الحشد الشعبي يتجه نحو المزيد من العزلة
مع اعلان الفصائل الشيعية الموالية للسيستاني انسحابها من هيئة “الحشد الشعبي”، خسرت هذه الهيئة جزئها المعتدل، فهي تتجه نحو المزيد من العزلة وتواجه صعوبات تتعلق بانتزاع شرعيتها.
وثيقة حكومية كشفت قبل ايام عن انشقاق الفصائل الاربعة التابعة الى السيستاني وهي فرقتي “الامام علي” و”العباس القتالية”، ولوائي “علي الاكبر” و”انصار المرجعية” من هيئة “الحشد الشعبي”، وارتباطها برئيس الوزراء، لينهي ذلك صراعا طويلا بين الطرفين بدأ اثناء المعارك ضد تنظيم “داعش” عام 2014 عندما تأسست الهيئة كقوة مستقلة بدعم من ايران، ورفض من السيستاني.
عام 2014 اعلن السيستاني الزعيم الروحي للشيعة في العراق واللاعب الاساسي في المشهد العراقي بعد التغيير عام 2003، فتوى “الجهاد الكفائي” للعراقيين لمحاربة تنظيم داعش الذي وصل الى ضواحي العاصمة بغداد واحتل ثلث مساحة البلاد في الموصل والانبار وصلاح الدين.
وبينما كان السيستاني يهدف الى ان يكون المتطوعين تحت امرة وزارة الدفاع، انتهزت ايران الفرصة لدعم فكرة تأسيس هيئة عسكرية جديدة مستقلة عن وزراتي الدفاع والداخلية، وهي هيئة “الحشد الشعبي” برئاسة مستشار الامن الوطني فالح الفياض، ولكن يديرها فعليا نائبه ابو مهدي المهندس الذي قتل مع قائد فيلق القدس الايراني قاسم سليماني في غارة جوية اميركية في بغداد مطلع العام الجاري.
واتحدت ثلاث انواع مختلفة من الفصائل الشيعية تحت قيادة هذه الهيئة، الاولى الفصائل القريبة من ايران، وهي الفصائل الاكثر عددا، وتؤمن بـ “محور المقاومة” في المنطقة، كما انها الاقوى تسليحا والاكثر انتقادا بتمردها على سلطة الدولة، وهي المتهمة باعمال ضد حقوق الانسان خلال المعارك ضد داعش.
والثانية هي الفصائل التي شكلتها احزاب وقوى سياسية وابرزها “سرايا السلام” بقيادة مقتدى الصدر، وهي فصائل معتدلة لم تتورط في اعمال ممنهجة ضد حقوق الانسان، كما انها ابدت استعدادا لتفكيك نفسها، اذ اعلن مقتدى الصدر استعداده للانضمام الى وزارة الدفاع، لكنه اشترط قبول ذلك بأنضمام جميع الفصائل، اذ انه لا يريد التخلي عن هيئة “الحشد الشعبي” ليسمح لخصومه من الفصائل القريبة من ايران الانفراد بأدارة هذه الهيئة المهمة.
والثالثة هي الفصائل الاربعة التابعة الى السيستاني، وهي فصائل بلا طموحات سياسية او اهداف للقتال خارج البلاد، وهي من اكثر الفصائل اعتدالا واحتراما للحكومة العراقية، وغالبا ما كانت الحكومة تختارها من دون باقي الفصائل، للمشاركة في عمليات عسكرية حساسة ذات طبيعة سياسية او ديموغرافية، مثل معركة الموصل.
هيمنت الفصائل التابعة لايران على قيادة هيئة “الحشد الشعبي” لأسباب مرتبطة بقوتها وعددها الاكبر، وخبرتها في هذا المجال اذ تأسس الكثير منها قبل ذلك بسنوات، كما ان الكثير من قادتها لديهم خبرة ميدانية في حرب الشوارع وفي طريقة ادارة فصائل مسلحة غير رسمية منذ عقود، فيما بقيت الفصائل التابعة الى مقتدى الصدر والسيستاني مهمشة ولا تلقى معاملة جيدة من حيث الرواتب والاسلحة.
الان رغم ارتياح الفصائل القريبة من ايران المسيطرة على هيئة الحشد الشعبي، بعد قرار خروج فصائل السيستاني عنها، والتخلص من انتقاداتها المستمرة لهم، لكن هذا القرار سيضفي المزيد من الجدل حول الهيئة التي ما زالت تسعى لاضفاء الشرعية على عملها ونشاطاتها، اذ ان الفصائل القريبة من السيستاني والمعروفة باعتدالها والتزامها بقرارات الحكومة ووزارة الدفاع كانت تقف عائقا امام انتقاد هيئة “الحشد الشعبي”.
بعد انسحاب هذه فصائل السيستاني، فان هيئة “الحشد الشعبي” ستواجه المزيد من الانتقادات، وسينظر لها على انها تجمع لفصائل متطرفة تدين بالولاء لأيران ولا تحترم الحكومة العراقية.
اسباب الانسحاب
تعود الخلافات بين فصائل السيستاني والفصائل الاخرى الى مراحل تأسيسها الاولى، كان المرجع الشيعي يسعى لان يكون المقاتلون الذين يتطوعون لمحاربة داعش يعلمون تحت قيادة الجيش والشرطة، وكانت خطب السيستاني الاسبوعية طيلة المعارك ضد داعش، تسمي هؤلاء المقاتلين بالمتطوعين ولا تذكر هيئة “الحشد الشعبي”.
وفي السنوات الماضية عانت الفصائل التابعة الى السيستاني من التهميش من قبل نائب رئيس الهيئة ابو مهدي المهندس عبر رواتب المقاتلين واسلحتهم، ولم تحصل فصائل السيستاني على معاملة متساوية مع الفصائل القريبة من ايران، وبينما كان السيستاني يطالب بشدة بتطبيق قانون “الحشد الشعبي” الذي اقره البرلمان وبعدها قرارات الحكومة في تنظيم ادارة هيئة “الحشد الشعبي” لتكون تحت امرة الحكومة بشكل حقيقي، كان قادة الحشد يماطلون في تنفيذ هذه القرارات.
ميثم الزيدي الذي يعد القائد الاعلى للفصائل الاربعة التابعة الى السيستاني انتقد في اكثر من مرة ادارة الهيئة على مدى السنوات الماضية حول العديد من الملفات، وكانت اخر اعتراضات هذه الفصائل الاربعة في اختيار ابو فدك لمنصب نائب رئيس هيئة “الحشد الشعبي” بدلا عن ابو مهدي المهندس، لكون عملية الاختيار لم تخضع للإجراءات القانونية بل جرت باتفاق الفصائل القريبة من ايران.
حاولت الفصائل التابعة الى السيستاني الانضام رسميا الى وزارة الدفاع، بعدما اخفقت محاولاتها في تصحيح عمل هيئة “الحشد الشعبي”، لكن نقطة التحول الكبيرة حصلت عندما اعلنت الولايات المتحدة حربا معلنة ضد الفصائل الموالية لايران ردا على قصف معسكراتها في العراق من قبل هذه الفصائل.
احدى الغارات الجوية الاميركية التي جرت في آذار (مارس) الماضي استهدفت تجمعا للحشد الشعبي في مدينة كربلاء، وقالت واشنطن حينها انها تضم تجمعا لكتائب حزب الله الموالية لايران، فيما اثارت الحادثة رفض السيستاني وقلقه في الوقت نفسه، ما دفع الفصائل الموالية له الشعور بالخطر، وبدأت تحركا جديدا للانضمام الى وزارة الدفاع والتخلي عن هيئة “الحشد الشعبي” التي باتت مثيرة للجدل ومستهدفة بسبب تصرفات بعض فصالها.
ويبدو ان اسباب فنية وادارية تحول دون انضمام فصائل السيستاني لوزارة الدفاع، لان مقاتلي هذه الفصائل لم يخضعوا لنفس المعايير العريقة التي تلتزم وزارة الدفاع في اتباعها مع مقاتليها، بدءا من العمر والتدريب الضروري الذي يمتد من عام الى ثلاثة اعوام قبل الحصول على رتبة عسكرية، بينما كان مقاتلي الفصائل تجمع من المتطوعين بلا ضوابط العمر والخبرة، ومن الصعب دمجهم مع وزارة الدفاع.
ويبدو ان فصائل السيستاني توصلت الى مخرج لوضعها الغير مريح في هيئة “الحشد الشعبي” عندما اقنعت رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي والذي ما زال يدير الحكومة، باتخاذ قرار حاسم ومهم في ربط هذه الفصائل مباشرة برئيس الوزراء حالها حال جهاز مكافحة الارهاب، وترك هيئة “الحشد الشعبي”.