المادة (57): “استهانة بمكانة المرأة العراقية”.. من أجل الدعاية الانتخابية 

سمر ربيع- بغداد

موجة من الغضب والاتهامات المتبادلة والـ”أنت وأنتِ” بكسر التاء طبعاً، على صفحات التواصل الاجتماعي وفي المنصات الإعلامية أثارها مشروع مقترح من مجلس النواب العراقي لتعديل المادة (57) من قانون الأحوال الشخصية.

وتتعلق المادة المراد تعديلها بحضانة الأم العراقية لأولادها وينص مشروع التعديل الذي طرح على المجلس للقراءة الأولى على “نقل الأحقية في حضانة الطفل من الأم إلى الأب بعد بلوغه سن السابعة، وفي حال وفاة الأب تنتقل الحضانة إلى الجد من جهة الأب”. 

في حين ينص القانون النافذ على أن “الأم أحق بحضانة الولد وتربيته حال قيام الزوجية وبعد الفرقة، ما لم يتضرر المحضون من ذلك حتى عمر 15 عاماً”. 

واعتبرت ناشطات نسويات أن تعديل القانون استهانة بكرامة المرأة مما يجعل منها “أداة للإنجاب فقط ويسلب منها حقها الطبيعي في حضانة أطفالها”.

وشهدت البلاد موجة غضب واسعة ومظاهرات نسوية منددة بالتعديل وآثاره على نفسية الطفل والأم، في مقابل آراء ومواقف أخرى تتطلع إلى إقرار التعديلات.

“لن أتخلى عن أولادي”

“لن أتخلى عن أولادي فأنا أحق في تربيته من زوجة الأب”، بهذه الكلمات علقت السيدة “انتصار” على مشروع تعديل القانون.

تقول انتصار وهي سيدة مطلقة تربي طفلين تمتلك إلى اليوم حق حضانتهما، “الأم العراقية تربي أطفالها بكل امتنان ومسؤولية، ومعظمنا يتناسين حقهن في الزواج والاستمتاع بحياتهن مثلما يفعل الرجل عادة بعد الطلاق، وحتى عندما يتزوجن يبقين حريصين على تربية أطفالهن وإيصالهم إلى بر الأمان”. 

وتابعت انتصار للمنصة: “بأي حق يسلب أطفالي مني بعد سن السابعة، أي بعمر الأول الابتدائي، من يقوم بتدريسه وتعليمه والسهر على احتياجاته؟ الأب المنغمس بعمله؟ أم زوجة الأب؟!”. 

وتنص فقرات القانون النافذ على أنه “إذا أتم المحضون الخامسة عشرة من العمر، يكون له حق الاختيار في الإقامة مع من يشاء من أبويه أو أحد أقاربه لحين إكماله الثامنة عشرة من العمر إذا أنست المحكمة منه الرشد في هذا الاختيار”.

ويشترط القانون الساري أن “تكون الأم الحاضنة بالغة عاقلة أمينة قادرة على تربية المحضون وصيانته، ولا تسقط حضانة الأم المطلقة بزواجها، وتقرر المحكمة في هذه الحالة أحقية الأم أو الأب في الحضانة في ضوء مصلحة المحضون”.

أما التعديلات المقترحة، فتسلب حق الأم في الحضانة بمجرد زواجها من رجل آخر، في حين لا تشترط الأمر نفسه على الرجل.

لا تخفي انتصار مشاعر الخوف التي تتملكها من إمكانية سلبها طفليها في أية لحظة متى تم إقرار التعديل الجديد، لذا فهي تستنكر الأصوات المطالبة بالتعديل داخل مجلس النواب قائلة: “كيف استطاع بعض البرلمانيون والبرلمانيات استحقار المرأة العراقية الى هذا الحد وجعلها مسلوبة الارادة بالقانون؟ والأدهى من كل ذلك، نقل الحضانة بعد وفاة الأب إلى الجد”. 

حضانة “تبادلية”

في مطلع شهر تموز/ يوليو الماضي، أجرى البرلمان العراقي قراءة أولى (مناقشة أولية)  لمشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959، ولم تمض ساعات حتى أطلق حقوقيون عراقيون وناشطون حملة واسعة على المنصات الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي ودعوا إلى وقفات احتجاجية لرفض تمريره بهذه الصيغة.

وشهدت وسائل التواصل الاجتماعي استحداث صفحات رافضة وأخرى داعمة لمقترح التعديل بدأت بتبادل الاتهامات ونشر جرائم تعنيف الاطفال على يد الأب  أو زوجة الأب أو الأم نفسها على حد سواء.

وفي معرض دفاعه عن التعديلات، قال ممثل تنسيقية البصرة لتعديل المادة (57 ) كرار الخفاجي للمنصة، “نطالب اليوم بأن تكون الحضانة تبادلية مشتركة.. نحن كآباء لا نتطلع لحرمان الطفل من أمه لكننا نريد ان نمارس ابوتنا اتجاه أولادنا وان نقوم بتربيتهم على أسس نؤمن بها وتربينا عليها”. 

واضاف “يشترط التعديل أن يكون الأب مؤهل لتربية أولاده وليس أن يكون مثلاً مدمن كحول أو يتعاطى المخدرات وما شابه”، مبينا أن “أول سبع سنوات يبقى الطفل مع امه وبعدها يقضي حضانته عند والده ولكن هذا لا يمنع أن تكون الأم مشرفة عليه وعلى دراسته مثلاً”.

وفيما يخص عوائل الشهداء بين الخفاجي أن “قاعات المشاهدة تعج بكبار السن من جد وجدة تنحصر الدموع في مقتلهم وهم ينتظرون لساعات لحظة احتضان حفيدهم وشم رائحة شهيدهم الذي ضحى بنفسه من أجل الوطن”. 

نعم تعديل.. لكن ليس للحضانة 

من جانب آخر قالت الناشطة النسوية صبا عودة التي ترفض التعديلات المطروحة أنه “بحسب رأي الكثير من المختصين في التشريعات يعتبر قانون الاحوال الشخصية العراقي من أفضل القوانين الموجودة في المنطقة، وتعبر المادة 57 من هذا القانون من أفضل المواد التي تراعي مصلحة المحضون في حالة طلاق الوالدين”.

وتتابع عودة لموقع “المنصة”: “هذا لايعني أن بعض فقرات القانون بحاجة إلى تطوير، ولاسيما فيما يخص مسألتا المشاهدة والسفر، لأن القانون الحالي يخول الأب استخراج جواز سفر للمحضون والسفر به ما أدى الى حالات اختطاف أطفال من أمهاتهم، بينما لا تستطيع الأم السفر مع ولدها رغم حقها بالحضانة”.

وفي السياق نفسه تسرد لنا سيدة عراقية قصة قريبةٍ لها مطلقة من زوجها، أعطت ابنها لوالده لقضاء بعض الوقت معه ولم يعيده لها إلا بعد 6 سنوات وهي المدة التي عاشها في تركيا مع ولده مما جعل الأم في حالة انهيار نفسي، “خصوصاً عندما رأت ولدها الذي غادرها بعمر السنتين وقد أصبح صبياً لم يستطع معرفتها حيث انها لم تحظ بفرصة تربيته ورؤيته يكبر أمام عينيها”.  

تقول السيدة “وداد” إن “من حق الأب  أن يشاهد أبناءه خارج المحاكم لكن الحل الأمثل أن تكون هناك اتفاقات مبنية على أسس واضحة ومصادق عليها”.

دعاية انتخابية

تعتبر الناشطة عودة ومعها حقوقيات وحقوقيون كثر أن “هذا التعديل يمس مكانة وكرامة المرأة العراقية  فعلى الرغم من التزامات العراق دولياً في مسألة تعزيز مكانة المرأة وايضاً مصادقته على اتفاقيات تلزمه بتشريع وتعديل قوانين لتعزيز مكانة النساء إلا أننا نرى اليوم الكثير من المطالب لتعديل القوانين بما يتعارض مع هذه الالتزامات”.

وتعوّل عودة على دور التجمعات والمنظمات النسوية في منع تمرير هذه التعديلات، وتقول: “لاننسى دور التجمعات النسوية في منع تشريع قانون الاحوال الجعفرية الذي يمس كرامة المرأة بالاضافة الى التجمعات الداعمة للحراك الاجتماعي في تشرين وحملات المدافعة عن مشروع قانون مناهضة العنف الأسري وغيرها”.

وتستدرك بالقول: “للأسف نحن نعيش في بلد غير مستقر أمنياً بالإضافة إلى انتشار السلاح المنفلت وهذا الشي يساهم في تصعيب المهمة كثير على هذه التجمعات والمنظمات”.

وتربط عودة بين وقت طرح مشروع التعديل على البرلمان وبين الانتخابات العراقية بغرض كسب أصوات ناخبين ينتمون إلى الأحزاب التقليدية.

وتوضح إن توقيت تعديل المادة (57) “ما هو إلا دعاية انتخابية تمارسها جهات حزبية معروفة للكثير بكونها كثيرا ما تحاول طرح قوانين وقضايا الهدف منها إضعاف مكانة المرأة في المجتمع مثل قانون الأحوال الجعفرية وتعديل المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية”.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى