مكفوفون في ذي قار: إنجازات رياضية رغم غياب الدعم الحكومي

المنصة- مرتضى الحدود

ثلاثة أيام من كل أسبوع يقضيها كفيفا البصر سرمد طالب ومحمد عبد العباس مع زملائهما يتدربان على مهارات لعبة الجودو، وهي واحدة من أصعب  الألعاب القتالية المعروفة لدى الوسط الرياضي سلكاها كنوع من التحدي للإعاقة التي يعانيان منها.

سرمد الشاب الثلاثيني يُصنّف وفق قوانين لعبة الجودو لدى المكفوفين بمستوى بصري B1 أي أنه لا يرى الشواخص التي أمامه من مسافة أقل من متر واحد وتكون اشبه بالظل وهو ما يعدّه المدربون واحداً من أصعب التصنيفات لممارسة اللعبة.

التحق سرمد في هذه الرياضة عام 2013 لتنطلق مشاركته نحو الدوريات العراقية منذ ان أتقن اسرارها ليحرز المركز الأول في أولى مشاركاته بالمنطقة الجنوبية.

لا شيء مستحيل

أثناء ارتداء الزي الأبيض الخاص بلاعبي الجودو يتلقى سرمد المساعدة من المدرب الذي يقوم بربط الحزام لسرمد ثم ينحني الأخير كنوع من طلب الايذان للمباشرة بتنفيذ الحركات على البساط الاسفنجي.

ويبدأ سرمد بالإحماء من خلال تحريك يديه تارة الى الأعلى وتارة الى الأسفل ثم الهرولة والانصات إلى التعليمات التي يتفوه بها المدرب حيدر خضير كإيعاز له بتنفيذ الحركة القتالية المقصودة.

سرمد وأثناء فترة استراحته في ردهة قاعة التدريب يقول، “نحن كمكفوفين أصبحنا رمزاً يحتذى به، نتحدى الإعاقة من خلال الانخراط بمثل هذه الألعاب التي يجدها كثيرون صعبة”، ويتابع مؤكداً أن “لا شيء صعب على الإنسان إذ ما كان هناك تصميم وإصرار، ولا شيء مستحيل”.

وبالفعل، تمكن سرمد مؤخراً من حصد المركز الأول أثناء بطولة العراق التي أقيمت خلال عام 2021 لجودو المكفوفين.

في مهب الريح

زميل سرمد، محمد عبد العباس، يصنف هو الآخر أيضاً ضمن المستوى البصري B1، انتظم في هذه اللعبة وهو طالب في المرحلة الرابعة في كلية الإدارة والاقتصاد مطلع 2019، لكنه تمكن من التعلم بسرعة رغم قصر مدة التدريب حتّى أنه مثل المنتخب العراقي في بطولة العرب 2021 وحاز على لقب البطولة.

يجد محمد في لعبة الجودو “طريقاً لتعزيز الثقة بالنفس وتنمية مستوى الذكاء والتركيز وسرعة البديهية”.

ويشكل المكفوفون في العراق أكثر من 20% من عدد ذوي الاحتياجات الخاصة في عموم البلاد البالغ 4 ملايين، أي يتجاوز عددهم الـ 900 ألف كفيف وفقاً للجمعية الوطنية لرعاية المكفوفين.

ويجد رئيس الجمعية لؤي عبد الرضا أن مستوى الدعم الحكومي لهذه الشريحة في تراجع مستمر عكس ما كان عليه الحال قبل عام 2003 حينما كانت الجمعية شبه رسمية ولها حقوق وامتيازات شبيهة بالنقابات، إلا أن “تغيير القوانين مؤخراً جعلنا في مهب الريح” بحسب وصف عبد الرضا.

نبحث عن اعتراف بنا

وفقا لما يراه عبد الرضا، فإن المكفوفين يواجهون في عدد من المحافظات العراقية “إهمالاً غير مفهوم”.

ويضرب المثل بعدم توفر المدارس والمعاهد التخصصية لتعليم المكفوفين في ست محافظات، فضلاً عن عدم وجود مطابع بصورة كافية لطباعة الكتب بلغة البرايل، سوى اثنتين في مدينتي بغداد والبصرة، وهذا النوع من الطباعة يمكن المكفوف من القراءة اذ تكون حروف الكلمات بارزة ويتحسسها بأصابع يديه.

الباحث هاني حربي يضيف أن المكفوفين يواجهون صعوبات أشد على المستوى الاجتماعي، “فما زالت ثقافة التنمر على الاخرين وتحديداً على الفئات المعاقة منتشرة في المجتمع وهذا الأمر يثير الكثير من المشاكل”.

ويرى حربي أن الأمر يجب أن يبدأ من مؤسسات التعليم، وأن “طلبة المدراس يحتاجون إلى مستوى عال من التوعية والتثقيف في تقبل الاخر، كما ينبغي تفعيل دور المساجد ومنظمات المجتمع المدني، سيما وأن المكفوفين في العراق سجلوا بصمات في عالم التقنيات الحديثة ونالوا الشهادات العليا في الدراسات الاكاديمية وحصدوا مراكز متقدمة في العديد من البطولات الرياضية”.

أما بالنسبة لسرمد ومحمد، فلم يكن نيل الجوائز وحده هو الهدف المنشود من ممارستهم رياضة الجودو، بل وكما يقول سرمد، “نحن نبحث عن الاعتراف من المجتمع ونبحث عن تقبلنا بشكل حقيقي وليس من باب الشفقة”.

ويضيف محمد على كلام زميله قائلاً إن “أغلب المؤسسات الاهلية لا ترغب في توظيفنا ولا تعترف بنا كأشخاص فاعلين في المجتمع، لذلك فإن ممارسة الجودو قد تكون إثباتاً على قدرتنا وتميزنا”.

 

  

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى