رغم انقسامهم قومياً وطائفياً.. “الشبك” على طريق تثبيت هويتهم ووجودهم

بعد عقود من تشويه هويتهم وتهميشهم وسنوات من استهدافهم من قبل جماعات اسلامية المتشددة بعد نيسان 2003، يُثَبِتُ الشبك، وهم واحد من أكبر المكونات العراقية، وجودهم في مناطق انتشارهم التاريخية بمحافظة نينوى، ويفرضون أنفسهم كلاعب يعيد رسم التوازنات الأمنية والسياسية في السهل الذي يضم مكونات أخرى، رغم شكواهم من عدم تمثيلهم في المواقع القيادية للدولة.

والشبك أقلية مسلمة يبلغ تعدادهم التقديري بين 400 الى 450 الف نسمة. يتحدثون بلغة خاصة بهم هي الشبكية يتبع 70% منهم المذهب الجعفري الاثني عشري و 30% من السنة وبمختلف المذاهب، ففيهم الحنبلي ومنهم الشافعي والحنفي والسلفي، وأبرز المهن التي يمتهنونها، الزراعة وتربية المواشي والدواجن.

وللشبك الشيعة العديد من المزارات الدينية المقدسة بالنسبة إليهم في سهل نينوى ثلاثة منها تكتظ بالناس في عاشوراء ومناسبات أخرى وهي مقام الإمام زين العابدين في قرية علي رش التابعة لناحية برطلة 15 شرق الموصل، ومزار الإمام رضا في ناحية بعشيقة 20 كم شرق الموصل، ومزار الإمام العباس في منطقة الشلالات 10كم شمال الموصل، وجميعها كانت محل استهداف متكرر على يد الجماعات التكفيرية وآخرها تنظيم داعش في اعقاب سيطرته على نينوى في حزيران/يونيو2014.

 

 

الشبك وبخلاف باقي الأقليات العراقية، ليس لهم تواجد سوى في العراق، ويعيش غالبيتهم موزعين على أكثر من 60 قرية في ست وحدات إدارية بين أقضية تلكيف والموصل والحمدانية وكلها في سهل نينوى.

وكانوا يسكنون في نحو 12 حياً سكنيا في الجانب الأيسر من مدينة الموصل منها ( نينوى الشرقية و نينوى الشمالية و الجزائر و النعمانية و التأميم و عدن و الشهداء و البكر و الكرامة و القدس والاربجية و التحرير)  لكن وبسبب الاستهداف المتكرر لهم من قبل عناصر القاعدة وأنصار الإسلام ومن بعدهما تنظيم الدولة الإسلامية بسبب انتمائهم للطائفة الشيعة في السنوات 2004 و2005 و2006 اضطر الكثير منهم للنزوح نحو تلك القرى في سهل نينوى.

أما الباقون في المدينة وحتى أولئك الذين لجأوا إلى قرى سهل نينوى، نزحوا نحو إقليم كردستان وقسم كبير منهم نحو محافظات الجنوب ولاسيما النجف وكربلاء. عندما سيطر داعش على الموصل ومحيطها، واستولى عناصره على أملاكهم المنقولة وغير المنقولة.

ويرى الإعلامي يونس الأغا بأن الشبك خسروا الكثير من أبنائهم وممتلكاتهم بالكامل، وفوق ذلك فهم مهمشون ومستبعدون عن أي منصب تنفيذي وفقاً لما يصفها بـ”المحاصصة المتبعة في البلاد”. ويقول:” بالرغم من كل مواقفهم الوطنية وانصياعهم للقانون وشعارات الديمقراطية التي ترفع في كل مكان، إلا انهم مبعدون عن المناصب التنفيذية والدرجات الخاصة لا وزير لا وكيل وزارة لا رئيس وإلى الآن الشبك بلا مدير عام، ولا سفير، لا قنصل، لا قائد فرقة عسكرية، ولا حتى ممثل في محافظة نينوى يعني كسر بجمع احنه وعلى ما يبدو مواطنون من الدرجة ثانية هذا إذا اعتبرونا مواطنين”.

ميليشيا لحماية الشبك

لكن ذلك تغير بعد تحرير نينوى بالكامل من داعش في صيف 2017، إذ عاد النازحون الشبك إلى مناطقهم، وهذه المرة مدعومين من قبل الحشد الشعبي الذي مسك الأرض في المحافظة برمتها، وذلك من خلال تشكيل فصيل تابع للحشد تضم مقاتلين أغلبهم من الشبك الشيعة أطلق عليه أسم اللواء 30، مصممين على عدم السماح لتكرار ما حدث لهم خلال سنوات الانفلات الأمني قبل 2014 وبعدها، وفقاً لتصريحات ممثلين عنهم.

وتولى عضو مجلس النواب الراحل د.حنين قدو، قيادة اللواء 30 التابع للحشد الشعبي الذي يضم مقاتلين غالبيتهم من الشبك الشيعة. ناب عنه بعد وفاته في ديسمبر/كانون الثاني2020  شقيقه وعد قدو، يحمل الجنسية الألمانية، وقد أصبح هو الآخر نائباً، وقد أدرجته وزارة الخزانة الأمريكية في 19 تموز 2019 ضمن اللائحة السوداء وفرضت عليه عقوبات بسبب تورطه في ملفات تتعلق بانتهاكات لحقوق الانسان، من بينها قمع الأقليات.

وأتهم هذا الفصيل الذي حل محل قوات البيشمركة الكردية التي كانت تسيطر على سهل نينوى حتى 2014، بالتغيير الديموغرافي لمصلحة الشبك، ومنع أي أقلية غيرهم فضلاً عن العرب، شراء أو بيع عقارات هناك. والاستحواذ بقوة السلاح على عقارات تعود ملكية بعضها لمسيحيين.

ومن جملة الاتهامات الأخرى الموجهة للواء 30، امتلاكه معتقلاً سرياً تزج فيه العشرات، وولائه لإيران بحكم أن قادته من المنتمين لبدر المعروف بارتباطاته الإيرانية.

الباحث جرجيس توما، يقول بأن قوات البيشمركة كانت تسيطر على سهل نينوى قبل 2014، وعادت إليه بعد تحريره في 2016، لكنها تركته في تشرين الثاني/أكتوبر2017 وتولى الحشد الشعبي زمام الأمور هناك، واللواء 30 جزء منه.

وقال بأن مهمته تتلخص بحماية الشبك وقراهم من أي استهداف، وعدم السماح بأي شخص من خارج سهل نينوى بتملك عقارات أو استغلال أو التصرف بعقارات يملكها في سهل نينوى. “حتى أن قائد اللواء 30 وعد القدو، منع في 2022  بلدية الموصل من توسيع التصميم الأساسي للمدينة باتجاه سهل نينوى المجاور، متذرعاً بمنع التغيير الديموغرافي على الرغم من تأكيدات المسؤولين في نينوى أن التوسيع هذا لن يدخل ضمن ناطق السهل”.

ويتهم توما، اللواء 30 بحماية النفوذ إالإيراني في المنطقة، وقال بأن مدرسة ابتدائية في ناحية برطلة تحمل أسم الرئيس الإيراني الراحل الخميني، وأمر فوج في اللواء يدعى حسن السلطان هو ممثل الزعيم الإيراني خامنئي في سهل نينوى.

لم نتمكن من الحصول على إجابة عن ذلك من مصدر شبكي مطلع، إذ لم نتلق عن الأسئلة التي وجهناها إلى قيادي في اللواء وعضو سابق في محافظة نينوى عن الشبك سوى الصمت.

أقلية مسيحية مقابل أكثرية شبكية

لكن الناشط الشبكي خيري محسن سمير، يفند الاتهامات الموجهة للشبك بالاستحواذ على عقارات المسيحيين وغيرهم في سهل نينوى، وقال بأن هنالك العشرات من العقارات معروضة للبيع لا يقدم الشبك على شرائها لكي لا يتهموا بإجبار أصحابها على بيعها.

وقال”لدى أي مكتب عقاري في ناحية برطلة على سبيل المثال، نجد أن هنالك الكثير من العقارات العائدة للمسيحيين معروضة للبيع، وأصحابها وأكثرهم مغتربون، يمكن أن يبيعوها بأسعار مخفضة، ومع ذلك لا يقدم الشبك على شرائها، لعدم ثقتهم بالمستقبل، فقد يتم اتهامهم بأنهم أرغموا المسيحيين على البيع”.

ويرى خيري بان هنالك عدة جهات وراء تلك الاتهامات التي وصفها بالأكاذيب، وهي الحزب الديمقراطي الكردستاني، وجهات مسيحية.

وأوضح: ” الحزب الديمقراطي الكردستاني كان يسيطر على سهل نينوى قبل 2014 بواسطة قوات البيشمركة، بحجة أنها من المناطق المتنازع عليها بين الاٌقليم وحكومة المركز بموجب المادة 140 من الدستور، ولم يتقبل واقع المنطقة الجديد المتمثل بقيام أبنائها الشبك بحمايتها، ولهذا تشيع وسائل اعلام وشخصيات تابعة له أموراً غير صحيحة عن اللواء 30″.

ويتابع:”كما أن جهات مسيحية يهمها توجيه مثل هكذا اتهامات والسبب هو تقلص أعداد المسيحيين في سهل نينوى منذ تسعينيات القرن الماضي، حتى أصبحوا أقلية مقارنة بالشبك، وهذا ليس ذنب الشبك، لأنهم لم يجبروهم على الهجرة، ولا أحد مطلقاً يجبر المسيحيين على بيع عقاراتهم، بل يفعلون هم ذلك، ويحدث هذا منذ عقود وليس بالشيء الجديد”.

وبخصوص زيادة أعداد الشبك مقارنة بالمسيحيين المتبقين، يعتقد خيري أن سبب ذلك يتعلق بطبيعة الشخصية الشبكية، إذ أنه يعمل في الزراعة وتربية المواشي، وهي أعمال تتطلب أيد عاملة كثيرة:”لذلك نجد أن كثرة الإنجاب سمة تمتاز بها العائلة الشبكية مقارنة بنظيرتها المسيحية”.

عميد الشرطة المتقاعد غازي فواز، يرى بان من حق الشبك حماية أنفسهم، ويقر بأنهم تعرضوا للكثير من المآسي من 2003، لكنه يحذر من أن السياسة التي قال بأن قادة اللواء 30 يتبعونها ستضر مستقبلاً بالشبك.

ويوضح:”الشبك مسالمون، وعلاقاتهم كانت طيبة مع أهالي مدينة الموصل، لكنها اليوم تشهد توتراً بسبب استحواذهم على الوظائف العامة، والممارسات التي يقوم بها عناصر اللواء بمنع آلاف المواطنين من استغلال عقاراتهم الموجودة في سهل نينوى، واستيلائهم على عقارات تعود إلى مسيحيين، وهو ما سينعكس على الشبك عموماً بنحو سلبي بمجرد زوال قوة الحشد الشعبي “.

الناشط الشبكي ربيع يحيى محسن، ينفي أن يكون للشبك نوايا عدوانية تجاه أي مكون آخر، ويقول:”كل ما نريده ان نعيش بسلام، وأن لا نستيقظ على أصوات التفجيرات ونفجع بقتل أبنائنا بدون سبب، ولهذا سنحمي أنفسنا بقوات قوامها أبناؤنا، ولا نريد أكثر من ذلك”.

وهذه الحماية وفقاً لمسعود عبد الحق، وهو متخصص في شؤون الأقليات، قد منحت الشبك استقراراً نسبياً مقارنة بالأقليات الأخرى، ويقول عن ذلك:”كل الأقليات الأخرى هاجر أبناؤها وبأعداد كبيرة في السنوات الأخيرة، في حين أن الحماية التي وفرها الحشد الشعبي من خلال اللواء 30 لهم في مناطقهم، جعلهم يستقرون فيها”.

 

أصل الشبك ولغتهم

يشير الباحث مروان مصطفى، إلى أن لغة الشبك وأصلهم محل خلاف بين المؤرخين. فهنالك من يعدهم كرداً، وآخرون يعدونهم عربا، وفريق ثالث ينسبهم للتركمان، وآخر إلى الفرس على أنهم من بقايا نادر شاه لدى محاولته الفاشلة للسيطرة على الموصل سنة 1743.

ويقول بأن انقسامهم بين كرد وعرب، سبب لهم مشاكل كبيرة في ثمانينيات القرن المنصرم، فهم” ميالون للعرب بنحو أكبر، ويتضح ذلك من خلال الزي الذي يرتديه غالبيتهم وهو الدشداشة، وكذلك طبيعة حياتهم وعاداتهم التي لا تفرق عن العرب، حتى أن الكثيرين منهم انتموا لقبيلة طي العربية المعروفة”.

ويلفت إلى أنهم كانوا مسجلين في تعداد 1978 كعرب، لكن ولأن الكرد كانوا معفيين من الخدمة العسكرية خلال الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988، وكانوا ينخرطون في أفواج الدفاع الوطنية التي كانت تكلف بمهام غير قتالية، سجل الكثيرون من الشبك أنفسهم كرداً خلال تعداد 1980.

ويتابع:”دفعوا ثمن ذلك باهظاً، إذ قامت الفرق الحزبية والاستخبارات بهدم منازلهم في قراهم مثل كوكجلي وبازوايا، وصودرت أملاكهم وتم ترحيلهم إلى مناطق أخرى مثل دشت حرير وديانا في أربيل، والحلة جنوبا وظلوا هنالك لغاية سقوط النظام السابق في 2003″.

أما بالنسبة للغة الشبكية، فيقول الباحث مروان، أن هنالك من “عدها واحدة من اللهجات الكردية لكون الشبك هم في الأصل من قبلية الشكاك الكردية، البعض الآخر يذكرون بأنها لهجة كردية تسمى ماجو، وتعني بالشبكية – يقول_. وآخرون يرون بأنها لغة خاصة بحكم أن الشبك قومية مستقلة. وقسمٌ من الباحثين يعتقدون بأنها لغة ناشئة، وهي خليط من لغات عدة، كالكردية والفارسية والعربية والتركمانية، بسبب وقوع المتحدثين بها وسط مناطق أهلة بالمتحدثين بتلك اللغات، فتشابكت مع بعضها، ولهذا تم تسميتهم شبكاً”.

  • أنجز هذا التقرير تحت اشراف شبكة نيريج للصحافة الاستقصائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى