في كربلاء.. معهد داخل منزل لتعليم الموسيقى

كربلاء- خديجة الحمداني

اختار كاظم الشويلي مهنة قد لا تكون سهلة بالقياس مع طبيعة المدينة التي يعيش فيها. فالرجل الذي يحمل شهادة البكالوريوس في الفنون افتتح معهداً لتعليم الموسيقى في كربلاء، حيث تواجهه صعوبات شتى في محاولاته إقناع الأهالي بضرورة تعليم أبنائهم العزف على آلة موسيقية. 

الشويلي الذي عاش عمره الـ 53 كله في كربلاء، المدينة المقدسة لدى عموم الشيعة في العراق والعالم، يعزف هو نفسه على ثلاث آلات موسيقية، وقبل أن يبدأ مشروعه بدأ أولاً بأفراد أسرته ونجح في تكوين عائلة موسيقية يندر العثور على مثلها في هذه المدينة. 

البداية مع الأسرة

بدأ الشويلي تعليم أطفاله منذ نعومة أظافرهم، واليوم يعزف الأولاد الأربعة والابنة الوحيدة على أكثر من آلة موسيقية. يقول، “ابنتي تتقن العزف على آلة الكمان وتخرج من بين أناملها موسيقى عذبة جداً وكذلك أولادي يتقنون العزف على آلات متعددة منها العود والكمان والآلات الإيقاعية”.

ويتابع: “لافرق بين ولد وبنت في التعليم، إلا أن الظروف الاجتماعية أبعدت ابنتي بعد زواجها مؤخراً عن عزف آلة الكمان وأتمنى أن يتسع وقتها وتعود للموسيقا من جديد”.

يكرر الشويلي خلال حديثه معنا أن الموسيقى هي اللغة الوحيدة التي يفهمها كل العالم وهي الفن الوحيد الذي يدخل القلب مباشرة، إلا أن يؤكد أيضاً أنها لغة صعبة، “تعلمها يحتاج إلى مثابرة وتدريب مستمر للأذن والأصابع”، وهو ما حاول تطبيقه على أفراد أسرته وطلاب المعهد. 

تأسيس المعهد

يشغل الشويلي وظيفة حكومية كمشرف على قسم الموسيقى في النشاط المدرسي لدائرة التربية في محافظة كربلاء، وإلى جانب عمله هذا غير البعيد عن مجال دراسته قرر نقل التجربة إلى مكان آخر.

يقول الشويلي، “في العام 2019 بدأت الخطوة الأولى، اقتطعت جزءاً من منزلي، واستغليت الجزء المقتطع في تأسيس معهد يعلم الطلاب العزف على مختلف الآلات الموسيقية وكذلك كيفية قراءة النوتة الموسيقية”.

يساهم المدرّس في تعليم العزف على ثلاثة آلات، هي العود واالكمان والبيانو، ولو أنه يركز أكثر على آلة العود بحكم أنها اختصاصه الأساسي، وقد تعلم العزف عليها منذ المرحلة المتوسطة على يد الفنان إياد زيني قبل أن يخوض غمار الدراسة التخصصية في الجامعة.

يقول الشويلي أن ما دفعه لتأسيس المعهد هو تلك الفوائد التي لحظها من خلال تعليم أولاده الموسيقى.

ويضيف أن للموسيقى “تأثيراً قوياً على العقل فهي تُحفّزه للعمل بالطريقة نفسها التي تحدث أثناء ممارسة التمارين الرياضيّة لتحسين لياقة الجسم، وقد أُثبت علميًاً أنّ الموسيقى تُساعد في استذكار المشاعر، وتعمل على تقليل التوتر وتحسين الذاكرة ومعالجة الأمراض العقلية وإنقاص الوزن وتعزيز الأداء والقدرة على التحمل وتُقلل من أعراض الاكتئاب وتساهم في التعافي من السكتات الدماغيّة والنوبات المرضيّة والتقليل من الإجهاد والتعب ايضاً”.

لدى الشويلي عشرات الطلاب والطالبات اليوم يزورون المعهد بانتظام، منهم من وصل لمرحلة الإتقان في العزف بينما بعضهم الآخر يتخذه هواية جانبية لا يعطيها الكثير من الوقت. يقول الشويلي، “نادراً ما نجد طفلاً يقصد معهداً لتعليم العزف على آلة ما هنا في كربلاء، وبسبب هذه الندرة افتتحت معهدي الصغير”.

ويتابع: “اليوم العديد من شباب كربلاء تعلموا الموسيقى على يدي.. دربت العشرات من كلا الجنسين، ومن جميع شرائح المجتمع وكافة الأعمار، وعلى الرغم من أن جميع الآلات الموسيقية صعبة وتعتمد بالأساس على ذكاء المتدرب إلا أنني سعيد بالنجاحات التي حققتها معهم”.

ابن رجل دين

الأصعب بالنسبة لهذا الرجل هي التحديات الاجتماعية التي واجهها بحكم طبيعة المدينة المحافظة على حد وصفه وممانعة بعض الأهالي تعليم أولادهم العزف.

يروي الشويلي أن من بين الطلاب مثلاً شاب والده رجل دين، يرفض بشكل قاطع أن يزور ولده المعهد. “هو لا يعلم بأن ابنه يقصدني لتعلم العزف على العود والشاب في الحقيقة متمكن جداً وصاحب موهبة وهو الآن عازف جيد”. 

ويتابع “بحسب ما أخبرني به الشاب فإنه يضطر أحياناً إلى ربط العود بحبل وسحبه إلى سطح منزله وإدخاله إلى غرفته بهذه الطريقة خوفاً من والده”.

ويكمل أستاذ الموسيقى أن “المجتمع يفرض على معظم الطالبات لدينا أن يتوقفن عن تعلم الموسيقى بمجرد زواجهن أو بلوغهن”  مشيراً إلى أن العديد من الطالبات يتركن العزف رغم امتلاكهنّ الموهبة، بما فيهم ابنته التي تزوجت وانصرفت إلى مشاغل بيتها.

وعلى الرغم من موهبة الشويلي وقدرته على العزف باكثر من آلة بالإضافة إلى مهارته في التعليم إلا أنه يأسف لحال الموسيقى في العراق وتحديداً في كربلاء. 

ويقول “للأسف لقد تدهور هذا الفن في العراق نتيجة الوضع السياسي والخلل في جميع مفاصل الدولة وغياب الدعم للموسيقيين والمعاهد والكليات الموسيقية من قبل وزارة الثقافة والوزارات الأخرى المعنية”.

ويشير إلى أن مشروع تأسيس معهد بالنسبة له ليس مشروعاً تجارياً، فما يحققه منه دخل بالكاد يمكن ذكره.

ويتابع “على العكس أنا أحياناً أصرف من جيبي الخاص على المعهد فهدفي أسمى من أن يكون تجارياً وإنما أريد أن أعطي فرصة لكل من فاته تطوير هوايته بسبب الظروف الاجتماعية والسياسية”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى