سباق تسلح بين العشائر يهدد سلطة الدولة في جنوب العراق 

المنصة- علاء كولي 

في أواخر شهر رمضان الماضي وبينما كانت الحياة شبه هادئة والناس تستعد لإستقبال عيد الفطر، نشب نزاع عشائري في ناحية أور التابعة لقضاء الناصرية، ليسيطر مشهد الدم والرعب على ملامح المدينة التي لا تزال تعيش تحت آلم أحداث الاحتجاجات وما حصل فيها.

النزاع الذي نشب بين ثلاث عشائر كبيرة في المحافظة إثر خلافات سابقة استمر لعدة أيام، سقط فيه ثلاثة قتلى وثمانية جرحى، واستخدمت فيه الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة، وهو تطور لافت في النزاعات العشائرية التي كانت تستخدم الأسلحة الخفيفة والمتوسطة فقط. 

مشهد الحرب الصغيرة هذه تكرر في قضاء الشطرة شمالي الناصرية، حيث نشب نزاع بين عشيرتين قبل أشهر، تطور لاستخدام الأسلحة الخفيفة والمتوسطة وقطع الطرق ليسقط فيه قتيل واحد وثلاثة جرحى، كما حصل في سوق الشيوخ جنوب الناصرية نزاع عشائري آخر إستمر عدة أيام بين عشيرتين، دفع الناس لتوفير حماية لإحدى المحولات الكهربائية التي تتعرض لإطلاق نار في كل مرة.

هذه عينة من نزاعات عشائرية متعاقبة شهدنها محافظة ذي قار خلال السنة الجارية والعام الماضي في أغلب الأقضية والنواحي، إذ لا يمر يوم أو أسبوع لا يحصل فيه عراك بين عشيرتين، في تطور بدأ يستفحل في المحافظة وتتسع رقعته، وفي ظل مخاوف الناس التي بدأت تخشى على حياتها والممتلكات الخاصة والعامة مع نشوب كل معركة.

كيف تفاقمت النزاعات

يكشف مصدر أمني رفيع أن النزاعات العشائرية لم تكن بهذا الحجم، مثلما كانت عليه قبل “داعش”. “هذا لا يعني أنه خلال السنوات التي قبلها لم تحصل نزاعات، لكن بدرجة أقل مما هي عليه اليوم، النزاعات التي تحصل خلال هذه الفترة تختلف كما ونوعا وذلك لأسباب عديدة تم ملاحظتها من قبل الأجهزة الأمنية والإستخباراتية”. 

يضيف المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه خلال حديثه لمراسل “المنصة”، بأن “المعارك مع داعش وفرت فرصة مناسبة لتهريب السلاح والسيارات الى مناطق الجنوب، خاصة خلال عمليات التحرير، وهذه الأسلحة المختلفة تصل بسهولة وتعبر السيطرات، ثم يتم تداولها وبيعها للعشائر وبأسعار زهيدة”. 

يتابع المصدر حديثه، “هذه المشكلة تفاقمت واكتشفنا كميات من السلاح تظهر في كل نزاع مسلح وعرفنا أن أغلبه كان قد تم تهريبه من المناطق المحررة من داعش، لم يظهر الأمر في البداية بشكل واضح، لكن بعد التراخي الأمني الذي حصل في ذي قار، تفاقمت النزاعات العشائرية بشكل أو بآخر”.

هذا التفاقم كما يقول المصدر، “دفع بالعشائر إلى إثارة مشاكل وخلافات سابقة فيما بينها مستغلة غياب السلطات الأمنية التي انشغلت بالاحتجاجات وما رافقها من تصاعد في حدة التوتر بين المتظاهرين والأجهزة الأمنية وما حصل من مواجهات أكثر من مرة”.

تجاوزت تلك النزاعات كما يتحدث المصدر، مرحلة يمكن لحملة أمنية أن توقفها، “بل تحتاج الى جهد وطني كبير لسحب السلاح وتفعيل القانون، فكل الخلافات تنشب لأسباب بسيطة لا تستحق أن يموت بسببها العشرات من الضحايا الأبرياء”، يقول المصدر.

بحسب تقارير غير رسمية فأن محافظة ذي قار تسجل من 5 الى 10 نزاعات عشائرية مسلحة تحصل في المحافظة شهرياً، وتسبب تلك النزاعات سقوط  أعداد من الأبرياء لاسيما الأطفال والنساء.

وتستعد الحكومة لإكمال مسودة مشروع قانون الاسلحة المتوقع صدوره خلال العام الجاري بحسب تصريح مهند نعيم مستشار رئيس الوزراء في 4 آب/أغسطس الجاري والذي حددت عقوبة مطلقي العيارات النارية بشكل عشوائي بالحبس خمس سنوات ومصادرة السلاح، اضافة الى الغرامات المالية.

وكان رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي قد أصدر في آب/أغسطس من العام الماضي أوامر عسكرية بمصادرة الأسلحة في مناطق النزاعات العشائرية، ومن القرارات التي اتخذت، إجراء تفتيش واسع في كل المناطق التي تحصل فيها نزاعات عشائرية، وضبط الأسلحة ومصادرتها، سواء كانت خفيفة أو متوسطة.

الدولة والعشيرة

يقول الباحث والأكاديمي بجامعة ذي قار د.عدي الشبيب أن “موضوع النزاعات العشائرية المتكررة يرتبط بصورة أو بأخرى بانتشار وسائل الضبط الرسمية التي هي قوانين الدولة والمؤسسات الشرطية والقضائية، على خلاف ما نسميها بوسائل الضبط غير الرسمية التي تتضمن مثلا العشيرة والجماعة الإجتماعية، وهذا له علاقة بضعف العشيرة مرة وقوة الدولة مرة، أو ضعف الدولة وقوة العشيرة”.

يضيف الشبيب خلال حديثه لمراسل “المنصة”، بأن “الفرد بعد العام 2003 كان حينما يعجز عن الحصول على حقوقه، يلجأ الى الجماعة أو العشيرة لإسترداد حقه والعشيرة والجماعة بدورها لديها قانون من قبيل، “أنصر أخاك ظالما أو مظلوما” وهذا الشعار بحد ذاته يسبب عملية النزاع وهذا بدوره من جهة أخرى يتأثر بالسلوك الجمعي الذي هو سلاح مؤثر بالمجتمع”.

الدولة لم تستطع أن تضبط ملف السلاح في الجنوب، كما يقول الشبيب، “بخلاف عملية الضبط في المناطق الغربية التي تكون فيها العشيرة رافدا للمؤسسات الأمنية لأنها تؤمن بعمل الدولة، وعلى مدى 100 عام مضت كان يتم منع أبناء العشيرة (في الجنوب) من أن ينخرطوا في جهاز الدولة ليكونوا ضباطا أو شرطة”.

يتابع الشبيب حديثه، “أيضا كانت الدولة في أحيان كثيرة لديها سلوك طائفي بإتجاه معين لمنع جماعة اجتماعية من الانخراط في مؤسساتها، وهذه النقطة مهمة كنا قد فقدناها في جنوب العراق وبالتالي علينا أن نعلم أبنائنا الانتماء للدولة”.

وكانت البصرة وذي قار وميسان وواسط وبغداد من أكثر المحافظات التي سجلت  نزاعات عشائرية بحسب إحصائية غير رسمية خلال العام 2021، إذ قتل العشرات من الأبرياء بسبب تلك النزاعات دون أن تتوفر إحصائيات دقيقة عن عدد الضحايا.

سباق تسلح

يقول المتابع في الشأن المحلي والناشط محمد العبودي بأنه “بعد عام 2003 وجدت العشائر العراقية مساحة واسعة من الحرية في التسلح، معتمدة بذلك على ما تركه الجيش العراقي أثناء حرب الـ 2003، فقد أتاح الوضع آنذاك سباق تسلح بين العشائر ، بعيدا عن أعين الجهات الامنية”.

ويؤكد العبودي خلال حديثه لمراسل “المنصة” أنه خلال السنوات القليلة بدأت تظهر حتى داخل المدن نزاعات وممارسات مسلحة  تستخدم فيها أسلحة بذخائر حية، وكثافة نارية، راح ضحيتها أناس أبرياء ليسوا طرفا فيها.

هذا النوع من التحريض على حمل السلاح أو التباهي به، والذي انتشر في السنوات الأخيرة كما يقول العبودي، بدأ يلقى رواجا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي.

ويرى العبودي أن الوضع “يسلتزم اليوم تطبيق القانون وفرض الأمن على الجميع دون استثناء، ووضع آلية لسحب السلاح من المواطنين مقابل مبالغ مالية، رغم أنها تعتبر طريقة غير كافية لوحدها بسبب تمسك المواطن بسلاحه كونه لا يشعر بوجود أمن حقيقي يحميه من الآخرين”.

وكان مجلس القضاء الأعلى قد اعتبر في العام 2018 “الدكة العشائرية” جريمة وفق المادة الثانية من قانون مكافحة الإرهاب، حيث حذر في الوقت نفسه من ظاهرة انتشار السلاح بشكل عشوائي في البلد. ومنذ تموز/يوليو عام 2020 وحتى آذار/مارس الماضي، كانت وزارة الداخلية قد كشفت عن حسمها أكثر من 450 نزاعا عشائرياً في عموم العراق.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى