مستعيناً بكرسيّ من صنع يده: شاب يهزم الإعاقة ويفتتح صالوناً للحلاقة

واسط- محمد الزيدي

رغم الشلل الذي رافقه منذ الولادة وحال دون تمكنه من الوقوف على قدميه، مكّنت الإرادة والإصرار الشاب “عمار” من ذوي الاحتياجات الخاصة، من نفض غبار الألم، ليكتب بأصابع يديه قصة نجاح يحرص أبناء المدينة على تناقلها بكل فخر.

“عمار” الذي يرفض البقاء حبيس الدار بجسد عليل، يتقن قصات الشعر الحديثة مستعيناً بكرسي دوَّار صنعه بنفسه، وسط ذهول وتشجيع عشرات الزبائن ممن يفدون إلى صالونه يومياً. 

صراع مع العوق

منذ ولادته أصيب “عمار” بشلل ولادي في عضلات قدميه وعموده الفقري، جعله طريح الفراش. سنين طوال و”عمار” يتحمل ظروف الإعاقة القاهرة، متطلبات المعيشة وارتفاع تكاليفها وانحسار فرص العمل، أسباب لم تترك للشاب سبيلاً سوى البحث عن فرصة عمل ملائمة.

وعلى الرغم مما يعانيه من صعوبة الحركة، إلا أنه أصر على تعلم فنون الحلاقة عند أحد معارفه، حتى نجح مؤخراً في افتتاح صالون لحلاقة الرجال، مستعيناً بكرسي متحرك ينتصب فوق رؤوس الزبائن ويسهل حركته، مطلقاً العنان لمقصه الذي حول مقولة “لا حياة مع اليأس” إلى حقيقة دامغة.

وعن قصة نجاحه وتجاوزه العوق نفسياً يقول عمار “عانيت كثيراً من إصابتي بهذه العاهة المستديمة التي أقعدتني لسنوات طوال حبيس المنزل، لكن إصراري على مواجهة متطلبات الحياة بكل شجاعة واقتدار غيّرا من أحوالي وحالا دون الاكتراث بنظرة المجتمع من حولي”.

يستطرد “عمار” وهو ينهمك في حلاقة أحد زبائنه، “رأفة الناس بي لم تكن على الإطلاق سبباً في انكساري، بل على العكس كانت دافعاً نحو مواصلة مسيرتي واثبات ذاتي”. 

وحول قدرته على ممارسة عمله رغم العوق الذي يعانيه يقول: “صنعّت كرسياً حديدياً متحركاً يمثل نصف دائرة، ينتصب بموازاة رؤوس الزبائن، واستطيع تحريكه للجهة التي أريدها”، مؤكداً بأنه لا يواجه أية عوائق تذكر.

حلم مؤجل

بين ضجيج وحديث الزبائن المحتدم لم يكن من السهولة على “عمار” تحقيق حلمه والظفر بفرصة عمل تعيله وعائلته المكونة من 4 أفراد دون المرور ببعض العقبات، فالحياة كما يراها هذا الشاب مليئة بالمنغصات بالنسبة لذوي الاحتياجات الخاصة.

“محسن” الأخ الأكبر لعمار الذي بداً فخوراً بأخيه يقول “ليس من الصحيح أن نمر في هذه الحياة مرور الكرام، فداخل كل شخص منا قوى خارقة أودعها الخالق ينبغي الاستفادة منها في مواجهة الحياة”.

ويكشف الأخ الأكبر لعمار عن حلم أخيه بتأسيس معهد لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة يهدف إلى إشاعة ثقافة التحدي في نفوسهم وتذليل معاناتهم وتدريبهم على الإقبال على الحياة ومواجهة الصعاب .

ويثبت عمار بقصة نجاحه وإصراره على تحقيق ذاته والتغلب على ظروف عائلته المعاشية، أن الاعاقة ليست عقبة في بعض الأحيان أمام تحقيق المواهب والأمنيات، كما يؤكد أن الإصرار والتحدي وراء كل نجاح.

احصائيات صادمة

يعدُّ الشاب عمار واحد من أصحاب الاحتياجات الخاصة في محافظة واسط الذين يعانون من ظروف نفسية ومعاشية صعبة والذين تبلغ اعدادهم حوالي 25 الف بحسب احصائية جمعية ذوي الاحتياجات الخاصة في واسط، احصائية تعدُّ مقبولة إذا ما قورنت مع الاحصائيات التي أعلن عنها الجهاز المركزي للإحصاء والبالغة 1178811 من مجموع الأُسر التي تضم افراداً معوّقين.

وشرّع مجلس النواب العراقي قانون رعاية ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة رقم 38 لسنة 2013، بعد أن انضم العراق إلى الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة CRPD، وأصبح ملزما بها وبتأسيس هيئة وطنية مستقلة لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة. 

وبينما ينشغل عمار بالحديث مع زبائنه حول نوعية القصات التي يريدونها، يقول “محمد  الشمري” وهو أحد زبائنه بأن “عمّار” نجح في تحدي الحياة من دون قدمين ليجعل من قصة عزيمته أملا للكثيرين”، مضيفاً بأنه هذا الحلاق الشاب “يعيش حياة عادية، ويقوم بمزاولة أعماله اليومية بنفسه دون مساعدة من أحد”.

 ويضيف قائلاً “بهدف تشجيعه على الاستمرار نحرص نحن شباب منطقة سكناه على التواجد بشكل يومي داخل صالون الحلاقة”. 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى