معسكر الرشيد.. العيش في مكب النفايات

يمضي كرّار جلّ يومه وسط أكوام النفايات، يركل بقدميه الحافيتين كرةً مطاطية عثر عليها بين علب الفوارغ والبلاستيك متخذاً من مربع صغير في المكبّ ملعباً له. 

لكن مشهد لعب كرة القدم لن يدوم طويلاً إذ سرعان ما يتذكر كرّار أن عليه التحرك مجدداً لإيجاد قوت يومه، فيشمّر عن ساعديه النحيلين، وبيديه المشققتين يبدأ التقليب بين أكوام المخلّفات بحثاً عما يصلح للجمع والبيع.

يقول كرّار ذو الست سنوات لـ “المنصة” إنه يكره الروائح التي تنبعث من المكان لكن أنفه اعتاد عليها، فهو يسكن بالقرب منها في منطقة معسكر الرشيد ثم إن “جمع النفايات هو مصدر عيشينا الوحيد، لولاها نموت جوعاً”.

في منطقة معسكر الرشيد شرقي العاصمة بغداد يعيش كرار مع عائلته، يعمل والده أجيراً في ورشة بناء بينما يقود كرار دراجة ثلاثية العجلات تعرف بـ“الستوتهإلى مكان الطمر الصحي ويجمع قطع البلاستيك والنحاس والألمنيوم ثم يفصلها ويبيع المفيد منها ويعود بالدراجة إلى المنزل.

ومعسكر الرشيد واحد من أبرز المواقع العسكرية سابقاً، كان في السابق قاعدة عسكرية للجنود البريطانين عند دخولهم العراق لكنه تعرض للقصف والتدمير فأهمل من قبل الحكومات العراقية المتعاقبة وظلت مساحته الشاسعة متروكة، مما دفع مئات العوائل الى السكن فيه بشكل عشوائي لاسيما أنه قريب على موقع الطمر الصحي.

يستخدم كرار وغيره من الاطفال أيديهم المصبوغة بالسواد والتي أحرقتها الشمس للبحث في اكوام النفايات عن المفيد منها، يستخرجون الحديد والالمنيوم وعلب المشروبات الغازية ثم يرجعون غير المفيد منها الى مكان الطمر الصحي مرة أخرى.

غير بعيد عن منزل كرار، تركز راضية الملقبة بأم كاظم نظرها على أطفالها وهم يتسابقون مع الكلاب التي تألفهم وتعيش معهم في المعسكر، تنبههم الكلاب عند دخول الغرباء أو حيوانات الليل الشاردة.

تعمل راضية في جمع النفايات منذ 20 سنة، “اجلب النفايات من الطمر وأفصل أنا وأطفالي الحديد منها ثم تأتي سيارة تابعة لمنطقة المعامل في جنوب بغداد فيشترون الحديد مني ليستفيدوا منه في معاملهم“، تقول لـ “المنصة”.

تنحدر راضية وعائلة كرار من محافظة العمارة، وهذا هو حال معظم العوائل القاطنة في المكان والتي أجبرتها عمليات تجريف الحقول والبساتين وجفاف الأراضي في الجنوب العراقي إلى الهجرة من الريف والانتقال إلى معسكر الرشيد

تنادي أم عباس وهي امرأة في الثمانينات على الأطفال ليحملوا معها النفايات التي جلبتها من الطمر. تسكن هذه السيدة مع زوجها المريض في بيت متهالك وسط أكوام النفايات وقد أخذ الفقر والتعب طريقاً إلى جسدها المنحني وحفر علاماتٍ على وجها ويديها.

تقول أم عباس: “أجمع المخلفات وأبيع الحديد ملئ شاحنة كاملة بسعر يتراوح بين 30 و40 ألف دينار، لكنها لاتسد حتى ثمن الطحين والأرز الذي نأكله”.

عندما تتحدث أم عباس يقطع حديثها نوبات من السعال ناتجة حسب قولها عن استنشاقها الدائم للنفايات المحترقة. 

وبحسب وزارة الصحة العراقية، فإن الأمراض الصدرية منتشرة بين الاطفال في هذا المكان بسبب رائحة حرق النفايات فهناك في المنطقة المحيطة بمعسكر الرشيد وحدها 287 مريض سرطان بحسب احصائيات الوزارة.

وينقل عشرات الأهالي أطفالهم إلى المستشفى بعد كل عملية إحراق للنفايات وتتسبب عملية الإحراق باختناق عشرات الأشخاص وهي تتكرر بمعدل مرة في الأسبوع.

لكن على ما يبدو الفقر دفع الكثير من العوائل لأن تضحي بصحتها من اجل الحصول على لقمة العيش. تقول راضية: “الأطفال تختنق من رائحة النفايات ودخان الحرق لكن حتى لو يختنقون نحن نفرح بالرائحة لانها اشارة على جلب نفايات جديدة والتخلص من القديمة“.

ليست هذه بالمفارقة الوحيدة التي يعثر عليها المرء هنا، بل الأغرب من ذلك أن يحاول الاهالي إبعاد القمامة عن بيوتهم رغم أنهم محاطون بها من كل جانب ويعملون طوال اليوم في جمعها ونقلها، فمخاطرها لا تنحصر بالتلوث ورائحة الكربون المنبعثة من الاحتراق، بل هناك احتمال لوقوع انفجار ناتج عن بعض المخلفات الخطرة الموجودة.

يتقدم حسين وهو في الخامسة من عمره لينادي على ابيه في بيتهم القريب على محرقة النفايات. أبوه في الثلاثينات من عمره يعرف بـ “أبي علي” يحاول أني يرفع قطع النفايات المتناثرة امام بيتهم ليعيدها الى الطمر.

في السابق كانت عجلات الحاويات تضع النفايات قبالة بيت ابو علي لكن الحكومة منعت ذلك وحاسبت المخالفين بشدة، وهنالك اليوم عجلات تابعة لوزارة الداخلية في بداية معسكر تمنع دخول كل حاوية غير تابعة لأمانة بغداد

يقول أبو علي: “في العام السابق انفجرت قنينة غاز بين أوساط النفايات فاحترقت جميع النفايات مما أدى الى دخول عدد من الأطفال إلى المستشفى لأيام عديدة بسبب الاختناق“.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى