كنيسة “أم الأحزان” في العمارة رمز للتعايش الديني

المنصة- مهدي الساعدي

كنيسة “أم الأحزان الكلدانية” الواقعة في مدينة العمارة في وسط حيّ شعبي قديم، هي واحدة من أعرق الكنائس في محافظة ميسان وأحد المعالم الأثرية البارزة فيها، يقصدها عراقيون من كافة المدن وكافة أطياف المجتمع. 

يقول ممثل الطائفة المسيحية في ميسان وراعي الكنيسة جلال دانيال إن تاريخ إعادة بناء الكنيسة بشكلها الحالي يعود إلى عام 1880م، بينما يرجع تاريخ تأسيسها الى عام 1831م “وقيل أبعد من هذا التاريخ، إذ تم بناؤها على بقايا الكنيسة السابقة”.  

وتُقدر مساحة كنيسة أم الأحزان الكلية مع ملحقاتها بــ 1800 مترا مربعاً وتضم القاعة الرئيسة للكنيسة وقاعة استقبال للضيوف، ومنزل العوائل المسيحية المتولية لها، وحديقة محيطة بمقر الكنيسة الأصلي، بالإضافة إلىٰ مجموعة ملحقات أخرىٰ.

لمحتويات وكنوز كنيسة أم الأحزان الأثرية التي تم العثور عليها قيمة تاريخية كبيرة، يقول عنها دانيال “تحتوي الكنيسة على العديد من الكتب والمخطوطات الأثرية التي تعود إلى أجيال وعهود سابقة، ومحتويات أثرية أخرى منها ناقوس الكنيسة الذي يعود إلى فترات زمنية قديمة جداً ولم اهتدي بالدقة إلى تاريخ صنعه، وهو للأسف معطل منذ مدة وننتظر حلول إصلاحه”. 

أخذ الوجود المسيحي في محافظة ميسان بالتناقص بشكل ملحوظ ما بعد عام 2003، وفضل الكثير من المسيحيين الهجرة إلى شمال العراق وبلاد اوروبا بحثاً عن لقمة العيش أو لتدهور الظروف الأمنية.

وبعد ما كانت مدينة العمارة تضم مئات العوائل “لم يتبق سوى ثمانية عشر عائلة مسيحية في المدينة”، يقول جلال دانيال للمنصة.

لكن الكنيسة مع ذلك، وبالرغم من قلة عدد المسيحيين حافظت على وجودها كرمزاً من رموز التعايش الديني بين الأديان بحسب الأب دانيال، ويقول: “تشهد الكنيسة زيارات بشكل يومي ومتواصل من قبل أبناء المدينة الذين تربطهم بإخوانهم المسيحيين علاقات قوية جداً، يشاركوننا في أعيادنا وأفراحنا وأحزاننا”. 

وتعرضت كنيسة أم الأحزان إلى حريق عرضي ناتج عن تماس كهربائي عام 2018، تسبب  بأضرار مادية فيها، فشاركت في إعادة ترميمها أشخاص من طوائف وأديان متعددة من المجتمع الميساني.

ليست كنيسة أم الأحزان دار العبادة الوحيدة للمسيحيين في مدينة العمارة، بل توجد هناك كنيسة أخرى هي كنيسة “مار يوسف البتول” التي تم بناؤها عام 1940، من قِبل عائلة حنا الشيخ المسيحية المعروفة.

ولازالت شامخة بأجراسها النحاسية القديمة رغم إهمالها، وتحولت إلى سكن للعوائل المسيحية كونها ملكية خاصة.

لكن قدم كنيسة “أم الأحزان” أكسبها مكانة مميزة، فهي من المعالم الأثرية البارزة في المدينة، وتشهد بذلك جدرانها المبنية بالطابوق والتي بانت عليها بوضوح ترسبات السنين على الرغم من عمليات الترميم المتتالي وسقفها الخشبي المميز الذي تعرض لأكثر من عملية إصلاح وتثبيت.

وتضم القاعة المُخصصة لأداء مراسيم الصلاة والتعبد في الكنيسة مكاناً صغيراً للترانيم، مرتفعاً قليلاً عن باقي أرضية القاعة، ومقاعد خشبية مخصصة للحضور، ومكاناً صغيراً يطلق عليه اسم مكان الاعتراف بالذنب.

ويرتفع في منتصف باحة الكنيسة نصب السيدة العذراء المشيد على بناء لولبي تحت مظلة خشبية ذات ألواح، ويوجد تحته مكان مخصص لإشعال الشموع، ويشهد بدوره زيارات مكثفة من قبل العوائل الميسانية للزيارة والتبرك.

بناء الكنيسة وطرازها المعماري لا يزال شاهداً على عمق تاريخها، تعززه شواهد بعض القبور التي توجد في إحدى زواياها و تعود لأزمنة تاريخية مختلفة. “تعود القبور لأسلافنا ممن تولوا الكنيسة وبعض أجدادنا من المسيحيين.. قمنا بترميم بعض الشواهد واندثر البعض الآخر منها” يقول دانيال للمنصة.

وتلوح على جدران وأبواب الكنيسة لوحات علقها أبناء المحافظة تحتوي عبارات الشكر لله وللسيدة العذراء والسيد المسيح، لقضاء الكثير من الحوائج التي اعتاد أبناء المدينة طلبها خلال زياراتهم المتواصل للكنيسة وإشعال الشموع للسيدة العذراء.

يقول رجل الدين المسلم الشيخ حسين البهادلي للمنصة: “زياراتنا المستمرة لكنيسة أم الأحزان واللقاء مع إخواننا المسيحيين في المحافظة تعبر عن مدى العلاقة المجتمعية وعمقها بين مكونات البلد الواحد”.

ويضيف الشيخ البهادلي، “دائماً ما نستشعر بنشوة الانتماء للوطن كونه قاسماً مشتركاً بين مكوناته الدينية، وهذا ما يفسر فرحتنا الغامرة التي تتسيد لقاءنا مع الأخوة أبناء الطائفة المسيحية في ميسان”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى