فريق تطوعي في الناصرية لمتابعة علاج 400 مدمن على المخدرات

ذي قار- مرتضى الحدود

تمكن “عباس” وهو اسم مستعار لمدمن مخدرات سابق من إقناع عشرة مدمنين آخرين بالمعالجة بعد أن خضع هو نفسه لفترة علاجية بمساعدة فريق شبابي تطوعي من مدينة الناصرية.

“عباس” الشاب العشريني المتزوج والأب لطفلين يتحدث عن الدوافع التي أجبرته بحسب وصفه على تعاطي المخدرات لأربع سنوات متتالية وأولها حسب قوله الظروف الاقتصادية. يقول: “كنت أحاول نسيان يومي المليء بالمشاكل عبر تناول المخدر وكان للأصحاب دور أيضاًَ في ذلك”.

قبل أشهر وعبر صفحات التواصل الاجتماعي عثر “عباس” على صفحة على الفيسبوك أسسها فريق شبابي في الناصرية تحت اسم “حياة بلا مخدرات” يساعدون من خلالها المدمنين على التخلص من حالة الإدمان. “بدأت خطوتي الأولى بالضغط على زر الاتصال بعد أن وجدت رقم هاتفهم لتنطلق حياتي المختلفة من جديد بعد أن ضمنت عدم الملاحقة القانونية” يقول عباس.

لم تنته قصة عباس عند هذا الحد بل بدأ بمساعدة فريق “حياة بلا مخدرات” وقام بالتواصل مع أطباء مختصين واقنع عشرة مدمنين بالعلاج والتخلص من هذا الوباء الذي فتك بهم.

الفريق الشبابي “حياة بلا مخدرات” يديره عامر حسين وهو ناشط مدني وأحد متظاهري تشرين في الناصرية، يقول إن واحداً من الأسباب التي دفعته لتأسيس الفريق هو تفاقم حالة الادمان على المخدرات بين أوساط الشباب في مدينته.

“كنا تسعة أفراد وبدأنا بتفعيل صفحات التواصل الاجتماعي والوصول الى منازل المدمنين وجلبهم الى الأطباء في عياداتهم الخاصة لتنطلق بذلك رحلة علاجهم” يضيف حسين.

مرحلة جديدة بدأها الفريق التطوعي بعد أن نجح في تأمين العلاج لعشرات الشبان، فتواصل مع دائرة صحة ذي قار من أجل تأسيس مركز متخصص بمعالجة المدمنين، وتمت الموافقة على المشروع تحت اسم “مركز الحياة للتعافي ومعالجة مدمني المخدرات”، وبالفعل تم افتتاح المركز في شباط (فبراير) الماضي وبدأ فعلياً باستقبال مدمني المخدرات في أيار (مايو) من هذا العام.

عامر حسين يكمل حديثه عن الأسباب التي تدفع شباناً في مقتبل العمر لتعاطي تلك السموم، قائلاً إن معظم الحالات التي تواصل معها إما كانت من الشبان الذين يرزحون تحت البطالة أو من ضحايا التفكك والعنف الأسري.

ويضيف عباس أن الذين تتم معالجتهم لا يتركون من قبل الفريق التطوعي بل يبقى التواصل معهم لتقديم المساعدة من خلال توفير فرص عمل لهم أو خلق ظروف للترفيه عبر إقامة مباريات لكرة القدم، أو من خلال ضمّهم للفريق كمتطوعين كما حصل مع عباس نفسه. 

وبحسب أعضاء الفريق تجاوزت أعداد الذين تم إخضاعهم للعلاج في غضون سبعة أشهر أكثر من 400 مدمن وهو رقم كبير جدا بالمقارنة مع قدرات الفريق وإمكاناته، يقول الناشط عامر حسين.

وكشف مصدر مسؤول في شرطة محافظة ذي قار للمنصة عن كمية المخدرات التي تم ضبطها منذ بداية عام 2022 وحتى منتصف تموز (يوليو) من العام ذاته اذ بلغت اثنا عشر كيلو غرام و 274 غرام من مادة الكريستال و 178 غرام من الحشيشة فيما تم ضبط أكثر من 28 الف قرص من مخدر الكبتاجون المعروف محليا بـ “كبتي” و 562 قرص مخدر من أنواع أخرى.

بالإضافة الى ذلك تمكنت قوة الشرطة من القبض خلال هذه الفترة على 571 متهماً بالمتاجرة والتعاطي والترويج واصدار احكام بحق 326 منهم.

معاون مدير “مركز الحياة للتعافي ومعالجة مدمني المخدرات” الدكتور إبراهيم صفاء الصائغ يجد ان تفاعل المدمنين بدأ يزداد مع تطوع الفريق الشبابي للتواصل معهم اذ يسجل المركز مراجعاتٍ بشكل يومي،  وبلغ المعدل الشهري للزيارات منذ أيار (مايو) وحتى اليوم ما يقارب 30 مدمن شهرياً.

يشير الصائغ إلى أن القانون يضمن حماية المدمنين الذين يخضعون للعلاج اذ نص قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم (50) لسنة 2017 في المادة 40 اولاً على أن “لا تقام الدعوى الجزائية على من يتقدم من متعاطي المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية من تلقاء نفسه للعلاج في المستشفى المختصة بعلاج المدمنين”. 

وتشدد المادة 41 من ذات القانون على مراعاة السرية حيال الأشخاص الذين يعالجون من حالة الادمان على المخدرات او المؤثرات العقلية.

مركز الحياة لا يقتصر فقط على متابعة حالات المدمنين في الناصرية بل استقبل حالات عديدة من مدن العمارة والسماوة والكوت وكربلاء وغيرها بحسب الدكتور صفاء الصائغ الذي يؤكد أن الكوادر الطبية والتمريضية كافية في الوقت الحالي لاستقبال المزيد.

لكن المركز وفقاً للصائغ “بحاجة الى باحثين نفسيين لمتابعة هذه الحالات فضلا اخضاع الكوادر التمريضية بشكل مستمر الى دورات تدريبية في هذا المجال”.

وبحسب هذا الطبيب فإن “الكريستال والكبتاغون هي الأكثر تداولا لدى المدمنين الذين يزورون المركز”، موضحاً أن مادة الكريستال تستهلك عن طريق التدخين أما الكبتاغون فهو قرص مخدر يتم تعاطيه عن طريق الفم.

عباس الذي تمكن من الانتصار لنفسه وأقنع أفراداً آخرين كانوا يتعاطوا المخدرات بالمضي في طريق العلاج، نجح اليوم في التخلص من الإدمان بشكل تام، كما نجح في الحصول على فرصة عمل.

وعندما يتكلم اليوم مع المتعاطين سارداً تجربته مع الإدمان وكيفية التخلص منه، لا يتردد عباس في ذكر أدق التفاصيل، وكأنه يتكلم عن شخص آخر.. “لقد بات جزءاً من الماضي، لن يعود أبداً”، هكذا يقول لهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى