كلب الماء “ماكسويل” يعود إلى موطنه في ميسان 

ميسان- مهدي الساعدي

بعد سنوات من الاختفاء عاد حيوان الماكسويل للظهور -ولو بأعداد ما زالت قليلة- في مناطق الأهوار جنوبي العراق. الظروف المناخية القاسية والمخاطر التي أحاطت به من دمار بيئته وقبلها وحشية الصيد الجائر واندراجه في قائمة الحيوانات المهددة بالانقراض، لم تستطع جميعها أن تحدّ من رغبته في البقاء.

قصة هذا الحيوان بدأت في خمسينيات القرن الماضي مع عالم التاريخ الطبيعي الاسكتلندي غافن ماكسويل الذي اكتشفه ليضيف اسم كائنٍ جديد إلى قائمة التنوع الحيوي في الأهوار العراقية.

وفي لندن أجريت دراسات تخصصية أظهرت بأنه حيوان فريد من نوعه، فأطلق عليه ماكسويل اسمه وهو المتخصص بدراسة القضاعات المائية المعروفة بـ “كلاب الماء”. 

بحسب خبراء حيويين، فإن كلب الماء أو كما يسمى بلهجة أبناء الاهوار “جليب الماي” أحد أنواع الضواري المائية النادرة والمسـتوطنة في الاهوار والتي تتغذى على الأسماك. 

ويقول الخبير البيئي احمد صالح نعمة لـ “المنصة” إن قضاعة الماء او كما يسمى “القضاعة ناعمة الفراء العراقية” أو قضاعة ماكسويل هو أحد الاكتشافات الهامة والنادرة، موضحاً أن هناك نوعان من القضاعات، أحدهما شائع الوجود ذو لون “أشهب” كما يسمى محلياً، أما كلب الماء “ماكسويل” فيكون لونه بنياً مائلاً للسواد خصوصا بعد غطسه في الماء.

يروي الرحالة البريطاني ولفريد ثيسيجر في كتابه “عرب الأهوار” أنه في عام 1956 كان يشترك مع غافن ماكسويل في مشروع تأليف كتاب عن الأهوار، فيقول: “جاء معي إلى العراق وأخذنا جولة في البلد لمدة سبعة أسابيع، وقال إنه يريد دائماً أن يدرب القضاعة كحيوان أليف، وأخيراً وجد قضاعة في جنوب الأهوار ثبت أنها من الأنواع الجديدة، وأصبحت محور اهتمام ماكسويل في حياته”. 

لكن هذا الاكتشاف العراقي الميساني النادر تعرض الى عدة انتكاسات وضعته في زاوية الحيوانات المهددة بالانقراض بدءاً منذ تسعينيات القرن الماضي وعمليات تجفيف الاهوار، ومن ثم تعرضه للصيد الجائر، لذلك ربما، لعب كلب الماء “ماكسويل” دورا كبيراً في إضافة الأهوار العراقية إلى لائحة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونسكو عام 2016، كمحمية طبيعية دولية، خشية انقراضه تماماً.

ويشير الناشط والموثق البيئي أحمد جاسم لـ “المنصة” أن “كلب الماء في الأهوار يقف على أعتاب الانقراض لعدة أسباب أهمها تعرضه لأساليب الصيد الجائر لغلاء فرائه والتي يصل ثمن الواحد منها لأكثر من 150 دولار، ويتم استخدام أبشع الطرق لصيده دون وجود قوانين تحميه من القتل الجماعي”. 

وكان لناشطي البيئة في ميسان وقفات عديدة نددت بعمليات القتل الجائرة لهذا الكائن الأهواري منها تنظيم وقفات احتجاجية في مركز المحافظة وتوزيع المنشورات ورفع اللافتات، “وأحياناً شراء الحيوان حياً من الصيادين من أجل إعادة إطلاقة في الأهوار مجدداُ” بحسب الخبير البيئي أحمد صالح نعمة.

الجفاف الذي طاول الأهوار العراقية برمتها عام 2022 ومنها أهوار محافظة ميسان موطن “ماكسويل” الأصلي، جعله يواجه تحدياً من نوع جديد  أشبه بالإبادة، خصوصاً أن انحسار المساحات المائية كان مصحوباً بنقص حادّ في الغذاء.

“غادر كلب الماء (ماكسويل) الاهوار الميسانية وبالخصوص هور الحويزة بعد جفافها بصورة تامة، بحثاً عن مناطق أخرى فاتجه الى الطرف الشرقي عبورا الى الاهوار الواقعة في الجانب الإيراني من هور الحويزة، والى الضفة الغربية والشمالية وبالتحديد الى اطراف الانهار المغذية لهور الحويزة من نهري الكحلاء والمشرح، وبقيت أعداد منه في ذنائب الأنهر أو قريبة من بحيرات تربية الأسماك المحلية”. يقول الخبير البيئي احمد صالح نعمة. 

ومع عودة المياه الى الاهوار بسبب هطول الأمطار والسيول خصوصاً في موسم شتاء 2023 عادت كلاب الماء (ماكسويل) للظهور في المنطقة بعد أن حكمت عليها الظروف بالهلاك أو الهجرة.

يقول مصطفى هاشم أحد أبناء هور الحويزة لـ “المنصة”: “بركة ام النعاج في هور الحويزة تحتوي الآن على نسبة معقولة من المياه، وتم رصد مجموعة من كلاب الماء (ماكسويل) في البركة، وشاهدت شخصياً ثلاثة منها قرب منزلنا المحاذي لهور الحويزة تسبح في أحد الأنهار المرتبطة بالبركة، كما تم رصد سرب آخر من كلاب الماء في منطقة أبو عذبة وهو ممر مائي تابع لهور الحويزة أيضاً”.

ويضيف: “حركة كلب الماء سريعة جداً وهو يختفي فوراً عند احساسه بالخطر، وعلى الرغم من أن المياه الموجود حالياً في الاهوار ضحلة بلا أسماك وبلا تنوع احيائي ولكن إذا عاد اغمار هور الحويزة بالكامل ستعود معه كلاب الماء (ماكسويل) من هور العظيم، خصوصا القسم الواقع منه في الجانب الإيراني لأنه حافظ على تنوعه الاحيائي”.

من جانبه يصف الناشط والموثق البيئي احمد جاسم عودة “ماكسويل” بأنها “بشارة خير” ويضيف: “هذا دليل على نشاط التنوع الحيوي في الاهوار ومنها الأسماك بسبب اعتماد كلب الماء على تلك الحيوانات، وستكون عودة ميمونة لموطنه الأصلي في هور الحويزة”.

وبين الخبير البيئي احمد صالح نعمة أن “الوفرة المائية في موسم شتاء 2023 أسهمت بعودة اعداد من كلاب الماء وإن كانت قليلة ونحن مقبلين على موسم التكاثر الربيعي وسنشهد ربما زيادة في أعداده في حال كان هناك وفرة مطرية قادمة”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى