“منطقة خضراء” في الناصرية على غرار العاصمة بغداد

ذي قار- علي الناصري

جدران حصينة أحاطت بمباني حكومية وسط مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار لتشكل سوراً أمنياً يشبه المنطقة الخضراء في العاصمة بغداد ويجعل الحكومة المحلية في مأمن من حجارة المتظاهرين.

أكثر من 300 صبة كونكريتية وبارتفاع ثلاثة أمتار امتدت على جزرة وسطية في شارع الإمام علي “ع” أحد الشوارع الحديثة في الناصرية، لتحيط بثلاثة مبانٍ حكومية رئيسة هي مبنى إدارة المحافظة ودائرة التسجيل العقاري والخزينة مما ترك مدخلا وممرا واحد للمشاة باتجاه هذه المباني المحصنة. 

“إنها المنطقة الخضراء” هكذا يعلق أحد المراجعين، حسين ماجد، الآتي إلى هنا لإكمال معاملته قاطعاً مسافة 300 متر سيراً على الأقدام متجها الى مبنى المحافظة ونظراته تعبر عن استغرابه لهذا التحصين المبالغ فيه في محافظة غادرتها الصبات الكونكريتية منذ عام 2018 .

الحكومة المحلية أرجعت هذا الإجراء إلى أغراض حماية المبنى الذي طاولته يد المتظاهرين قبل اسبوعين، الذين “كادوا أن يحرقوا المبنى بعبوات المولوتوف” للتعبير عن غضبهم جراء الواقع الذي تعاني منه في قطاعات خدمية واقتصادية عديدة، كما يقول الناطق الاعلامي باسم الحكومة المحلية، ابو الحسن البدري .

يشير البدري إلى أن الأحداث الأخيرة “كانت بدوافع مغرضة لزعزعة الأمن والاستقرار من قبل جهات لم تحدد بعد” وهي قيد التحقيق بعد أن “تم اعتقال أكثر من ثلاثين منهم على حد قوله مع الممول الرئيس لهم، وذلك الجرم المشهود وبوجود كاميرات المراقبة، بعد احراقهم كرفانات حماية المبنى وغرفة الاستعلامات”.

هذه الكتل الكونكريتية تم جلبها من قاعدة الإمام علي الجوية التي كانت مقرا للقوات الاميركية ابان احداث 2003 بتوجيهات من وفد أمني رفيع المستوى زار المحافظة على خلفية الأحداث الأخيرة، وتمت الاستعانة بآليات خاصة في عمليات النقل والنصب لتكون سوراً منيعا كما تقول الجهات الأمنية . 

“المنطقة الخضراء” التي يطلق عليها أهالي المدينة هذه التسمية تمتد على مسافة 500 متراً بمحاذاة أهم الشوارع ذات الحركة المرورية المزدحمة طالتها انتقادات شعبية واسعة كونها اغلقت أهم الممرات في الشوارع الرئيسة الأمر الذي دعا الجهات الامنية الى ارجاع تلك الكتل عدة أمتار نحو المبنى لفسح المجال لمرور المركبات.

يقول المواطن هيثم كاظم إن تحصين المباني الحكومية بهذا الشكل ليس له مبرر كونه يشكل عبئا كبيراً خلال مراجعاتهم لقطع مسافات طويلة “فقد كان بالإمكان تفعيل الجهد الاستخباري لكشف المندسين في التظاهرات الاحتجاجية والقبض عليهم”.

أما الناشط حسين جاسم فيشير إلى أن المدينة لم تنقطع فيها التظاهرات الاحتجاجية منذ عام 2019 على الرغم من تراجع حدتها، وأغلبها يندرج ضمن مطالب التعيين وتحسين الواقع الخدمي والاقتصادي وبشكل سلمي. 

إلا أن التظاهرات الاخيرة كانت تحمل طابعا آخر على حد قوله، “كونها تأتي في إطار الصراع السياسي الدائر حول تشكيل الحكومة المركزية ومحاولة بعض الأطراف الضغط من خلال تأجيج الشارع في المحافظات الجنوبية للحصول على مكاسب سياسية”. 

هذه التحصينات التي أحاطت بالمربع الحكومي ومنه دوائر حيوية تسجل مراجعات يومية وبأعداد كبيرة كدائرتي التسجيل العقاري والخزينة يحمّل موظفيها والمراجعين معاناة السير على الأقدام لمسافة 300 متر من مدخل التحصينات، لعدم السماح بدخول مركباتهم بحسب التوجيهات الامنية.

الموظف أحمد حسن في دائرة التسجيل العقاري المجاورة لمبنى ادارة المحافظة يتساءل لماذا كل هذه التحصينات أمام دائرته التي لم تكن يوماً وجهة لأية تظاهرات سابقة، مشيراً إلى أنه يقطع مسافة طويلة حتى وصوله الى مكتبه من دون مبررات لهذا الإجراء.

وإلى جوار هذه التحصينات مازالت أعداد كبيرة من عناصر الجيش تستقر داخل مبنى إدارة المحافظة فيما تحيط به أعداد أخرى من صنوف الجيش والشرطة في صورة حولت مباني مدنية الى أشبه بالثكنة العسكرية تعيد إلى الأذهان صورة المنطقة الخضراء في بغداد التي يقطنها نخبة من السياسيين والإداريين.  

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى