شاب من الناصرية يحيي لغة السومريين برُقم طينية

المنصة- مرتضى الحدود

عندما حصل الشاب “علي جودة” على شهادة البكالوريوس في علم الآثار سنة 2019 لم يكن يعلم بالضبط ما نوع العمل الذي سوف يمارسه بعد الدراسة. 

يقيم “علي” في محافظة ذي قار التي تحتوي على حوالي 1200 موقع أثري، لكن معظم خريجي كلية الآثار فيها يلجؤون إلى العمل في تخصصات أخرى لا علاقة لها بدراستهم كي يؤمنوا لقمة العيش، في ظل ارتفاع معدلات البطالة وانحسار فرص التوظيف.

يقول علي “خفت من شبح البطالة.. وكان في بالي فكرة صغيرة تناس         ب دراستي وتسهم في تجديد الإرث الحضاري الخاص بمدينتي، لكني لم أكن متأكداً من مدى نجاحها”.

ورشة في المتحف

خلال دراسته، تعمق “علي” في دراسة لغات حضارة وادي الرافدين، الأكادية والسومرية، وفور تخرجه تطوع للعمل في متحف الناصرية. “كنت أريد أن لا أفقد المعلومات التي حصلت عليها خلال دراستي” يقول. 

لم تمض سوى فترة قصيرة حتى عرضت عليه إدارة المتحف أن يبدأ في تنفيذ فكرته داخل ورشة لصنع الرقم الطينية.

في إحدى غرف متحف الناصرية، يمكن مشاهدة “علي” مع زملاء له معظمهم من المتطوعين، يجلسون في غرفة مجهزة بمعدات بسيطة، بعضهم يعمل على نحت مجسمات آثارية وآخرون يرسمون أو ينسخون حروفاًَ وأشكالاً من رموز حضارة وادي الرافدين.

أما “علي” فيعمل على أمر مختلف نوعاً ما، فقد قرر أن يكتب نصوصاً حديثة باستخدام اللغات القديمة، وأن ينسخ أسماء أشخاص يعرفهم من عامة الناس، من قبيل محمد وهادي وصادق وسوسن وغيرها، على مجموعة من  الرُقم الطينية الصغيرة التي يصنعها بنفسه.  

يتحدث عن هذه الرقُم وهو جالس خلف منضدة وضع عليها كومة من الطين، يقطع منها بآلة حديدية حادة قطعاً صغيرة ويعجنها بيديه ثم يشكل منها رُقماً ويبدأ الحفر عليها بأحرف مسمارية.

يتركها بعد ذلك لبرهة من الوقت لتجفّ وتتصلّب، ثم يقدمها بعد ذلك  الى سائحي المتحف.

يقول علي، “إنها فكرة صغيرة، لكنها صارت تشكل عنصراً جاذباً لجمهور المتحف ولأبناء مدينتي، فهي تربط إرث الماضي بالحاضر”.

تدريب الشباب والأطفال

هو رافع أكمام قميصه إلى منتصف ذراعه ممسكاً بإحدى الرقٌم بيده، يشرح علي أن لا أداة معينة تستخدم لكتابة الأسماء، “هي مجرد قصبة خشبية ذات نهاية حادة أو قطعة زجاجية”.

وعادة ما يلجأ هذا الشاب إلى شواطئ الأنهر ذات المياه الحلوة لجلب الطين منها، ثم يضعها في آنية مملوءة بالماء كي تتداخل وتتجانس وتخرج منها الأملاح، “فالأملاح تفتت الرُقم بعد صناعتها” بحسب توضيحه.

تمكن الشاب الذي لم يتجاوز عمره الـ25 عاماً من انجاز عشرات القطع الطينية خلال فترة عمله التطوعي التي تستغرق ثلاث ساعات يومياً في المتحف.

وكل ما أنجزه إلى اليوم ذهب كهدايا للزائرين من دون مقابل، لكن هذا لم يزعجه، “بل على العكس، أنه أمر يحفزني على المواصلة” يقول.

نتيجة للخبرة التي جمعها علي، بدأت فكرة تتبلور في ذهنه لافتتاح ورشة تدريبية لتعليم اللغة المسمارية لمن يهوى التعلم من الشباب أو الأطفال، سيعلن عنها قريباً، “فالمسألة ليست صعبة لمن أراد التعلم، لكنها تحتاج إلى قليل من الدراسة والتدريب”، يختم حديثه. 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى