الموت حرقاً وقتلاً.. العنف يخيّم على مشهد الحياة في ذي قار

زكريا علي – المنصة

في يومه الأخير كان كل شيء طبيعياً، التفاصيل اليومية في المنزل، علاقته بزوجته، ضحكته المعتادة حتى خروجهم ليلاً في شوارع الناصرية وأجواء رمضان المختلفة بعد الإفطار، لكن كل ذلك قد تغير بعد أن خلد إلى النوم ثم استيقظ وسط نيران مرعبة تجتاح غرفة النوم.

فراس شعلان (41 عاما) الذي يعمل موظفاً في مفوضية الإنتخابات في ذي قار توفي قبل أيام متأثراً بحروق شديدة تعرض لها، وما زالت الشرطة تبحث عن زوجته المتهمة بحرقه وهو نائم، دون أن تتبين لها أثر.

زوجة فراس متهمةً بأنها قامت برش غرفة النوم بمواد سريعة الاشتعال وإغلاقها عليه وإغلاق المنزل والخروج من المنزل، في حين أن فراس لم يجد ملاذاً يهرب فيه من النيران سوى الاختباء داخل الثلاجة التي احترقت أيضاً. بعدها أخرجه الجيران بصورة يرثى لها.

وبحسب أقرباء فراس، نُقل الرجل إلى مستشفى في المدينة بسبب الحروق التي تجاوزت الـ60%، ثم نقل لاحقاً إلى مدينة الأهواز الإيرانية لتلقي العلاج هناك، حيث أمضى أسبوعين راقدا في المستشفى وتراجعت صحته ليتوفى بعد ذلك في مشهد خيم به الحزن على عائلته وأصدقائه. ولم يعرف أحد إلى اليوم أين هي زوجته.

كان فراس متزوجاً منذ أكثر من 15 عاماً، لكنه لم ينجب أطفالاً، وتحول الموضوع إلى مشكلة دائمة بين الزوجين، حتى قرر الزواج مرة ثانية قبل أيام من حادثة حرقه، وعقد قرانه على امرأة ثانية.

ومنذ أيام والشرطة تبحث عن الزوجة المتهمة بحرق زوجها بعد أن اختفت عن الأنظار، وسط ذهول وتفاعل أهالي الناصرية مع الحدث الأبرز في محافظتهم.

وخلال السنتين الماضيتين شهدت ذي قار إرتفاع ملحوظ في نسبة العنف في المحافظة كما سجلت أيضاً اقتراف جرائم قامت بها نساء بحق أزواجهن في عدة مناطق.

لم تكن حادثة قتل فراس هي الوحيدة في الناصرية، فقد سبقتها حالة قتل لمحامٍ في ظروف غامضة وبعد أيام من التحقيق اعترفت زوجته بالإقدام على قتله.

ففي ظهيرة يوم الجمعة مطلع كانون الثاني 2021، تم العثور على جثة المحامي المشهور في قضاء الشطرة علي الحمامي في منزله، حيث كان جالساً على كرسي ومقيداً إلى الخلف وعلى رأسه كيس أزرق وقد فارق الحياة. 

وبعد أن فتحت الشرطة تحقيقا كاملاً توصلت للجاني حيث اعترفت زوجة المجني عليه أنها كانت وراء قتله بالإتفاق مع عشيقها الذي يسكن بغداد.

وكان مصدر أمني في محافظة ذي قار، قد كشف في 25 تشرين الثاني 2020، عن تسجيل 1468 حالة عنف أسري في عموم المحافظة منذ شهر كانون الثاني عام 2020 وحتى تشرين الثاني 2020 وتنوعت بين حالات عنف ضد النساء والأطفال وكبار السن بالإضافة إلى اعتداء الزوجة على الزوج.

وفي تفاصيل حالات العنف في العام الماضي، تم توثيق 1038 حالة اعتداء من الزوج على زوجته ورصد 215 حالة اعتداء من الزوجة على زوجها فيما سجلت أيضا 202 حالة اعتداء أبناء على آبائهم و13 حالة اعتداء ما بين الأخوة والأخوات خلال العام الماضي.

وبحسب مصدر أمني في الشرطة المجتمعية خلال حديثه لمراسل “المنصة”، فإن “هذه المشكلات والشكاوى تم حلها قبل أن تصل إلى المحكمة، لكن هناك حالات يصعب إيجاد حلول لها ويكون القضاء هو الفيصل فيها”.

ويضيف المصدر إن “هذه الأرقام التي تم رصدها كانت خلال الفترة التي سبقت حظر التجوال لكن خلال فترة الحظر ارتفعت الأرقام بشكل كبير”. 

ويشير المصدر إلى أن “محافظة ذي قار كانت قد سجلت في العام 2019 أكثر من 1400 حالة عنف أسري، وهو ما زاد خلال العام 2020 إذ قد تصل الحالات الفعلية إلى أعلى من الرقم المسجل حتى الآن فقط لو لم ينقطع الدوام وتأتي جائحة كورونا فضلاً عن إغلاق الدوائر وتزامن التظاهرات”.

ومنذ مطلع عام 2021 وحتى شهر آيار/مايو الجاري وإضافة لجريمتي حادثة الحرق وقتل المحامي، فقد سجلت ذي قار أربع حالات اخرى من بينها زوج يرمي زوجته من السيارة وهي تسير وجريمة قتل أب لإبنه وجريمة قتل بحق مراهقة وحادثة قتل فتاة كان ذووها ادعوا أنها أقدمت على الانتحار.

وبحسب أرقام رسمية وتقارير منظمات دولية معنية، يتم تسجيل آلاف من حالات العنف الأسري في العراق كل عام، تقع في الدرجة الأولى على النساء والأطفال ولا يوجد في مناطق جنوبي العراق أي دار خاصة بالمعنفات أو أي مراكز تأهيل نفسية.

مشاكل متفاقمة

يعتقد الباحث الإجتماعي محمد العبودي أن “هناك أسباب كثيرة لارتفاع معدلات العنف في ذي قار ووصولها الى هذا المستوى من الجرائم البشعة، هذه الأسباب تتعلق بالوضع العام في المحافظة الذي شهد على سبيل المثال عنف مستمر خلال الاحتجاجات وما حصل أيضاً من جرائم وحوادث اغتيالات.. هذا شجع كثيرين على ارتكاب الجرائم وجعلهم يميلون للعنف بشكل لافت”.

وتاريخيا كما يقول العبودي خلال حديثه لمراسل “المنصة”، فإن “البلد كله كان قد مر بفترات عنف عديدة بدءاً من ثورة العشرين مروراً بفترة التظاهرات خلال الثلاثينيات ثم أعقبته ثورة مايس عام 1941 ثم حادث عام 1848 ورفض المعاهدة العراقية البريطانية ورهن نفط البلد وما شاهده الناس من حجم العنف الذي حصل”.

ويعرّج الباحث الاجتماعي على أحداث العنف التي حصلت إبان الحقبة الملكية والإنقلاب عام 1958 وسقوط الملكية واعلان الجمهورية ثم اغتيال قاسم وصراع الشيوعيين والقوميين في الستينات ثم ظهور صدام للواجهة والدخول في حرب دموية مع ايران ثم الحصار في التسعينات ثم عام 2003 وما رافقه من تأثير وتخريب لمشهد الحياة وظهور التنظيمات الإرهابية وصولا الى داعش، “كل تلك الحوادث رسخت مفاهيم العنف بشكل كبير لدى الناس”، يقول.

ويزيد في القول “هذه التراكمات التاريخية الكبيرة ساهمت بشكل كبير بأن يصبح العنف ثقافة سائدة، إضافة للعنف العشائري الذي لا يستخدم سوى لغة السلاح، فضلاً عن تأثير مواقع التواصل الاجتماعي والبرامج التي تروج للجرائم وكذلك الترويج لأخبار الانتحار والقتل التي تحصل يومياً”.

الأسباب الأخرى المباشرة كما يقول العبودي تتعلق بمشاكل نفسية ومشاكل مادية، أبرزها الفقر والبطالة، أو مشكلات اجتماعية وعائلية كما حصل مع فراس الذي تزوج من امرأة ثانية، وزوجته متهمة بقتله.

بعد أسبوعين من مقتل فراس تجمع عدد من زملائه في العمل مساء يوم الأحد أمام منزله الذي كان قد إنتهى من بنائه حديثاً وظهر من الخارج بألوانه الزاهية. كانت الأبواب موصدة بسلاسل حديدية، وكانت صورته منصوبة عند عتبة الباب وتحتها الشموع، بينما كان صوت البكاء يخيّم على المكان الذي بدا موحشا على محبيه وأصدقائه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى