هجرة الشباب من دهوك..قصص مؤلمة على “طريق الموت”
دهوك- وفاء غانم
رغم كل ما فيه من مخاطر يختار عشرات الشبان في محافظة دهوك يومياً “طريق الموت” لتحقيق حلمهم بالوصول إلى إحدى الدول الأوربية والخلاص من خيبة الأمل التي يعيشها شباب المحافظة التي تصدرت محافظات إقليم كردستان والعراق بشكل عام، كأكبر محافظة تسجّل موجات هجرة.
ريكار، شاب عشريني من قضاء العمادية بمحافظة دهوك تخرج في كلية التربية قبل أكثر من 4 سنوات وحاول إيجاد فرصة عمل يستطيع من خلالها تحقيق طموحه بتكوين أسرة والعيش بكرامة، لكنه يقول إن الجهات الحكومية والقطاع الخاص لم ينصفاه، فظل متنقلاً بين الأرصفة يعمل ببسطية لم تكن قادرة على تحمل تكاليف الحياة الصعبة في دهوك.
يكمل الشاب ريكار حديثه وهو الذي عاد قبل أسابيع من “رحلة الموت” على الحدود البيلاروسية بالقول إن “الظروف الاقتصادية الصعبة واستحالة إيجاد فرص عمل، اضطرتني للاتفاق مع مجموعة من أصدقائه للسفر إلى تركيا وسلك طريق البحر للوصول إلى أوربا”.
لكن محاصرته هو ومجموعة من المهاجرين على الحدود البرية لأكثر من 25 يوماً، تخللتها موجات البرد القارسة، فضلاً عن الجوع والعطش، كل تلك الظروف كانت بالنسبة له أهون من العودة إلى دهوك، “لولا تدخل والدتي التي كانت تكلمني بشكل يومي باكيةً ترجوني العودة”.
شاب آخر يدعى آرام، عمره 24 عاماً، تحدث بحسرةً نادماً على اتخاذه قرار العودة مع الطائرة التي وفرتها الحكومة العراقية للعودة إلى البلاد نهاية كان الأول/ديسمبر من العام الماضي.
“الحياة هنا معدومة ولا يوجد أمل” يقول، فبعد أزمة فيروس كورونا، وفي ظل المشاكل السياسية بين بغداد وأربيل، وتأخر صرف الرواتب، والضرائب العالية التي تفرضها حكومة الإقليم فإن “الموت على حدود بيلاروسيا هو أهون من حياتي هنا”، هكذا يصف آرام الأوضاع في إقليم كردستان.
تراجعٌ نسبي
ارتبط آرام بفتاة أحبها في الجامعة ومضى على تخرجه أكثر من عامين، لكن عدم وجود فرص عمل ومغالاة ذويها بطلباتهم الشخصية، أجبرهُ على سلك طريق الهجرة، لإيجاد الظروف المناسبة التي تمكنهُ من تحقيقِ حلمه والزواج بفتاة أحلامه.
يشير إلى أنه صرف أكثر من 4500 دولار، استدان الجزء الأكبر من المبلغ من شقيقه الأكبر، وعاد اليوم إلى دهوك بخفي حنين، دون أن يحقق حلمه لا في الهجرة ولا في الارتباط بفتاة أحلامه، فضلاً على أن الظروف التي هاجر من أجلها لم تتغير”.
وشهدت الأشهر الأولى من العام الحالي تراجعاً بمعدلات هجرة الشباب في إقليم كردستان، لكنها عادت للظهور قبل أيام، خاصة مع استقرار درجات الحرارة واعتدالها في عددٍ من المناطق.
وفي وقت سابق أكد عضو برلمان إقليم كردستان مسلم عبد الله أنه، خلال الأشهر الأخيرة من عام 2020، كانت دهوك تتصدر محافظات الإقليم والعراق بنسب هجرة الشباب بشكل يومي.
مبيناً أنه “بشكل يومي يهاجر أكثر من 50 شاباً من محافظة دهوك، لظروف مختلفة أهمها الظروف الاقتصادية، فضلاً تراجع مستوى الحريات العامة والشخصية، والظروف السياسية التي يعيشها الشباب، والمضايقات التي يتعرضون لها”.
الفقر ليس هو السبب الوحيد
وأفاقت دهوك قبل أسابيع على خبرٍ، كان كالصاعقة على متلقيه، حيث أكدت شرطة المحافظة مقتل أحد المتحولين جنسياً على يد أخيه، الأمر الذي دعا سفارات الدول الأجنبية ومنظمات حقوق الإنسان للتنديد بالحادثة والدعوة لفتح تحقيق عاجل بالقضية التي اعتبروها خطيرة على ملف الحريات في الإقليم.
وبحسب مصادر محلية أكدت أن، أكثر 50 شاباً من مناطق مختلفة في محافظة دهوك تقدموا بطلبات اللجوء إلى بعثة الأمم المتحدة، وقنصليات مختلفة في أربيل، وذلك بعد تعرضهم لمضايقات تتعلق بحرياتهم الشخصية، ومظهرهم الخارجي.
مختصون يقولون بأن الخوف من المستقبل دفع الآلاف من أهالي محافظة دهوك إلى المغامرة بحياتهم وحياة أطفالهم ومستقبلهم في رحلة شاقة ومرهقة في أغلب الأحيان يكون مصيرها الموت، حاملين آمالاً وردية رسموها في مخيلتهم، تاركين خلفهم كل شيء ولا أحد منهم يعلم كيف سيكون مصيره والمستقبل الذي ينتظره.
إحصائيات مرعبة
رئيس مؤسسة القمة المختصة بشؤون اللاجئين في إقليم كردستان آري جلال أشار إلى أن، الهجرة في الإقليم مستمرة، رغم انخفاضها خلال الشهرين الماضيين، بسبب انخفاض درجات الحرارة لدون الصفر المئوي.
لافتاً في حديثه للمنصة أن “أكثر من 53 ألف مواطن في إقليم كردستان قدموا طلباتهم في عام 2021، من أجل العيش خارج البلد، تتصدرهم محافظة دهوك، بنسبة 50%”.
وأوضح أن “93 شخصاً لقوا حتفهم نتيجة الغرق أو الجوع على الحدود الأوربية، نسبة كبيرة منهم من أهالي محافظة دهوك، وتم العثور على جثث 47 شخصاً، وتم إعادتها إلى الإقليم، فيما لايزال البحث جارياً عن مصير الجثث الأخرى”.
مغالاة وتهويل
لكن رئيس مجلس محافظة دهوك فهيم عبد الله يؤكد أن “الأوضاع في المحافظة هي جيدةً، قياساً بحجم التهويل الذي أشيع، ففرص العمل ليست معدومة، ولكن أغلب الشباب يبحثون عن وسائل راحة ويعتبرون العديد من الأعمال بأنها معيبة بحقهم”.
وتابع عبدالله أن “أغلب الشركات وأصحاب رأس المال باتوا يبحثون عن الوافدين من سوريا وإيران وتركيا ودول شرق آسيا للعمل معهم، في ظل امتناع شباب المحافظة عن العمل، لكن شبابنا يخاطرون بحياته بهدف الوصول إلى أوربا، ظناً منهم بأنها ستمنحهم أموالاً دون عمل”.
ويبين في حديثه للمنصة أن “الحكومة المحلية في دهوك نجحت خلال العام الماضي من افتتاح أكثر من مشروع عملاق لتشغيل الأيدي العاملة، كما أن، الأولوية لشباب المحافظة في فرص العمل في القطاع الحكومي، فضلاً عن كون دهوك تتصدر محافظات الإقليم والعراق بالأمن والأعمار، رغم قلة الموازنة المالية المرصودة للمحافظة”.
احتكار عوائل السلطة
لكن عضو في برلمان إقليم كردستان عن “حراك الجيل الجديد” وهو ديار أنور، يرى بأن “الشاب الكردي يشعر بخيبة أمل، دعته للهجرة وتحمل مخاطرها”.
ويضيف في حديثه للمنصة أن “عائدات النفط والمنافذ الحدودية محتكرة بيد عوائل السلطة، وأبنائهم يتمتعون بخيرات الإقليم، في حين يعيش المواطن الكردي أوضاعاً مأساوية تتمثل بتأخر صرف رواتب الموظفين، وفرض معدلات عالية للضرائب، وانعدام فرص العمل، وزيادة معدلات الفقر”.
واستكمل حديثه قائلاً إن “هذه الظروف أجبرت الشاب الكردي على التضحية بالعيش وسط أهله، وسلك المخاطر، ليصل لهدفه، وهو الخلاص من ظلم عوائل السلطة في الإقليم، وبداية حياة كريمة”.
وتشهد مدن إقليم كردستان احتجاجات متكررة، على تأخر صرف رواتب الموظفين، وارتفاع سعر الوقود وزيادة معدلات الضرائب.
وكشف النائب في برلمان إقليم كردستان عمر كولبي في حديث سابق، عن وجود أكثر من 600 ألف عاطل عن العمل في الإقليم، وهي نسبة عالية جداً، دعت الشباب لاتباع طريق الموت لتحقيق الحلم المنشود.