الدايوراما.. فنّ لمحاكاة الواقع العراقي

البصرة- نغم مكي 

باب خشبي قديم وحديقة أمامية تعلوها شرفة مزينة بالورود ونافذة تطل على زقاق وتفاصيل أخرى تنظر إليها من ثقب صغير فتشعر أنك في مدينة حقيقية لولا أنها مجسم صغير لا يتعدى وزنه بضعة مئات من الغرامات.

هذا ما يقوم به الشاب البصري  “كرار محمد رضا” المعروف باسمه الفني “كرار العلي” و البالغ 27 عاماً، يصنع المجسمات الصغيرة التي عندما تراها للوهلة الاولى تكاد تصدق أنها حقيقية لولا صغر حجمها.

عند بزوغ الفجر يبدأ “كرار” يومه، يلقي نظرة فاحصة من خلال العدسة المكبرة على ما أنجزه يوم أمس، يلتقط إحدى المجسمات ويشرع في تلوينها واضعاً آخر لمساته لإتمامها، ثم يكمل بناء مجسم جديد.

يقول “كرار” إن الشغف بهذا الفن بدأ لديه منذ الصغر بتشجيع من والدته، وهو ما يتضح الأفكار التي قام بإنجازها والتي استلهمها من فترة الطفولة. 

“نهرگرمة علي في البصرة وقوارب الصيد، وبيوت الطين القديمة، وحسينية جدي التي لم يبقى منها سوى ذكريات، كلها مشاهد غذت روحي ودفعتني إلى تجسيدها بفن الدايوراما” يقول.

ممارسة هوايته في صناعة المجسمات توقفت لفترة عندما بدأ كرار يهتم بالتصوير الفوتوغرافي، “لكنني عدت إليها بقوة في عام 2015 بعد أن طورت من مهاراتي بصنعها من خلال مشاهدتي ومتابعتي لفنانين أجانب في برامج النت”.

وعن أسباب العودة يقول إن هذا الفن غير موجود إلا بنسبة قليلة في البصرة ومن الضروري برأيه العمل على نشره، ويضيف بأن “الدايوراما فن  يحتاج إلى مواد ومصاريف كثيرة ودعم وجهد نفسي وهذا شئ غير متوفر للأسف لدى فنانين كثر في هذه المحافظة”.

“مضيعة للوقت”

لا يخفي كرار أن ممارسته لهذا الهواية جلبت له الاستهزاء من كثيرين حوله كانوا يصفون هذا الفن بأنه “مضيعة للوقت وانشغال بالملاعيب” إلا أن ذلك “زاد من إصراري على متابعة العمل” وفق تأكيده.

ويضيف كرار أن صنع المجسمات يتطلب منه الدقة والتركيز والحفاظ على القياسات والنسب والأبعاد الصحيحة، فمثلا صنع السيارة يعتمد على “نسبة والتناسب بين مجموعة من العناصر ينبغي دراستها قبل الشروع بتنفيذ المجسم”.

ويستخدم الفنان الشاب في صنع المجسمات مجموعة من المواد أهمها الفلين المضغوط أو “الفذربورد” وأيضاً الخشب والكارتون وانواع مختلفة  من المواد اللاصقة، أحيانا يسهل الحصول عليها وأحياناً يضطر للسفر لمحافظة أخرى لشرائها.

ورغم أنها مواد هشة وقابلة للتلف إلا أنه يؤكد أنه لو تم الحفاظ عليها والحذر في استخدامها فسوف تحافظ على شكلها لسنوات طويلة.

من الواقع العراقي

لدى كرار طرق مختلفة في صنع المجسمات، لكنها جميعاً تبدأ بالأفكار المراد تنفيذها وغالبيتها مستوحى من الواقع العراقي، “أشتغل على قصة محددة تحاكي الحياة هنا في العراق، وأحياناً تكون مستوحاة من حدث متداول عالمياً ثم أحولها إلى مجسم”.      

وكمؤشّر على الوقت الذي يستغرقه في إتمام المشروع الواحد يخبرنا كرار أن مشروع “البيت البغدادي” استغرق في صنعه تسعة أيام متواصلة من الجهد والتركيز، وهو مشروع استخدم في صنعه الفلين المضغوط والألوان الاكريليك ومادة الفلمنت والخشب.

وبنبرة يملؤها التفاؤل يقول كرار “لدي حلم هو تجسيد أهوار الناصرية بكل تفاصيلها، وأرجو من الله أن أتمكن من تحقيقه”.

المهم هو الاستمرارية

يروي كرار بحماس أكبر مشاركته في المعارض الفنية في مدن أخرى كمشاركته في معرض بغداد الذي شهد إقبالاً واسعاً، والذي عرض فيه مجسم المطعم التركي “جبل أحد”.

ويصرح أن ما يصنعه يعرضه للبيع لكن الربح ليس هدفه الأول “همي هو الاستمرارية والعمل في هوايتي”.

وبلهفة يخبرنا كرار عن طموحه بصنع مجسمات للاستخدام كمواقع تصوير خاصة بالأفلام السينمائية (لوكاشينز)، ويؤكد أنه تلقى بعض العروض لكنه يبحث عن عروض أفضل منها وأكثر ملائمة للطريقة التي يعمل بها. 

      

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى