في أول تجربة لهن ..عراقيات يبدعن بصناعة الأفلام

بغداد – سارة القاهر

منذ طفولتها اعتادت “نور علي” أن تتسمّر أمام شاشة التلفزيون وهي تشاهد الأفلام العربية والأجنبية، منبهرة بعالم السينما الغامض والمحبب إلى نفسها.

لم يدر في خلد هذه الفتاة أن تنضم يوماً إلى هذا العالم الساحر، وأن تشارك بصناعة فيلم قصير، هو الأول الذي يغازل طموحها ويدفعها للتوغل بهذا المسار الفني.

الانتظار أول تجربة اخراجية

بالنسبة لنور، لعبت فرصة حصلت عليها من إحدى المنظمات الدولية دورا بارزاً في بدء الخطوات الأولى في طريقها نحو أن تكون صانعة أفلام وممثلة. فقبل أشهر شاركت “نور” في ورشة لصناعة الأفلام، أعدتها منظمة “البرلمان”  Elparlament الألمانية، وهي منظمة مجتمع مدني مقرها برلين ولها نشاطات تدريبية وثقافية في العراق. 

تم قبول نور في المشاركة بهذه الورشة، بعد أن قدمت طلباً بذلك عبر الانترنيت، تضمن نموذجاً عن عملها في كتابة السيناريو والقصة الصحفية.

تقول لـ”المنصة”: “بسبب وباء كورونا، والحجر الصحي، كانت جلسات الورشة تعقد عبر الانترنيت، وكنا نتلقى خلالها دروساً في التصوير والإخراج وكتابة السيناريو”، مشيرة إلى أن “الورشة مخصصة للنساء، وأن قسماً منهن مازلن طالبات جامعيات، يدرسن التمثيل والإخراج في كلية الفنون الجميلة، وبالنسبة لي فأنا حقوقية وأعمل في شركات أجنبية، إلا أنني أملك موهبة الكتابة والإخراج السينمائي”.

كانت تجربة نور في هذه الورشة هي إخراج فيلم بعنوان “الانتظار”، ورغم بساطة التقنيات في التصوير والمونتاج، إذ تم الاعتماد كليا على تقنية جهاز الموبايل، إلا أن “التجربة كانت ناجحة ومثمرة، فيما كانت موضوعة الفيلم مستقاة من الواقع العراقي” تقول نور.

وتعالج أحداث فيلم “الانتظار” قصة شاب عراقي تم أسره خلال الحرب مع إيران في ثمانينيات القرن الماضي ولم يعد من الأسر إلا بعد سنوات طويلة.

وواصلت نور، “خلال تلك السنوات كانت الزوجة بانتظار أن يعود زوجها يوماً من الأسر، إذ كان يجمع الزوجين الحب وموهبة الفن التشكيلي، لكن الذي حصل أن الزوج عاد، لكن كل شيء فيه قد تغير واصبح مختلفاً”.

تشير نور علي إلى أن “قصة الفيلم تتحدث عن التطرف الديني، الذي طرأ على شخصية بطل الفيلم، فأفسد حياة ابنته وزوجته التي  انتظرته سنوات طويلة”.

وينتهي الفيلم بان تغادر الزوجة المنزل مصطحبة معها ابنتها وصورة قديمة لزوجها تذكرها بحياة كانت يوما هانئة وحافلة بالحياة والحب.

ولفتت نور علي، إلى أن “تجربة إخراج فيلم “الانتظار” فتحت أمامها الآفاق في تكرار التجربة، التي تعزز الجوانب الإنسانية والحياتية لدى المرأة”.

وكانت منظمة “البرلمان” قدمت مشروعاً لمجموعة مختارة من النساء من جميع أنحاء العراق من خلفيات فنية مختلفة، لإتاحة الفرصة أمامهن  للتعرف على صناعة الأفلام ، وتمكينهن من المشاركة في الفضاء الثقافي والسياسي والاجتماعي.

الثقة والابداع وراء نجاح المشروع 

تؤكد منسقة المشروع كنزة راضي أن “عمل الورشة تمحور حول صناعة الأفلام والمواضيع المتعلقة بها، مثل كتابة السيناريو، والتصوير السينمائي، والتحرير،  والإنتاج”، مشيرة في إلى أن “خبراء في مجال صناعة الأفلام قدموا دروساً ودورات تدريبية تفاعلية طوال البرنامج”. 

ولفتت إلى أنه “تم عرض 4 أفلام أنتجتها النساء المشاركات في الورشة وتمت مناقشتها على الأنترنيت بسبب ظروف الوباء، وجميع تلك الأفلام كانت مميزة للغاية”.

وبينت راضي أن “المشروع يهدف لجعل أصوات النساء في العراق مرئية ومسموعة، عبر إتاحة إمكاناتهن الفنية أمام الجمهور”، مشددة على أن “ثقة الفتيات العراقيات الكبيرة بأنفسهن وقدراتهن، وإصرارهن على الابداع، أتت أكلها في إنتاج أفلام هادفة، تميزت بوضوح الرؤيا، والمعالجة الفنية الدقيقة لمشكلات الواقع”.

وأنتجت الفتيات المشاركات في هذه الورشة، وهن من محافظة بغداد ومحافظات أخرى، إضافة الى فيلم “الانتظار”، فيلم “حدود الهوية”، ويتحدث هذا الفيلم عن الفترة الحرجة خلال سيطرة تنظيم “داعش” على بعض المدن العراقية، وما نتج بعد ذلك من معاناة لدى شريحة من النساء، اتهمن جوراً بالانخراط مع التنظيم المسلح.

أما فيلم “نزهة” الذي كان من ثمار الورشة أيضاً، فيعكس تداعيات جمال الطبيعة على أفكار ومشاعر امرأة عاشت طفولتها وشبابها في ظروف الحصار والحرب. 

ويختلط في فيلم “ليلى” الواقع بالخيال، ليظل الطموح والأمل في حياة بطلة الفيلم “جميلة” حلم المرأة العراقية، فالفيلم يكشف حياة عادية لفتاة تعيش مع أمها وابنها، تمارس الطبخ واعمال المنزل الأخرى. وبينما تنشغل الأم بمتابعة اخبار غزو التحالف الدولي للعراق، وأخبار القصف وصفارات الإنذار، تهتم الفتاة بابنها وفرشاة الرسم، فيما تطل على الحائط صورة للتشكيلية الراحلة “ليلى العطار” معلقة في أحد جوانب المنزل. 

ويمتزج في نهاية الفيلم الخيال بالواقع من خلال مشهد يصور الفتاة جالسة باسترخاء في حديقة بيتها الواسع مع طفلها الذي يلعب بفناء الحديقة، في مشهد ربما يعبر عن التوق إلى حياة خالية من الحرب والقصف.

ويعد مشروع الأفلام القصيرة للشابات واحداً من المشاريع المهمة لمنظمة “البرلمان” في العراق، إذ أكدت المشاركات بهذا المشروع على الفائدة التي حصلن عليها في مجال صناعة الأفلام.

وتؤكد الشابة طيبة عادل، التي مثلت بطولة فيلم “الانتظار”، والطالبة بمرحلتها الأخيرة بكلية الفنون الجميلة”، أن “المشروع كان فرصة سانحة لاكتساب الخبرات والمهارات وصقل التجارب”، معربة عن أملها في تكرار هذه التجربة، لإنضاج موهبتها ومواهب زميلاتها في فنون التمثيل والإخراج والكتابة السينمائية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى