أطفال سوق الشورجة: يجرّون بضائع ثقيلة.. وأحلاماً كبيرة

فاطمة كريم- بغداد

يجر علي قاسم عربته التي تزن ثلاثة أضعاف جسده النحيل غير آبه بأصوات الضجيج من حوله في سوق الشورجة في بغداد، ثم يمد يده ليسحب غطاء وجهه بسبب الحر قبل أن يواصل سيره لعبور الشارع.  

يعمل علي في نقل البضائع بعربته الثقيلة منذ كان في العاشرة وهو اليوم ابن ستة عشر ربيعاً اكتملت قبل أيام. “عملي يوفر لأبي المصاب بالجلطة علاجه ويساعد أمي في الصرف على عائلتنا” يقول.   

علي واحد من مئات الاطفال الذين يعملون في منطقة الشورجة، لا توجد إحصائيات دقيقة في العراق حول أعدادهم لكن المؤكد أن الفقر دفعهم إلى هذه الأعمال التي لا تتناسب مع أعمارهم. 

يقول “أصل الى مكان عملي في الساعة الخامسة صباحاً ثم أعود إلى البيت عصراً، وأحصل في اليوم الواحد على ما يقارب ستة إلى عشرة آلاف دينار”.  

عشرات الاطفال مثل علي يمكن العثور عليهم في شوارع الشورجة من مختلف المحافظات ومختلف الأعمار يمارسون مهناً أعمالاً لا تتناسب مع ضآلة أجسادهم. 

“أبو طويلة” هكذا ينادي محمد باسم صديقه علي وذلك بسبب طول قامته. محمد لا يختلف كثيراً عن علي فهو متواجد في هذا العمل منذ خمس سنوات.  

“أعمل على حساب صحتي وذلك بعد إصابتي بانزلاق في فقرات الظهر بسبب ثقل الأوزان التي أحملها”، بدأ محمد الكلام عن نفسه، وتابع “لم اجد اي دعم من الدولة او المنظمات ولم يأت أي أحد ويسأل عن حالنا.. تركت الدراسة لأعمل حمالاً في اسواق الشورجة”. 

يعيش علي ومحمد في مجمعات “الحواسم”، تلك المناطق التي تشبه أحياء صفيح، تحيط المدينة وتضم خليطاً غريباً من العائلات المسحوقة أوالنازحة من محافظات أخرى والمهاجرين جراء الصراع الطائفي.  

الأهالي يسمون أحزمة البؤس تلك بالحواسم كاشتقاق شعبي من شعار أطلقه صدام حسين قبل سقوط نظامه على حرب 2003 بأنها معركة الحسم، هكذا بات وصف “الحواسم” يطلق على كل شيء غير قانوني. ومع حالة من الانفلات الأمني وسيطرة الميلشيات المسلحة على المدن بين 2003 و2008 وغياب القانون تفاقمت أوضاع هذه الأحياء سوءاً وما زالت إلى تعاني إلى الآن رغم الاستقرار النسبي.  

المتجول في شوارع الشورجة يعثر بسهولة على رفاق محمد وعلي ، أطفال شاحبي الوجوه لكنهم في الكثير من الأحيان ينقلبون إلى أشخاص مطلوبين للشرطة.  

يكمل علي ويقول “يأتي الينا أشخاص يعرضون علينا قدر من المال مقابل أعمال غير قانونية مثل بيع المخدرات ويتحرشون بنا جسدياً، والكثير من الأطفال ينجرفون إلى هذه الأعمال للحصول على المال ويتم إلقاء القبض عليهم لاحقا وهم يحملون المخدرات”.  

يطمح علي في أن يصبح لاعب كرة قدم مستقبلاً ويسرق بعض الوقت ليتمرن مع فرق شعبية صغيرة. “بعض المتدربين معي يسخرون مني لكنني لا أخجل ابداً من مهنتي وسأحقق ما اريد يوما ما”، يقول. 

جبار أحد أصدقاء علي يصغره بأربع سنوات كان يمر بعربته الحديدية التي تزن أضعاف وزنه وهو يضع قطعة من القماش على مقبض العربة تفادياً لسخونتها. 

بينما كان يحاول عبور الشارع ساحباً عربته ببطء نزل أحد أصحاب السيارات، وبغضب شديد وصوت عال بدأ بشتم جبار بسبب مروره من أمامه، دون أن بعمره او بصعوبة عمله.

سارع علي ومن معه محاولين مساعدته لعبور الشارع فسار جبار دون أن يرد على صاحب السيارة وبعد سؤاله عن عدم رده قال “انا هنا ابحث عن لقمة العيش لا عن المشاكل، أما عن صاحب سيارة فله ربّ يحاسبه”. 

يمنع قانون العمل العراقي رقم 37 سنة 2015 تشغيل الأطفال أو دخولهم مواقع العمل التي تضر بصحتهم أو سلامتهم أو أخلاقهم. ويعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سنة وبغرامة لا تزيد عن مليون دينار عراقي كل من يخالف أحكام القانون.  

المحامي حسين الدراجي وهو مختص في قانون العمل، يؤكد بدوره أن العراق صادق على 68 اتفاقية دولية من ضمنها ثمانية مواد اساسية تتضمن القضاء على عمالة الأطفال.

يقول الدراجي “بسبب ضعف القانون وعدم تطبيقه فإن هذه الظاهرة في حالة تزايد” مضيفاً أن المسؤولية لا تقع على جهة واحدة فقط، “وهناك غياب لدور وزارة التعليم  اضافة الى وزارة التخطيط التي لم تضع خطط تكفي للقضاء على عمالة الأطفال”.

وتشير احصائية المفوضية العليا لحقوق الانسان في العراق إلى أن عدد الاطفال العاملين في البلاد يتعدى 700 ألف طفل.  

فيما  تؤكد “اليونيسيف” في اخر تقرير لها صدر حول وضع الاطفال في العراق أن ثلثهم يمر بظروف اقتصادية صعبة تضعهم أمام متطلبات العمل لاعانة عائلاتهم، وأن اطفال العراق يواجهون أعلى زيادة في معدلات الفقر، حيث يوجد طفلان فقيران بين كل خمسة أطفال.

هؤلاء الاطفال لا يمتلكون حق الاعتراض على واقعهم وظروفهم الأسرية لكن بعضهم يمتلك الإرادة والطموح  لتغيير واقعه مستقبلاً ومنهم علي.  

بابتسامة لطيفة يسارع علي لحمل أغراض أحد الزبائن، يضعها في عربته ثم يثبت يديه النحيلتين على المقبض ويتابع جر العربة، يودعني مردداً العبارة نفسها محافظاً على ابتسامته: “يوماً ما ستشاهدينني على التلفزيون ألعب مع المنتخب العراقي وتقولين: هذا هو علي”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى