الناصرية.. موطن الحركات والأحزاب السياسية في العراق منذ مائة عام

ذي قار- منتظر الخرسان

قد تبدو مدينة الناصرية للزائر الذي لا يعرفها مجرد مكان مهمّش يخلو من الأحزاب والقوى السياسية وتحكمه تقاليد وأعراف عشائرية ودينية محافظة.

لكن الناصرية لمن يتتبع التاريخ السياسي الحديث للبلاد مدينة سلكت طريقاً خارجاً عن المألوف في أكثر من محطة بارزة منذ تأسيس دولة العراق وكانت في كثير من الأحيان المدينة التي انطلقت منها تحركات احتجاجية في وجه السلطات المتعاقبة.

وتضم الناصرية التي تبعد عن العاصمة بغداد 350 كيلو متر جنوباً ويقطنها حوالي المليوني نسمة أكثر من 20 وحدة إدارية وهي مركز محافظة ذي قار الجنوبية.

ورغم امتلاكها خمسة حقول نفطية يتجاوز خزينها الاحتياطي مليارات البراميل لم يستغل منها سوى حقلين اثنين منتجين. فوصلت نسبة الفقر فيها إلى الـ 32% متقدمة على بقية المحافظات فضلا عن تصدرها نسب البطالة.

هذه العوامل -بحسب مراقبين ونشطاء سياسيين- هي من جعل أبناء المدينة يحاولون انتزاع حقوقهم من حكومة المركز عبر احتجاجات مستمرة أو تأسيس حركات سياسية مطالبة بالتغيير.

وكان الحراك الاحتجاجي الذي شهدته المدن العراقية في تشرين 2019 خير دليل على أن الناصرية مدينة لا تعرف الصمت إذ تصدرت ساحات الاحتجاجات بأعداد القتلى والمصابين بالمقارنة مع العاصمة بغداد وبقية المحافظات.

كما كانت الناصرية آخر مدينة ينسحب منها المتظاهرين في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020 لأسباب أمنية، وعلى أثر ذلك دفعت هذه المدينة نحو ولادة حركات تشرينية قبيل الانتخابات أهمها حركة “امتداد” و”البيت الوطني” ليتبعها بعد ذلك عام 2022 تأسيس حراك جديد باسم “نبنيها سوياً”.

وشهدت المدينة تأسيس حركة سياسية نسوية جديدة ترفض نظام الكوتا الذي يضمن حصة ثابتة للمرأة في البرلمان أو مجالس المحافظات وتدفع باتجاه ان تكون المرأة على رأس السلطة وأن يكون الترشيح في قوائمها للنساء فقط دون الرجال.

واتخذت الحركة من “حركة فتاة للتغيير” إسماً لها ومن رسم طائر الفينيق الذي ينفض الغبار نحو السماء شعاراً مرسوماً.

مؤسسة الحركة رابحة الصريفي تحدثت للمنصة أن فكرة التأسيس جاء بعد مخاض دام ثمانية أشهر وأن الهدف الأساسي لها “أن يكون للمرأة العراقية دور فعلي في المجال التنفيذي والتشريعي ورفض نظام الكوتا الذي رسخ مبدأ المحاصصة”.

الصريفي التي عملت في مجال التدريس لعدة سنوات وتقلدت منصب مدير مكتب محافظ ذي قار السابق احمد الخفاجي تستعد هي ورفيقاتها لخوض انتخابات مجالس المحافظات المقبلة التي أعلن عن قرب انعقادها رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني.

وإن كانت هذه الحركة آخر ما أنتجته الناصرية على الصعيد السياسي إلا أن تاريخ الحركات السياسية في مدينة الناصرية بحسب المؤرخ عبد الحليم الحصيني يمتد إلى عام 1924 إذ تأسست أول حركة سياسية بعنوان “جمعية اتحاد التضامن العرب” ذات التوجه القومي العربي وكان مؤسسها ثابت السعدي قد اختار مدينة الناصرية مكاناً للتأسيس.

ويتابع الحصيني: “في عام 1928 تأسست أول خلية للحزب الشيوعي العراقي في المدينة وكان مؤسسها يوسف سلمان الملقب بـ “فهد” كإسم حركي آنذاك، وبعدها أطلق فؤاد الركابي من الناصرية عام 1947 حزب البعث العربي الاشتراكي الذي حكم العراق منذ عام 1963 حتى سقوط نظام صدام حسين عام 2003″.

أما خلال حقبة السبعينات والثمانيات فتأسست  تشكيلات عدة من تنظيمات لأحزاب وحركات معارضة للنظام  السابق وكان لمدينة الناصرية دوراً في تأسيسها، لعل أشهرها حزب الدعوة الاسلامية الذي يعد الشيخ محمد باقر الناصري والسيد طالب الرفاعي أحد مؤسسيه لتستمر المدينة بلعب ادوار سياسية مختلفة كان اغلبها ضد الأنظمة القمعية.

وفي العام 1991 عقب الانسحاب المذل للجيش العراقي من الكويت وتكبده خسائر فادحة على يد قوات التحالف الدولي، تحولت الناصرية إلى بؤرة لانتفاضة كبرى سقطت على إثرها 14 محافظة عراقية من يد النظام السابق وسميت بالانتفاضة الشعبانية.

رئيس قسم السياسات العامة في مركز ذي قار للدراسات التاريخية الدكتور فاضل عبد علي يقول إن العامل الاقتصادي هو عامل مهم في نشوء الحركات السياسية، “فالناصرية رغم غناها بالموارد الطبيعية لكنها فقيرة اقتصادياً، لذلك لجأ أفرادها للانخراط في المجال السياسي في محاولة منهم لانتزاع الحقوق”.

ويشير الباحث العراقي إلى نظرية سياسية تقول إن “المستوى الاقتصادي للفرد يحدد سلوكه السياسي”، فلا تجد الأثرياء والأغنياء منخرطين في المعتركات السياسية بقدر الذين يعانون من مشكلات اقتصادية.

ويتابع: “ما شهدته الناصرية من تظاهرات خير دليل على ذلك فمستوى الخدمات المتردي يدفع الناس للتظاهر” مؤكداً أن “مدينة الناصرية مؤثرة بتاريخ العراق السياسي الحديث”.

ويرصد باحثون ونشطاء سياسيون اختلافات واضحة بين الأحزاب والحركات السياسية التي تشكلت بعد عام 2003 وعملت على إدارة الحكم في العراق وبين تلك الأحزاب القديمة، وذلك من ناحية الأيديولوجية والزعامة.

أستاذ العلوم السياسية قاسم الربيعي يرى أن “الأحزاب السابقة كانت ذات أيديولوجية واضحة تتبنى أفكار محددة كالنظام الاشتراكي، وطرق محددة أيضاً لإدارة الحزب، كما هو الحال في الحزب الشيوعي وغيره من بعض الأحزاب”.

لكن الأمر بحسب الباحث اختلف ما بعد 2003، “فأصبحت الزعامات السياسية وليس الأحزاب هي المحرك للتيارات والأحزاب والحركات.

ويضيف: “صار الزعيم الحزبي هو المتحكم بمرتكزات الحزب وأفكاره وهو أمر ينطبق أيضاً على الأحزاب التي تشكلت مؤخراً والتي تتمحور عند رئيس الحركة” عازياً شخصنة الأحزاب إلى “حالة الفوضى التي زرعت عند الاحتلال الأمريكي وتشكيل مجلس الحكم على أساس الزعامة السياسية والطائفية”.

قانون الاحزاب السياسية في العراق الذي تم إقراره عام 2015 أشار الى عدة شروط لمن يريد تأسيس حزب او حركة سياسية.

وتنص المادة الخامسة من القانون على أن يؤسس الحزب أو التنظيم السياسي “على أساس المواطنة وبما لا يتعارض مع أحكام الدستور”، وأن “لا يجوز تأسيس الحزب أو التنظيم السياسي على أساس العنصرية أو الإرهاب أو التكفير أو التعصب الطائفي أو العرقي أو القومي”، وكذلك “يمنع تأسيس الحزب أو التنظيم السياسي الذي يتبنى أو يروج لفكر او منهج حزب البعث المنحل”.

واشترطت المادة 8 من القانون أن “لا يكون من بين مؤسسي الحزب او التنظيم السياسي أو قياداته أو أعضائه من ثبت بحكم باتّ قيامه بالدعوة أو المشاركة للترويج بأية طريقة من طرق العلانية لأفكار تتعارض مع أحكام الدستور”.

وجاء في المادة 10 منه أن “لا يكون (مؤسسو الحزب) من أعضاء السلطة القضائية وهيئة النزاهة والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات والمفوضية العليا لحقوق الانسان ومنتسبي الجيش وقوى الأمن الداخلي وجهاز المخابرات”، و”على من كان منتمياً إلى حزب او تنظيم سياسي أن يختار بين الاستقالة من الحزب او التنظيم السياسي أو الوظيفة في الجهات المذكورة آنفاً”.

وأكدت المادة 11 على أن يقدم طلب التأسيس تحريرياً بتوقيع ممثل الحزب أو التنظيم السياسي (لأغراض التسجيل) الى دائرة الاحزاب او تنظيمات سياسية مرفقاً به قائمة بأسماء الهيئة المؤسسة التي لا يقل عدد أعضائها عن سبعة اعضاء مؤسسين ومرفقاً به قائمة بأسماء بعدد لا يقل عن ألفي عضو من مختلف المحافظات، على أن يتم مراعاة التمثيل النسوي.

ورغم التنوع في الأحزاب السياسية التقليدية منها والجديدة إلا أنها بالنسبة للبعض وخصوصاً في الآونة الأخيرة مجرد “دكاكين سياسية” فلا يكترثون لأسمائها ونشاطاتها ويجدونها أشبه بمكاتب تعود بالنفع على زعيم الحزب.

ويرى مسؤول مركز الجنوب للدراسات صلاح الموسوي أن “الفوضى السياسية في تقلد المناصب وإدارة الأحزاب ومحاولة بعض الأشخاص ممن يمتلكون النفوذ المالي وليس لديهم معرفة سياسية تأسيس أحزاب جديدة، قللت من قيمة الأحزاب والتنظيمات في عيون الناس فأصبحت مجرد أسماء وأرقام لا معنى لها”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى