كاميرات المراقبة في الناصرية: مقبولة لكن بشروط

المنصة- علي الناصري 

ينشغل “أبو محمد” بإكمال نصب كاميرات المراقبة على جدار منزله الخارجي في مدينة الناصرية بعدما استحصل على موافقة جيرانه، فهو يسكن في شارع ضيق ولا يريد أن تكون الكاميرات الجديدة عيوناً تتلصص على منازل الجيران أو تتجاوز على خصوصيتهم.

يقول أبو محمد البالغ من العمر خمسين عاماً إنه قرر وضع كاميرات المراقبة عند واجهة المنزل بعد أن سجل شارعه في الشهر الماضي حادثتي سرقة لمنزلين، الأمر الذي دعاه لأن يأخذ احتياطاته على حد تعبيره.

وأضاف: “كون المنطقة محافظة اجتماعياً كان عليّ أن آخذ موافقة الجيران واحداً واحداً، فأنا لا أريد أن يتضايقوا من وجودها”.

كاميرات في شوارع ضيقة

بحسب إحصائية أعدتها شركة “كومباريتش” الإنكليزية، جاء العراق في مقدمة الدول العربية لناحية أعداد كاميرات المراقبة. ولم تذكر الدراسة أعداد الكاميرات في محافظة ذي قار لكنها اشارت إلى أن بغداد وحدها تمتلك حوالي 20 ألف كاميرا من نوع “CCTV” موزعة على كافة أنحاء العاصمة.

أما في مدينة الناصرية التي تتميز بشوارعها الفرعية المتلاصقة والتي يبلغ عرضها ما بين 3 و 4 أمتار فقد دخلت كاميرات المراقبة مؤخراً على معظم الشوارع التجارية لتلتحق بها منازل المواطنين.

مختار محلة سومر حيدر حسن يتحدث عن ما حققته تلك الكاميرات في الحد من حوادث السرقة ومعرفة مرتكبيها والإبلاغ عنهم مستشهداً بحادث وقع قبل أيام عندما أقدم صاحب دراجة نارية على سرقة أكياس طحين كان قد وضعها أحد الجيران في باحة الدار والباب مفتوح فكشفته كاميرا منصوبة على باب المنزل المقابل وأوصلته الى أحد أقسام الشرطة.

“هذا حادث بسيط لكن من الممكن أن يحصل يومياً” يقول المختار.

مديرية الشرطة المجتمعية في وزارة الداخلية كانت قد دعت المواطنين العراقيين وأصحاب المحال التجارية إلى وضع كاميرات مراقبة لحماية مناطقهم وممتلكاتهم. وقالت في بيان لها: “ندعو المواطنين وأصحاب المحال التجارية إلى نصب كاميرات المراقبة على جدران بيوتهم وفي مداخل أزقّتهم ومحالّهم، وصيانة الموجود والمنصوب منها”. 

وأضافت أن الإجراء يأتي “حفاظاً على أمن مناطقهم وممتلكاتهم، فضلاً عن مساعدة الأجهزة الأمنية في عمليات حفظ الأمن وتتبّع المجرمين، وفي الوصول إلى الجناة واللصوص والإرهابيين”.

وبالرغم من أهمية كاميرات المراقبة في التقليل من الجرائم والسرقات إلا أن نصبها قد يشكل تحدياً اجتماعياً في مجتمع يقيم وزناً للتقاليد المحافظة.

المختار حيدر حسن يقول إن هناك من يعتبر نصب كاميرات المراقبة “مصدراً للتطفل على حياة الآخرين” كونها ترصد كل شاردة وواردة في حركتهم يومياً، الأمر الذي يتطلب على حد وصفه تطييب الخواطر وأخذ موافقات الجيران بشكل ودي قبل الشروع بتركيبها على واجهة المنزل.

موافقات مجتمعية 

موافقات الجيران قد لا تكون مطلوبة في شوارع عريضة يقطنها ميسورون في الناصرية حيث الكاميرات بعيدة عن واجهات المنازل المقابلة لكن مع ذلك يتطلب الأمر أن تكون الكاميرا بمستوى غير مرتفع حتى لا تطل على الباحات الداخلية للجيران وتنتهك الأعراف الاجتماعية.

حامد حسن (اسم مستعار) صاحب إحدى المحال التجارية وسط مدينة الناصرية، يرى أن نصب كاميرات المراقبة أصبح من الضرورات الأمنية مع تزايد تسجيل حالات السرقة خصوصاً في أوقات ازدحام السوق عند المساء حين تصل حركة البيع والشراء إلى ذروتها.

يروى حامد للمنصة وقائع مشاجرة وقعت أمام باب محله في تموز (يوليو) الماضي أسفرت عن تعرض أحد الشبان لعدة طعنات بالسكين وفرار الفاعلين ويشير إلى أن الكاميرا الخارجية كان لها الدور الحاسم في التعرف عليهم.

أبلغ حامد قسم الشرطة وأعطاهم التسجيلات الخاصة بالاعتداء لكن خشيته من انتقام عشيرة المعتدين دفعته إلى كتمان الأمر. يقول: “طلبت من الشرطة أن لا تبوح بمصدر المعلومات وأن لا تشير في ضبطها إلى وجود كاميرا مراقبة لديّ في المحلّ، فكل مشكلة صغيرة هنا قد تتحول إلى نزاع عشائري”.

الشيخ فرهود لفته أحد وجهاء العشائر في الناصرية يروي أنه تدخل مؤخراً في إتمام فصل عشائري على خلفية وشاية من صاحب أحد المنازل رصدت كاميرته مجموعة من الشبان المدججين بالسلاح يهاجمون منزلاً فيما يعرف بـ “الدكة العشائرية”. 

تابع لفته أن المحكمة حكمت على المهاجمين بالسجن لكن الفصل العشائري انتهى بأن دفع صاحب الكاميرا مبلغاً من المال لعائلة المحكومين، موضحاً أن “الأعراف العشائرية في هذه الحالة تحمّل الواشي مسؤولية الضرر حتى لو كان تصرفه سليم من الناحية القانونية”.

كاميرات تحسم قضايا جنائية

المحامي أحمد وادي يتحدث عن مئات القضايا في محكمة استئناف ذي قار تتعلق بكشف كاميرات المراقبة لجرائم مختلفة.

ويشير وادي إلى أن “إحدى أبرز جرائم القتل والسرقة التي حصلت في قضاء الشطرة قبل أشهر أسهمت كاميرات المراقبة في الكشف عن ملابساتها وحسمت قرار القضاء بشأنها بالدليل القاطع رغم انكار المتهمين بها عند التحقيق الابتدائي”. 

بدورها تشجع قيادة شرطة ذي قار جميع سكان المحافظة على نصب كاميرات المراقبة في المنازل والمحال التجارية والمؤسسات الحكومية.

وفي مؤتمرها التحليلي التاسع للواقع الأمني والجنائي أوضحت قيادة الشرطة أنه “رغم تصاعد نسبة الجريمة بكل انواعها الى 17 بالمئة الا ان نسب الكشف عنها تجاوز 95 بالمئة مع وجود كاميرات المراقبة”.

تحديات كاميرات المراقبة

تنجح كاميرات المراقبة في الحد من الجريمة لكن ليس في كل الأوقات فانقطاع الكهرباء اليومي ولمدة ساعات في مدينة الناصرية يجعل من كاميرا المراقبة مجرّد عدسة  عمياء.

ابو سالم من سكنة منطقة الصالحية يشير إلى أن كاميرات منزله الخارجية لم تنجح في رصد لصوص كانوا قد دخلوا باحة المنزل وسرقوا عدة براميل معدنية مخصصة لتعبئة المياه. “وقع الحادث في فترة الظهيرة وكانت الكهرباء مقطوعة. كاميرات الجيران أيضاً لم تصور الفاعلين ولم نتمكن من معرفتهم إلى اليوم” يقول هذا التاجر.

هذه التحديات دفعت “حيدر.ف” من مدينة الناصرية إلى تطوير كاميرا مراقبة تعمل على الطاقة الشمسية دون الحاجة إلى الكهرباء والأسلاك. 

حيدر الذي يعمل في محل لتصليح الالكترونيات يؤكد أن الوضع الأمني غير المستقر خلال السنوات الماضية جعل من اقتناء كاميرات المراقبة أمراً أساسياً.

وأضاف أن “تركيب كاميرا تعمل على الطاقة الشمسية يعد حلّاً معقولاً في مدينة تكثر فيها أشعة الشمس وتكاد فيها الكهرباء أن تكون معدومة”. 

 

    

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى