصنف أتباعه الى طبقات ترث وضعها الاجتماعي من الأجداد. على الرغم من أنهم يؤمنون بتعدد الزوجات ، إلا أنهم لا يستطيعون الزواج من الطبقات الأخرى التي لا ينتمون إليها. عليهم أن يتزوجوا فقط من الطبقات الخاصة بهم.

ياتى “مير” أو “الأمير” في أعلى السلطة الدينية والدنيوية، يعتبر مير زعيم جميع الايزيديين في العالم وهو ممثل شيخ عدي. يعود أصل مير إلى شيخ أبو بركاتي ابن صخر ابن مصفر ابن أخ شيخ عدي. لدى المير سلطة شبيهة بالله ولديهم حصانة مطلقة، ولا يمكن لأحد أن يعصيهم ويشرفون على الشؤون الدينية والوقفية لكل الإيزيدية.
إن أمير الإيزيديين الحالي هو تحسين بك ابن سعيد بك، وقد كان مير إيزيدي على مدى 74 سنة مضت. كان عمره تسع سنوات فقط عندما أصبح الأمير في عام 1945 وأصبحت جدته مايان خاتون مستشارة منذ ذلك الحين.
يصبح الأمير مدى الحياة وبعد وفاته سوف يتم توريث المنصب لأبنه أو أخيه. سوف يورث موقف الأمير من عائلة الأمير نفسها.

بابا شيخ يأتي في المرتبة الثانية بعد منصب الأمير، يرأس الجمعية الروحية للإيزيديين التي تعتبر أعلى سلطة روحية. ثم الطبقات الأخرى هي شيخ, بير (المسنين), فقير, موريد, وكوجك. كل من هذه الطبقات تقوم بتنفيذ شؤون محددة. بعض منهم يقوم بتقديم التضحيات لخدمة الضريح وتبجيلا لهذه الخدمة، البعض الآخر يقرأ الأناشيد الدينية في المهرجانات والمناسبات الخاصة ويعتبر المريد أيضا أدنى مستوى منها.

الصوم والمصابيح وطاووس ملك
يصوم الايزيديون ثلاثة أيام سنويًا فقط، في الايام 13 و 14 و 15 فى شهر كانون الثاني/ يناير من كل عام. لديهم عدة أعياد مختلفة، أهمها عيد السنة الجديدة، يتم الاحتفال به كل عام في أول يوم أربعاء من شهر نيسان/أبريل ويستمر هذا العيد لمدة أسبوع واحد، كما يحتفلون بعيد جامع ، وليمة الأربعاء سور وذروة موسم الصيف.

كل يوم يقوم الايزيديون بإشعال 156 مصباحا فى معبد لالش أثناء الغسق، لمئات السنين خصصت عشرات الحاويات النفطية لحرق الأضواء من مكان العبادة. يحملون الأضواء بالتسلسل ويحرقونها بزيت الزيتون. كل ليلة أربعاء يضيء ويحترق 255 مصباحًا, حيث يعتبر يوم الأربعاء يومًا مُكرسًا مقارنة ببقية الأيام الأخرى. هذا لأن (ملك الطاووس) كان قد خلق يوم أربعاء. كما يحرقون 366 شمعة أضواء على الأعياد الأخرى من جامو، موسم الصيف ، السنة الجديدة وأربعاء سور لأن الإيزيدية لديهم 366 يوما في التقويم السنوي.

وقفا للأيزيديين فإن طاووس ملك هو ملك جميع الملائكة الأخرى، يحكم العالم بدعم ومساعدة من سبعة ملائكة آخرين. وهو أقرب ملاك لله وهو أول من خلقه. لقد كلفه الله تعالى بإدارة وحكم العالم. وفقا لإيمانهم، عندما خلق الله سبحانه وتعالى الكون وآدم ، أمر طاووس ملاك الركوع لآدم. ومع ذلك رفض أن يفعل ذلك ولم يركع. ثم عوقب بغضب الله . ثم لسبعة آلاف سنة كان يتوسل إلى الله أن يغفر له وأن الله سبحانه وتعالى غفر له. هكذا وفقا لإزيدي طاووس ملك هو إلهي وقائد جميع الملائكة.

المقدسات الأربعة
في الديانة الايزيدية “الشمس والنار والتربة والمياه” هي مقدسة. ووفقًا لاعتقادهم ، فإن مصدر بئر ماء زمزم وكاني سبي يبرزان في كهف جبل لالش. يعتبر هذا المكان الجنة ويجب أن يكون كل واحد مع اوا مور (بيربل ووتر او الماء الأرجواني).
الثعابين السوداء تعتبر أيضا مقدسة في الديانة الأيزيدية ولهذا السبب تم نحت المقابر والأضرحة من جميع الرجال الجيدين من إيزيدي مع أيقونات الثعابين. إن قتل ثعبان أسود يعد عملا غير مقدس لأنه كما تقول الأساطير خلال الفيضان العالمي الملحمي، تعرضت سفينة نبي نوح للثقوب والشقوق وكانت على وشك الغرق، فأغلقت الثعابين السوداء الثقوب عندما وضعت نفسها فيها، وبهذه الطريقة تصرفت كمنقذ للسفينة وللبشرية جمعاء.

العلاقة بين الايزيدية والديانات الأخرى
لا تستخدم الايزيديون اللون الأزرق في ملابسهم والامتناع عن تناول بعض الخضروات واللحوم مثل القرنبيط والديك. يعتقد بعض المؤرخين أن الإيزيدية هي ديانة كردية قديمة قبل ظهور الإسلام وتعود جذورها إلى الزردشتية والمونيزم. يمكن اكتشاف الفلسفة الثنائية العالمية للزردشتية من النور والظلام وعبادة الشمس في بعض الأناشيد الدينية لهذا الدين. و يمكن للمرء أن يرى النقش والنحت من أيقونة الشمس في معظم المزارات ودور العبادة واتجاه قبورهم تواجه الشرق وشروق الشمس.

من حيث التقاليد والمعتقدات الدينية ، هناك العديد من السمات المشتركة بين الإسلام والمسيحيين واليهود وكاكاي والزردشتيون وجذر جميع الأديان السامية في الإيزيديّة. تماماً مثل المسلمين واليهود إنهم يمارسون الختان ، ويؤمنون أيضاً بالتضحية والإحسان والزكاة. تماما مثل المسيحيين يمارسون أيضا المعمودية واستخدام النبيذ والموسيقى في احتفالاتهم الدينية وأناشيدهم ، كما هو الحال مع الزردشتيين الذين يؤمنون بتكريس الشمس والنار ويعتقدون فى تناسخ الأرواح مثل الكاكائيين.

في بيت العبادة في لالش ، هناك ثلاثة أشياء مقدسة مذكورة والتي هي نفس الأشياء الثلاثة نفسها في الإسلام التي يقوم الناس بالحج في المكة المكرمة والمدينة المنورة ، هذه هي أوي زمزم ( المياه زمزم) ، جبل عرفات والحج.

يقدر عدد الإيزيديين ما بين 400 ألف إلى 700 ألف شخص، فر بعضهم من الإبادة الجماعية والمذابح في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وهاجروا إلى أرمينيا وجورجيا ويعيشون هناك حتى الآن. وبعضهم يعيشون أيضاً في الحسكة وعفرين في سوريا، بينما يعيش البعض الآخر في قارص وإردخان في تركيا.
تعيش أغلبية المهاجرين الايزيديين في ألمانيا. هاجروا في سبعينيات القرن الماضي، ثم هاجر إيزيديون من الاتحاد السوفييتي السابق إلى ألمانيا، وما زالت هذه البلاد الوجهة المفضلة للأيزيديين، فهناك العديد من المنظمات والمراكز الاجتماعية والثقافية الخاصة بهم وقبل بضع سنوات أصبحت فتاة إزيدية تدعى “فلكناس أوجا” عضوًا في البرلمان الأوروبي.

يشعر الايزيديون الآن بقلق كبير من تحول مناطق سكناهم في العراق خاصة سنجار إلى مسرح للحرب والنزاع السياسي، إنهم يعتقدون أن ما يحدث الآن على أرضهم هو الحدث الأكثر رعباً ومأساوية في تاريخهم.