مئذنة شبيهة بالحدباء.. عمرها 138 عاماً ولا يزورها أحد

ذي قار- مرتضى الحدود

مئذنة مائلة وبعض الجدران الشاخصة هي آخر اطلالات إمارة عراقية بزغ نجمها قبل 138 عاماً عندما كانت محط رحال لقوافل نجد والحجاز والكويت التي تعبر العراق، وهي إرث عراقي جنوبي شبيه من حيث الشكل بمنارة الحدباء المائلة في الموصل التي فجرها تنظيم داعش خلال معارك التحرير 2017.

تبعد إمارة الخميسية قرابة الـ 30 كيلو متراً جنوب مركز الناصرية ويتوسطها المسجد الكبير الذي يحكي تاريخ مدينة تم بناؤها على بعد 15 كم من مدينة “سوق الشيوخ” بعد أن غرقت الأخيرة بالفيضان آنذاك.

وتفيد المصادر التاريخية أن الإمارة التجارية اختيرت من قبل أميرها عبد الله الخميس بتكليف من الوالي العثماني آنذاك، و”الخميس” هو أحد التجار الكبار ذي الأصول النجدية يسكن مدينة سوق الشيوخ. 

ووقع الاختيار على هذه المنطقة لظروفها البيئية الملائمة لهذه المهمة، وأهمها أن تكون في مأمن من الفيضانات المائية وأن تكون حلقة وصل بين القوافل التجارية الآتية من نجد والحجاز والكويت وكذلك من بلاد الشام.

مرفأ برّي

عبد الحليم الحصيني والذي أرخ أحداث وشخوص مدينة الناصرية عبر مئات السنين يذكر للمنصة أن الخميسية بدأ  نجمها يرتفع مطلع الـ 1881 عندما أنشأ عبد الله الخميس دار إمارة له ومسجداً صغيراً وانتقل اليها بعض من أهالي سوق الشيوخ أرباب المهن فضلاً عن أبناء قبيلته وقبائل أخرى لتشكل بذلك مرفأً برياً للتجارة بمختلف أنواعها. 

وبعد سنتين على الأقل من انشائها أوعز الوالي العثماني ناصر باشا بتوسعة المسجد الذي أنشئ ليضم منارة وباحة كبيرة تقام فيها الصلوات الخمس وصلاة الجمعة، ومن بعدها تم إحاطة المدينة بسور وبوابة لحمايتها من أي هجوم خارجي.

الحصيني وهو جالس في مكتبه يرتدي نظارته الصغيرة ويقلب كتبه التاريخية التي تتحدث عن هذه الإمارة يذكر أن عدد سكانها بلغ عام 1910 قرابة الخمسة آلاف نسمة وهو رقم ليس بقليل في تلك الحقبة من التاريخ بالقياس الى أعداد سكان المدن المجاورة ويشير إلى انتعاش اقتصادي واسع آنذاك شهدته الإمارة.

ويتابع المؤرخ العراقي أن بريق الإمارة بدأ بالزوال بعد مرور 70 عامٍاً من نشأتها أي في مطلع خمسينيات القرن الماضي بعد أن وجد العديد من أرباب المهن والتجارة أن أعمالهم تحتاج الى منافذ وبدائل أكثر لينتقل البعض منهم إلى سوق الشيوخ وغيرها من المناطق المجاورة.

إهمال واضح

هذه الإمارة لم يتبق منها في الوقت الحالي سوى أطلال مسجد ذي مئذنة مائلة وبعض الجدران الشاخصة وعربة معدنية مدفونة بين التراب وغرف تتبع دار إمارة عبد الله الخميس عُدّت حالياً منطقة تراثية بعد أن مضى على تشييدها أكثر من مائة عام.

إلا أن المكان بحسب المهتمين بآثار مدينة الناصرية لم يشهد أي اهتمام حكوميّ وبقي عرضة لعوامل التعرية حاله حال مئات المواقع والأماكن التراثية والآثارية في محافظة ذي قار التي يربو عدد مواقعها الآثرية على الـ 1200 موقعاً.

ووفقاً لعميد كلية الاثار في جامعة ذي قار الدكتور مخلد ذياب، فإن المواقع الآثارية في ذي قار لم تشهد إرسال بعثات أثرية وأعمال تنقيب سوى في 3% منها.

ويرى د.ذياب أن “هذا الأمر يعد إهمالاً واضحاً فهذا الملف لم يتم رعايته من قبل وزارة الثقافة والآثار والسياحة، والأولى أن تكون هناك لجان مختصة تعمل على رصد التلال والمواقع الأثرية خصوصاً وأن هناك العديد منها عرضة للعبث من قبل اللصوص فضلاً عن عدم كفاية كوادر الحماية لتلك المواقع، فملف الآثار في ذي قار بحاجة الى نهضة حقيقية وجادة”.

خمس بعثات أثرية

البعثات التنقيبية الأجنبية عملت في عدد ضئيل من المواقع الأثرية بعد عام 2003 إذ تعمل هناك خمس بعثات تنقيبية من جنسيات مختلفة تنقب في خمس مواقع فقط.

ويتفاوت عمل وفترة تواجد كل بعثة من هذه البعثات، فالبعض قد استغرق تواجده ثلاثة مواسم والآخر أكثر من هذا، علماً أن الموسم التنقيبي الواحد لم يتجاوز الـ45 يوماً في السنة الواحدة يتم فيه الحفر والترميم والكشف عن ما تكنزه الأرض من تاريخ.

مدير مفتشية آثار ذي قار عامر عبد الرزاق الذي يتابع أعمال المنقبين الأجانب يؤكد أن “كل موسم تنقيب يحمل اكتشافات جديدة”. 

ويضيف أن الموسم التنقيبي لعام 2021 كان مميزاً لما تم اكتشافه من قبيل العثور على معبد اينيو في مدينة كرسو في قضاء النصر شمال المحافظة ويعود تاريخه الى زمن السومريين عام 144 قبل الميلاد. 

كما يجري العمل حالياً على صيانة أقدم جسر تم اكتشافه على مستوى العالم، وتستمر أعمال الكشف عن قصر بابلي في مدينة لارسا غرب الناصرية يعود للملك سين ايدنام ويرجع تاريخه لعام 1840 قبل الميلاد.

كما تمكنت البعثات الآثارية من اكتشاف آثار مسجد يعود للعصر الأموي بمساحة 40 متر مربع يسع لـ25 مصلياً ويعد الاكتشاف الأول من نوعه في هذه المناطق.

زيارات قليلة 

رئيس لجنة السياحة والآثار الأسبق في مجلس محافظة ذي قار أجيال الموسوي أشارت في تصريحات صحفية إلى أن 522 موقعاً آثارياً من أصل 1200 موقعاً مسجلة بشكل رسمي ومنشورة في جريدة الوقائع العراقية فيما لم تخضع بقية المواقع الآثارية للمسح الميداني من قبل وزارة الثقافة والآثار، من بينها إمارة الخميسية.

هذه الإمارة ورغم انهيار سلطانها إلا أن العشرات من الأهالي لازالوا محافظين على وجودهم فيها، وهي تتبع اليوم إدارياً لناحية الفضلية إحدى نواحي سوق الشيوخ، وتحتوي على مدرسة لساكنيها ومركزاً صحياً وبعض الطرق المعبدة. 

وتشهد الإمارة زيارات قليلة جداً من قبل بعض السائحين العرب من دول الخليج لأنها تمثل امتداداً لبعض القبائل العربية هناك.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى