النساء من ذوي الاعاقات المختلفة في إقليم كوردستان.. أن تخوض معركتك وحيداً

 المنصة- السليمانية- ليلى احمد 

تحديات ليست بالقليلة يواجهها ذوو الاعاقات المختلفة في إقليم كردستان فكثر منهم يشعرون أن الطريق ما زال طويلاً إذا ما أرادوا الاندماج أو طالبوا بالمساواة في أماكن العمل أو في معاهد الدراسة أو عند قيامهم بمبادرات اجتماعية.

وبحسب الأرقام الرسمية هناك أكثر من ثمانية وثمانين ألف شخص من ذوي الاعاقات المختلفة مسجلون لدى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية يتلقون منحاً مالية وهناك الآلاف منهم لم يتم تسجيلهم في برنامج المنح المالية بعد.

وتحدد لجنة تتبع لوزارة الصحة توصيف الإعاقة وفق مجموعة من الأمراض والإصابات المصنفة لديها، كمتلازمة تاون وشلل الدماغ وفقدان أحد الأعضاء أو التوحد، وبذلك يمنح ذوو الاعاقات المختلفة العاطلين عن العمل مبلغ مئة وخمسين ألف دينار عراقي كمبلغ مساعدة شهري، والموظفون منهم مبلغ مئة ألف دينار كمنحة إضافية.

“لم أحصل على عكّاز”

أفراح إبراهيم (44 سنة) من ذوي الاعاقات المختلفة في قضاء كلار التابع لمحافظة السليمانية أجرت سبعة عمليات جراحية في العاصمة بغداد، بدأت الأولى منها وهي في عمر سبعة أشهر. وعندما بلغت الست سنوات فقد الأطباء أي أمل في أن تسير على قدميها . تقول أفراح: “استخدمت العكاز لكنه انكسر ولم أحصل على غيره فقعدت في المنزل ولم أتمكن من دخول المدرسة.. بدأت مع إخوتي وأخواتي الدراسة في البيت وتعلم الكتابة والقراءة وكنت أرسم طوال الوقت”.

في عمر الـ 16 سنة تقدمت أفراح بطلب للعمل كمتطوعة في إحدى رياض الأطفال، فتم قبولها وبدأت بتعليم الأطفال الرسم  والتلوين لمدة عام كامل. “عندما اكتشف مدير الروضة موهبتي طلب من مديرية تربية كرميان تعييني رسمياً فعينت وحددوا لي راتباً وفرحت بذلك كثيراً”.

كي تحقق أفراح حلمها بدراسة الفنون التشكيلية كان لا بد لها أن تعمل ليلاً نهاراً وتتنقّل في أكثر من وسيلة مواصلات ثم تقطع طرقاً ترابية على كرسي متحرك الأمر الذي كان مستحيلاً بالنسبة لها، لكنها لم تيأس، فشاركت بلوحاتها ورسوماتها في مسابقة المعرض السنوي لرياض الأطفال والمدارس وجذبت انتباه أهالي كرميان وبدأ اسمها يحقق انتشاراً.

تقول أفراح: “في عام 2003 كنت قد وفرت بعض المال وتعلمت السياقة وكنت أول سيدة من ذوي الاعاقات المختلفة في الإقليم تقود سيارة”.

وتتابع: “بدأت الدراسة وكنت أنقل أصدقائي إلى مدارسهم وحصلت على شهادة السادس الابتدائي والتاسع الأساسي، ثم قدمت لامتحان الرسم وحصلت على المرتبة الأولى، ولكنهم لم يسمحوا لي بدخول قسم الفن التشكيلي بحجة أن القانون لا يسمح لذوي الاعاقات المختلفة بدخول القسم.. كان ذلك أصعب يوم في حياتي”.

توضح أفراح أن قوانين التعليم آنذاك كانت تسمح لذوي الاعاقات بدراسة الفنون الجميلة لكن في قسم المسرح فقط، مما أجبرها على الانتظار خمسة أعوام أخرى بعد أن سمعت عن خطة لافتتاح معهد أهلي للفنون الجميلة، ولكن المعهد لم يفتتح، وفي النهاية اضطررت لاختيار الدراسة في معهد الحاسابات. تقول: “أنا الآن موظفة في روضة للأطفال في الصباح، وأدرس في المرحلة الثالثة في المعهد مساء”. وتتابع “شاركت في أكثر من 40 معرضاً تشكيلياً دولياً ونلت العديد من الجوائز في قطر وتركيا وإقليم كوردستان”.

“قاومت.. ونجحت”

لا تختلف قصة بناز أحمد عزيز (36 سنة) عن قصة أفراح إلا في التفاصيل، فهي تعاني من عيب خلقي في عظام الحوض، “لذلك أسير بصعوبة وترافقني آلام شديدة أثناء الحركة.. زرت أطباء في بغداد وكلار والسليمانية وإيران لكنهم أخبروني بعدم وجود علاج”.

وضع بناز الصحي لم يمنعها من متابعة الدراسة، فاجتازت عام 2013 المرحلة الإعدادية، لكنها حصلت على معدل 56 في المئة وهي درجة لا تؤهلها -وفق قانون التعليم في إقليم كوردستان- لمواصلة الدراسة في المعهد أو الجامعة.

عملت بناز متطوعة في مديرية الصحة الوقائية لمدة عام وثمانية أشهر، وتابعت التطوع في مبادرات ونشاطات أخرى. “كانت أمنيتي أن أصبح فتاة ذات مهنة مستقلة لذلك شاركت في العديد من الدورات الأخرى للأعمال اليدوية، ثم افتتحت دورات خاصة بذوي الاعاقات المختلفة للفتيات وطالبات الجامعات والمعاهد في أقضية كلار وكفري ودربنديخان وناحيتي باونور ورزكاري، علمتهنّ الأعمال اليدوية، وكان عملاً تطوعياً”.

مدفوعةً بتجربتها الشخصية أسّست بناز في عام 2017 جمعية لتنمية قدرات المرأة تألفت من 17 امرأة، ثم توسعت نشاطات الجمعية وأصبح عدد عضواتها حوالي 50 امرأة أقمن أكثر من 30 معرضاً للفنون اليدوية في محافظتي السليمانية وحلبجة وفي أقضية جمجمال وكلار ودربنديخان والنواحي والقرى التابعة لها.

تقول بناز، “نحن الآن بصدد فتح دورات للاعمال اليدوية للمتخرجات في الجامعات والمعاهد وذوات الاعاقات المختلفة وربات المنزل، وبدأنا بتشجيع النساء على بيع أعمالهن اليدوية عن طريق الأنترنيت”.

وبالفعل بدأت عضوات جمعية “وردة القرنفل” ببيع أعمالن على مواقع التواصل الاجتماعي، يرسلنها إلى كركوك ومناطق إقليم كوردستان الأخرى، بل إن بعضهن أصبحن يمتلكن محلاتهن خاصة. “وجود الجمعية شكل فرصة لتسويق الأعمال اليدوية والمأكولات المحلية لذلك تلتحق بنا نساء كثر يعددن الطعام في المنزل ويبعنه خلال إقامة المهرجانات والمعارض، وقد أصبحت العديدات من الفتيات مدربات للاعمال اليدوية ويعلمن أخريات”.

تعلق بناز على تجربتها في تأسيس الجمعية بالقول: “عندما بدأت هذه المهنة كان خروجنا من البيت يثير الاستغراب وأحياناً يعتبر عيباً، لكنني قاومت طريقة التفكير هذه في مجتمعي ولدينا الآن أسر بأكملها أعضاء في المجموعة”، أما عن الدعم الذي تلقته خلال مسيرتها فتختصره بالقول: “لم تساعدني حكومة الإقليم.. كانت تمنحني 150 ألف دينار كمنحة.. مبلغ لا يكفي حتى لمصاريف العلاج”.

“الحكومة منعتني من بيع الأكل”

تفيد الإحصاءات الرسمية المتعلقة بذوي الاعاقات المختلفة أن أربعة آلاف من الذكور والإناث قد تم تسجيلهم في محافظة السليمانية في شهر كانون الأول الماضي وحده.

هاجر كاكه حمة مسؤولة قسم المرأة في “اتحاد المعاقين” غير الحكومي الذي تأسس عام 1991 للاهتمام بذوي الاعاقات المختلفة وتمكينهم تقول: “لم تلتفت الحكومة لهم فأوضاعهم المعيشية سيئة ومنحتهم الشهرية قليلة ولا تكفي للمعيشة والعلاج، كما لم تفتتح لهم مراكز للشباب أو مراكز علاجية أو مدارس مختصة”.

كويستان أحمد سعيد (51 سنة) من السليمانية إحدى النساء اللواتي يخضن المعركة مع الإعاقة وحيدات على حد وصفها. تقول: “منذ ولادتي وأنا لا أستطيع السير، أنهيت الدراسة حتى الصف التاسع الأساسي، وتوفي والدي وكنا سبع أخوات، أنا فقط بينهن من ذوات الاعاقات المختلفة”. وتابعت كويستان: “تعلمت من والدتي إعداد الطعام والخياطة وأصبحت مهنتي التي أؤمن منها معيشة عائلتي منذ 10 سنوات”.

قبل أشهر كانت هذه السيدة تعد المأكولات التقليدية مثل الباجة والدولمة وغيرها وتبيعها في “حديقة آزادي” في السليمانية. “كان لدي زبائن كثر وبهذا أمنت حياة كريمة لي ولعائلتي وكنت سعيدة بذلك”. وعندما منعت الحكومة المحلية بيع المأكولات في الحديقة توقف مصدر رزقها، لكن كويستان لم تستسلم، فخصصت وقتاً أكثر لمهنة الخياطة وهي اليوم تعيش منها وصار لديها العديد من الزبائن.

الآلاف ينتظرون

لا ينكر آريان أحمد مصطفى المتحدث باسم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في إقليم كوردستان التحديات التي تواجه هذه الفئة من المجتمع، ويشير إلى أن “عدد ذوي الاعاقات المختلفة المسجلين في الوزارة والذين يتسلمون رواتباً حوالي 88 ألف شخص من النساء والرجال والأطفال، وهناك بالمقابل نحو 30 ألف شخص آخرين سجلوا منذ عام 2012 ليمنحوا مساعدة لكنهم لم يستلموها إلى اليوم”.

ويقول الوزارة ارسلت اسماء ثلاثين الف من ذوي الاعاقات المختلفة الى وزارة المالية لشمولهم بالمنحة منذ عام 2012 ولكنها قلصت العدد وارسلته مجددا الى الوزارة عام 2018 اذ حذفت قرابة 14 الف اسم منهم لاسباب مختلفة مثل وفاة المشمولين او هجرتهم خارج الاقليم او لان اللجنة التي دققت الاسماء اكتشفت انهم ليس لديهم اعاقة و لا يستحقون المنحة.

ويضيف “نعتبر من واجبنا كوزارة ان ندافع عن حقوق هذه الشريحة لكن الوضع الاقتصادي للاقليم والازمة المالية التي يمر بها منذ سنوات فضلا عن ازمة فيروس كورونا كلها أخرت التنفيذ لكننا شكلنا لجنة خاصة للمتابعة مع الجهات المختصة والمطالبة بحقوقهم”.

ويؤكد آري ان مبلغ المنحة (150) الف دينار اي حوالي (100) دولار لا يكفي ويتوجب تشريع قانون في برلمان كردستان يهتم بهذه الشريحة ويقول “نحتاج الى تكاتف جهود المنظمات المهتمة بذوي الاعاقات المختلفة مع الحكومة والبرلمان لتسليط الضوء على مشكلاتهم وتشريع قانون خاص، فنحن كوزارة شؤون اجتماعية لا نملك الكثير لنفعله ، انما فقط جهة تنفيذية”.

ويكمل مصطفى أن المبلغ الذي تمنحه الحكومة لهذه الفئة ليس براتبٍ بل هو “منحة” لا تغطي جميع احتياجاتهم مشيراً إلى أن “الرجال من ذوي الاعاقات المختلفة هم أكثر من يعملون ويؤمنون معيشتهم ومعظمهم موظفون، أما النساء فلديهن فرص أقل في الحصول على مهنة أو وظيفة”.

شادية عبد الحليم أحمد (45 سنة) من محافظة السليمانية، المصابة بشلل في القدمين أمضت أكثر من 15 عاما تصنع الحلي وتطرز الملابس بالخرز، وشاركت في العديد من المعارض لتسويق أعمالها.

خلال تلك السنوات لم تتلق شادية أي دعم من مؤسسة حكومية تؤمن لها فرصة للدراسة أو  بعض المستلزمات الطبية كالكرسي المتحرك. “ليس هناك أحد يعينني أنا وأمي، لدي شقيقان قتلا في حملة الأنفال (نهاية الثمانينيات) وشقيق آخر يعيش في أوروبا من ذوي الاحتياجات الخاصة وشقيق رابع أوضاعه المادية صعبة”.

وبالرغم من كل ما مرت به من ظروف قاسية إلا أن ما يؤلم شادية هو شعور برافقها طوال السنوات الماضية تختصره بالقول: “نحن نخوض معركتنا وحيدين تماماً”، الشعور نفسه الذي عبرت عنه “كويستان” و”أفراح” و”بناز” كل على طريقتها.

تأتي هذه الحلقات بدعم من برنامج قريب، وهو برنامج إقليمي تموله الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD)، وتنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الإعلامية (CFI).

 

   

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى