العمادية: أجمل مناطق كردستان محرومة من السياح

دهوك-  وفاء غانم

أماد، آفاهيا، أمادي، ومن ثم آميدي، وأخيراً العمادية، جميعها أسماء تطلق على تلك المدينة التي تتربع على عرش صخري كبير وسط طبيعة خلابة يندر وجودها في منطقة الشرق الأوسط.

تحتوي هذه المنطقة التابعة إدارياً لمحافظة دهوك على شلالات وبحيرات وكهوف تعود لعصور قديمة ، وعلى مصايف للسواح أبرزها مصيف سولاف وكلي شيرانة، كما أن القضاء يعتبر السلة الاقتصادية لدهوك وإقليم كردستان بشكل عام، بسبب طبيعة الأرض الزراعية، إذ تشتهر بزراعة اللوز والجوز والزبيب بانواعه، فضلاً عن السمسم ومجموعة من الفواكة والخضروات.

وبالرغم من كل تلك الميزات التي يشتهر بها قضاء العمادية، فضلاً عن الموارد الاقتصادية التي تتمتع بها، إلا أن سكانه يعانون من تزايد معدلات الفقر والبطالة، فلم تنعكس طبيعة المدينة الخلابة وأجوائها الساحرة على حياتهم المعيشية.

التدخل التركي

بحسب أهالٍ ومسؤولين محليين من المنطقة، فإن تواجد القواعد العسكرية التركية في إقليم كردستان وبمحافظة دهوك تحديداً ألقى بظلاله على أوضاع العمادية، وتراجع معدلات السياحة والإنتاج الزراعي فيها.

فالعمادية تضم مجموعة من تلك القواعد العسكرية بينها أكبر قاعدة للجيش التركي في ناحية كاني مآسي، ويتمركز فيها أكثر من 2500 مقاتلاً، فضلاً عن قاعدة جوية.

ويعتبر أهالي من المنطقة أن آلاف السواح كان من الممكن أن يزوروا العمادية لولا القصف التركي المستمر بشكل شبه يومي على مناطق وقرى مختلفة من العمادية، لأسباب تبررها أنقرة، بتواجد عناصر حزب العمال الكردستاني المعارض لتركيا، والذي يتخذ من تلك القرى الزراعية مكاناً له.

أضرار خلفتها المعارك 

يقول قائممقام العمادية إسماعيل مصطفى إن “المعارك الدائرة بين الجيش التركي وعناصر حزب العمال الكردستاني بشكل شبه يومي، أدت لأضرار كبيرة على الوضع الاقتصادي، وتسبب بخسائر فادحة”.

ويبين في حديثه للمنصة أن “7 مليارات دينار هي خسائر العمادية فقط خلال عام 2021، فضلاً عن إخلاء سكان 200 قرية لمنازلهم، ما أدى لانتهاء الزراعة في القضاء، والتي كانت تشكل المردود الاقتصادي الأول للمواطنين”.

وأوضح أن “العمادية كانت تغذي 90% من محافظة دهوك من القمح والشعير، فضلاً عن الفواكة والخضار الرئيسية، وتصدر أجزاء كبيرة من تلك المواد لمحافظات أربيل والسليمانية، وحتى باقي مناطق العراق مثل نينوى وكركوك”.

أهم المواقع الآثرية

مدير آثار العمادية حسن قاسم أشار إلى أن القضاء يعد من المدن المهمة التي لاتزال تحتفظ بالآثار والشواهد التأريخية، حيث يعود تاريخها للعهد الآشوري، وشهدت ازدهاراً ملحوظاً في عهد إمارة بادينان، ثم خضعت للحكم العثماني.

ويضيف في تصريح صحفي أن، أبرز آثار العمادية، هي بوابة بادينان، وتم إزالتها لتوسيع القضاء، كما أن مدرسة قوبهان هي واحدة من أهم معالم المدينة، وتوجد فيها أيضاًَ المقبرة السلطانية وجسر عيسى، وهذه المواقع خضعت للترميم، لكن الاهتمام الحكومي مايزال محدوداً.

قائمة اليونسكو 

وأطلقت حملات في مواقع التواصل الاجتماعي لإدراج العمادية على لائحة التراث العالمي التي تصدرها منظمة اليونسكو، لجذب السياح من محافظات العراق المختلفة، فضلاً عن القادمين من الدول الأخرى.

فرغم قدوم الآلاف من العراقيين لقضاء أوقات المناسبات والأعياد في العمادية، لما لها من طبيعة ساحرة، لكن بعض السياح يشكون من قلة الاهتمام بالمواقع السياحية التي يحتاجها السائح.

ولعل أبرز الاحتياجات هي الفنادق والمطاعم، والاهتمام بطرق النقل الرابطة مع المصايف، فضلاً عن إنشاء مطار بمحافظة دهوك كون المحافظة بعيدةً عن مطاري أربيل والسليمانية الدوليين، وتسهيل الإجراءات الأمنية في السيطرات الحكومية.

لكن تلك العقبات تبقى ليست بذات الأهمية بالمقارنة مع مشكلات أخرى، لكون مايعيق السياح في المرحلة الحالية هو المخاوف من المعارك الدائرة بين الجيش التركي وحزب العمال.

دلشاد طاهر وهو مواطن من أهالي العمادية يقول إن “على حكومة إقليم كردستان إنهاء المعارك وتفكيك الثكنات العسكرية، وطرد الجيش التركي من العمادية، وزيادة الاهتمام الخدمي بالمدينة”.

ويوضح في حديثه للمنصة أنه “خلال العام الماضي سقطت العديد من الصواريخ على مناطق سياحية، فضلاً عن قرى زراعية، وهذا الأمر تسبب بالذعر للسياح ومنعهم من القدوم للقضاء”.

في حين لم يخفِ الحاج عثمان دموعه، وهو يتحدث عن الظروف التي أجبرته على الهجرة من قريته التي عاش فيها طفولته وريعان شبابه، بسبب تكرار القصف الدائر على قرية هروري والقرى المجاورة.

مؤكداً في حديثه للمنصة أن “القصف أثر على حياتنا اليومية، فاضطررنا للهجرة لمركز قضاء العمادية وترك الفلاحة والاشتغال بمهن أخرى”

خطة حكومية 

المتحدث باسم هيئة السياحة في إقليم كردستان نادر روستي يؤكد، وجود خطة موضوعة من قبل حكومة الإقليم لإعطاء العمادية المساحة الكبرى من الاهتمام والنهوض بواقعها السياحي.

ويلفت في حديثه للمنصة إلى أن “خطة الحكومة تتمثل بإنشاء طريق حديثة تربط مركز القضاء بالمصايف، فضلاً عن إحالة المشاريع السياحية لشركات استثمارية بهدف تطويرها، وإنشاء الفنادق والمجمعات السكنية”.

لكن لم يخفِ تأثير وجود الجيش التركي في مناطق العمادية، والاشتباكات والمعارك والقصف المستمر على أي خطة أو رغبة حكومية بتطوير السياحة، في أجمل مناطق كردستان.

ويوضح أن “تلك المعارك آثرت على توافد السياح، خاصة وأن مواقع سياحية مهمة تم إخلائها، بسبب تواجد عناصر حزب العمال أو ثكنات عسكرية للقوات التركية في تلك المناطق”.

توسعة وهجرة للسكان

وكانت أجرت الحكومة المحلية في دهوك قد أجرت أعمال توسعة على المدينة القديمة في العمادية، لكن تلك التوسعة لم تستوعب الزيادة الحاصلة في عددِ السكان، ما أدى لهجرة عدد من المواطنين لمناطق أخرى.

وبحسب إحصائيات رسمية من قبل الحكومة المحلية في العمادية فإن حوالي 90 ألف سائح دخلوا لمصايف القضاء فقط خلال عيد الأضحى السابق، لكن وبحسب إحصائيات سابقة فأن الأعداد التي كانت تدخل للقضاء في السنوات الماضية أضعاف الرقم المذكور.

ويطالب أهالي العمادية حكومتي بغداد وأربيل بإنهاء الوجود العسكري في القضاء، بالإضافة لتوفير الخدمات اللازمة في المجالات كافة، وإيلاء الجهات المعنية ودائرة السياحة والآثار في محافظة دهوك اهتماماً أكبر بالأماكن التراثية والمصايف لاعتبارها وجهة المدينة من الناحية الجمالية والتأريخية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى