بعد أكثر من 140 عام على تأسيس الناصرية.. إنشاء أول كنيسة كملتقى لحوار الأديان

الناصرية- مرتضى الحدود

بعد مرور أكثر من عام  على زيارة بابا الفاتيكان لبيت النبي إبراهيم الخليل في مدينة أور الأثرية غربي الناصرية صار من الممكن مشاهدة أساسات أول كنيسة سوف تبنى في تاريخ هذه المدينة، في موقع مميز أريد له أن يكون منطلقاً للحوار بين أتباع الديانات السماوية.

مدينة الناصرية التي تأسست عام 1876 على يد الوالي العثماني ناصر باشا عرفت بتنوع سكانها الديني والعرقي آنذاك، فكان منهم المسيحي والصابئي واليهودي إلا أن الصبغة الإسلامية بقيت سائدة فيها إلى اليوم.

وعملت أغلب العوائل المسيحية في التجارة وتميز بعض أبنائها بالخدمات التي قدموها للمجتمع، فسجلت المدينة في ثلاثينيات القرن الماضي مثلاً أقدم صيدلية فيها لصاحبها يوسف برزيس، أما اقدم عائلة مسيحية في الناصرية فهي عائلة نعوم سركيس.

وبمرور السنين وتغير الوضع السياسي انتقلت معظم تلك العائلات إلى في بغداد في حين لجأ آخرون إلى دول أوروبية، ولم يبق في الناصرية سوى عائلة واحدة معروفة بـ “طوبية”.

زيارة قداسة بابا الفاتيكان فرنسيس إلى العراق وإقامته الصلاة الابراهيمية قرب بيت النبي إبراهيم الخليل داخل مدينة أور الأثرية بحضور رجال دين من المذاهب الإسلامية والمسيحية والايزيدية والصابئية أعطى أبعاداً عالمية لمدينة الناصرية ودفع بمئات المسيحيين إلى زيارة هذا المكان والإطلاع على تاريخه.

من جهتها قررت الحكومة العراقية عقب الزيارة إقامة مدينة سياحية قرب مدينة أور الأثرية تحتضن السائحين وتكون منطلقا لحوار الأديان عبر مركز ديني متخصص.

الدكتور ادورد فتوحي بطرس وهو مواطن عراقي مسيحي الديانة وينحدر من الموصل أعلن هو الآخر عن التبرع من أمواله الخاصة لإنشاء كنيسة سوف تكون الأولى في هذه المدينة، وذلك من خلال “المجلس الاقتصادي العراقي” وهو عبارة عن منظمة مدنية اقتصادية مكونة من مجموعة من رجال الأعمال.

المدينة السياحية المزمع اقامتها على مساحة تقدر بـ 400 دونماً مرت بأكثر من مرحلة تخطيط وفقاً لمعاون محافظ ذي قار لشؤون التخطيط الستراتيجي غسان الخفاجي.

“قمنا أولاً إكمال المسح للأرض المقترحة والتأكد من مطابقتها للمواصفات اللازمة، أي صلاحية التربة للبناء وأن تكون خارج حدود المدينة الأثرية بمسافة آمنة، والمرحلة تمثلت بإكمال التصاميم الخاصة بالأماكن السياحية ومركز حوار الأديان”، يبين الخفاجي.

ويضم مركز حوار الأديان كنيسةً ومسجداً بينما يشمل الجزء السياحي مساكن لإقامة السيّاح ومركزاً تعليمياً يحتوي على كلية الآثار، فضلاً عن منشآت إدارية وخدمية.

أما المرحلة الأخيرة من مشروع بناء المدينة بحسب الخفاجي فستكون من خلال “إكمال البنى التحتية الخاصة بشبكات المياه الثقيلة ومياه الشرب وخطوط الكهرباء والطرقات المؤدية إليها، ثم طرح الأماكن السياحية والسكنية في المدينة للاستثمار أمام الشركات الأجنبية والمحلية واختيار الأفضل بينها”.

الكنيسة التي تم الشروع ببنائها رصد لها مليوني دولار أمريكي واختير لها اسم “كنيسة نبي الله إبراهيم الخليل” وخصص للمبنى مساحة 4 دونمات وباتت الكنيسة الآن واضحة المعالم وتبعد عن مدينة أور الاثرية وبيت النبي إبراهيم الخليل 1640 متراً.

مدير المشروع المنفذ للكنيسة طالب داوود وهو مهندس استشاري، تحدث للمنصة عن انطلاق المشروع الذي بدأ فعلياً في آب (أغسطس) 2022 وتم تصميمه بشكل يحاكي حضارات العراق القديمة. 

يقول داوود: “المبنى تم تصميمه على شكل زقورة أور، وعندما تقف إلى جانب الكنيسة تشاهد تصميم حدائق بابل المعلقة أما المسافرين المحلقين في الطائرة فسوف يشاهدون الكنيسة على انها مدينة بغداد المدورة، فالتصميم تم بشكل إبداعي عالي المستوى”.

ويكمل المهندس حديثه موضحاً أن قاعة الكنيسة “تستوعب 750 شخصاً لإقامة القداس يعلوها برج ارتفاعه  13 متراً عن مستوى الشارع الرئيس القريب منها بالإضافة الى ممرات وحدائق، ومن المقرر تنفيذ التصاميم الداخلية والنقوشات من قبل المهندس العراقي محمد الإمام المقيم في الإمارات والذي نفذ أعمال مماثلة في قصور الرئاسة في الإمارات والمغرب”.

غنيّ محسن، أحد سكان المنطقة المجاورة لمبنى الكنيسة يرى بأن إقامة هذا المشروع سوف تنعش منطقته وتزيد اهتمام الحكومة المحلية بالجانب الخدمي بعد أن عانت منطقته لسنوات طويلة من الإهمال والتهميش.  

“طوال الوقت كان اهتمام الحكومة منصبّاً على مراكز المدن أما الأماكن الواقعة في أطراف المدينة وتلك المجاورة للمواقع الأثرية فلم يكن أحد يهتم بها، لكننا نأمل أن تنتعش الحركة الاقتصادية هنا قريباً إذا ما تم تنفيذ المشروع السياحي، خصوصاً في المربع المحيط بالمنطقة الأثرية”.

ماهر طوبيه عميد الأسرة المسيحية الوحيدة في الناصرية يرى في إنشاء الكنيسة ومركز حوار الأديان تعبيراً عن التنوع الديني التي عاشته المدينة منذ عشرات السنين.

يقول طوبيه: “هذه المدينة كانت تجمع مختلف الطوائف والمذاهب على روح التآلف والتعايش السلمي” على حد وصفه، “فكان هناك المسجد والمندي واليوم سيصبح لدينا كنيسة لإحياء القداس عندما نتواجد هنا لزيارة بيت النبي إبراهيم الخليل”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى