الابتزاز الالكتروني والتقاليد العشائرية والمخدرات تزيد حالات الانتحار في ذي قار

ذي قار – علي الناصري

كادت محاولة الانتحار ان تودي بحياة جنان (17 عاما) بعد تناولها لجرعة كبيرة من الادوية السامة، ولولا القدر الذي ساق والدتها اليها وهي في الرمق الأخير لما عاشت.

نقلت الام ابنتها على وجه السرعة الى جناح الطوارئ في مستشفى الحسين التعليمي وسط مدينة الناصرية بمساعدة شقيق جنان وتمكنوا من انقاذها .

تقول جنان انها عانت من حالة نفسية وضغوطات عائلية بعدما شعرت انها ستساق الى زواج قسري ولم تكمل دراستها بعد في مرحلة الخامس الاعدادي في محاولة من العائلة للتخفيف من عبء مسؤولية اربع بنات لم تفكر يوما انها ستزوجهن للخلاص من المسؤولية المادية التي تتحملها لتربية اربع فتيات لها كونها من عائلة متوسطة الحال.

ليست جنان وحدها من حاولت الانتحار بسبب اجبارها على الزواج، فالأمر يبدو شائعاً بين العائلات الفقيرة التي تنجب اطفالاً كثر وحينما يكبرون ولا تسطيع تلبية ابسط احتياجاتهم تجبرهم على الزواج للتخلص من مسؤوليتهم لا سيما الفتيات.

شعور رهيب لا يوصف تتحدث عنه ناجية اخرى من محاولة الانتحار وهي الشابة عبير محمد (25 عاما) لكن قصة عبير تختلف قليلاً فهي مطلقة ولديها طفلين، تقول الناجية انها اقدمت على الانتحار بعدما اغلقت بوجهها جميع ابواب الامل من زواج فاشل ومسؤولية اطفال ونظرة مجتمع وقسوة عائلة لذلك ربطت عنقها بغطاء الرأس الذي ترتديه وعلقت نفسها بباب الغرفة وقد شاهدت الموت بأم عينيها واسودت خيوط الشمس لولا مسارعة اخوها الاصغر في انقاذها وهو ينادي بصوت عال على جميع افراد الاسرة.

هذه المحاولات الفاشلة للانتحار تقابلها محاولات انتهت بوفاة اصحابها كحال الشاب علي جميل (35 عاماً) والذي القى بنفسه من على جسر المشاة وسط مدينة الناصرية لتنتشله شرطة النجدة النهرية جثة هامدة بعد ساعتين من النهاية المحتومة.

والدته التي لا يفارق عيونها الدمع تقول ان ولدها كان شابا عاديا لم يتحدث يوما عن فكرة الانتحار وكان يعمل في بائعاً للخضار رغم انه من ذوى الشهادات الجامعية الا انه لم يتزوج بعد بسبب قسوة الحياة وعدم وجود فرصة التعيين التي تلائمه رغم محاولاته العديدة.

لكن والدته لم تدرك يوماً ان قسوة الظروف ستدفعه للانتحار وانهاء حياته بيده.

خفايا حالات الانتحار في محافظة ذي قار سرعان ما تحولت الى ظاهرة اجتماعية مخيفة فقد سجلت المحافظة في النصف الاول من العام الجاري 2019 اكثر من (140) حالة انتهت أربعين منها بالوفاة وفشلت (100) محاولة اذ تمكنت عائلاتهم واشخاصاً اخرين من انقاذهم في اللحظات الأخيرة.

عن هذه الاحصائية الحديثة تقول رئيس لجنة المراءة والطفل في مجلس المحافظة زينب خلف ان جميع حالات الانتحار كانت من حصة شريحة الشباب ممن لم يتجاوزا عشرين عاما وان المحافظة شكلت لجنة مشتركة لمتابعة اسباب ومعالجة هذه الظاهرة وتقديم تقاريرها قريبا .

وتضيف “تتصدر ذي قار المحافظات العراقية في ظاهرة الانتحار بعدما كانت قبل شهرين في المرتبة الثانية الامر الذي يشكل خطرا مجتمعيا يتطلب الوقوف عنده بكل الإمكانيات”.

ولا يجري الحديث عن اسباب انتحار الاناث وسط حالة من الحرج في اطار مجتمع محافظ تسيطر عليه العادات والتقاليد والاعراف الا ان رجل الدين الذي يتمتع بشهرة في مدينة الناصرية السيد صبار المحمداوي حول الامر كان صريحاً حينما طرح الامر في جلسات وخطب دينية.

وارجع في تلك الخطب انتشار الظاهرة بين الشباب الى البطالة والفقر والحرمان فيما تتعرض النساء الى ازمات نفسية بسبب الامور الاجتماعية والعرف العشائري ومنها فرض ابن العم على ابنة عمه الزواج منه اجباراً او عدم السماح لها بالزواج حتى لو لم يتزوجها وهو عرف عشائري لا زال سائداً ويطلق عليه تسمية (النهوة) فضلاً عن الابتزاز الالكتروني على شبكات التواصل الاجتماعي.

احصائيات الانتحار السنوية كما اوردتها خلية ازمة الانتحار المشكلة في ديوان المحافظة تشير الى تسجيل (70) حالة انتحار خلال عام 2017 انتهت (52) منها بالوفاة فيما سجلت اربعين حالة انتحار في عام 2018 تنوعت بين الشنق واطلاق النار والغرق والحريق.

هذه الارقام المتصاعدة يعزوها رئيس منظمة التواصل والاخاء الانسانية علي الناشي وهو احد اعضاء خلية ازمة الانتحار الى عدة اسباب مجتمعية متداخلة منها الخلافات الاسرية والبطالة وغياب ثقافة الباحث الاجتماعي والنفسي الذي يعالج تلك الامور فيما تتصدر مشكلة تعاطي المخدرات ابرز هذه الاسباب لرخص ثمنها وتوفرها في زوايا عديدة.

مدير مكتب الصحة النفسية في دائرة صحة محافظة ذي قار ابراهيم صفاء يقول ان المكتب يقدم المعالجة والاستشارات والتأهيل النفسي لمئات الحالات شهرياً، اغلبهم من الفئات العمرية الصغيرة ويقول ان بعض حالات الانتحار تتأثر بما يبث على شبكات التواصل الاجتماعي من فيديوهات تحرض على الانتحار والتي تتطلب وقفة جادة من قبل الجهات المسؤولة من خلال بث فيديوهات مناهضة لها تحفز على اشاعة روح الاندماج في المجتمع.

 

 

تنويه للقراء: قمنا بتغيير أسماء الضحايا حفاظاً على خصوصيتهم وجميع الأسماء الواردة في القصة مستعارة لذا اقتضى التنويه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى