الـ “تك تك” في بغداد.. عربة الفقراء وسيارة إسعاف المتظاهرين
مريم علي محسن- بغداد
يبدأ محمد يومه على عربة الـ “تك تك” منذ السادسة صباحاً، يجوب بها المناطق الشعبية المزدحمة في بغداد، يوصل الناس إلى أماكن عملهم أو يعينهم على نقل أغراضهم ثقيلة الوزن، وأحياناً يقوم بإسعاف المرضى منهم ونقلهم إلى أقرب مشفى أو نقطة طبية.
يقول محمد، 26 عاماً، والذي يعيش في حي الجهاد ويعمل بائعاً للشاي في المساء إلى جانب عمله سائقاً إن “معظم الناس وخاصة كبار السن والطلاب يفضلون ركوب عربات التك تك تجنباً للازدحام المروري”.
والـ “تك تك” عربة صغيرة ثلاثية العجلات تستوعب شخصين فضلاً عن السائق يسهل مرورها بين الأزقة الضيقة التي يصعب على حافلات النقل عبورها، لكن هناك من يحملها مسؤولية الازدحام المروري في العاصمة نظراً لتزايد عددها في السنوات الأخيرة وإقبال الشباب العاطل عن العمل على شرائها.
يروي محمد أن هناك عوائل من ذوي الدخل المحدود تسأله أن ينقلها في عربته، “لكن إذا زاد عدد الركاب عن اثنين سوف تنقلب العربة أو أفقد السيطرة عليها أما في حال كان الركاب شباب فيستطيع أحدهم الركوب في الأمام إلى جانبي”.
يتقاضى محمد أجره نقله الركاب وفقاً للمسافة التي يقطعها فاذا كان المكان قريب يتقاضى مبلغ ألف دينار عراقي أما باقي الأماكن فأجرتها وسطياًَ ثلاثة آلاف دينار.
وإلى جانب عمله سائقاً يعمل محمد بائعاً للشاي ويوزع يومه وفقاً لذلك فيخصص ساعات الصباح لنقل الركاب وأوقات المساء لتحضير وبيع كؤوس الشاي. يقول “اخي يساعدني في العمل على التك تك فهو لا يستطيع أن يراني أعمل عملين لوحدي”.
بينما تحمل أكياس الخضار إلى العربة تتحدث أم ليث السيدة الأربعينية عن التك تك وتصفه بأنه “أفضل وسيلة نقل في بغداد” حيث بالإمكان المرور من بين الأزقة الضيقة على عكس وسائل النقل الأخرى.
تقول أم ليث: “كنت أتعب من حمل المشتريات في الباصات، أضعها عند قدمي وعندما يريد شخصاً ما النزول أضطر للنزول معه كي أفسح المجال للراكب أما مع التك تك فأستطيع أن أجلس براحة ويوصلني السائق الى باب البيت وبأقل أجره ممكنة”، وتضيف: “عدا عن ذلك، فإن الرحلة بهذه العربة ممتعة”.
لكن أم علي تبدو معترضة على كلام شقيقتها أم ليث خصوصاً أن عدد كبير من العربات لا تحمل رخصة ويقودها قاصرون يتسببون بحوادث سير. “في أحدى المرات كان السائق الذي أقلني طفلاً عمره ربما 12 سنة، كاد أن يتسبب بكارثة أثناء قيادته فقد مشى في العربة أثناء نزولي”.
ليس من المعلوم تماماً عدد التكاتك في بغداد وقد سبق وأن وجهت مديرية المرور العامة لسائقيها أكثر من إنذار كي يقوموا بترقيمها أصولياً ودفع مستحقات الجمارك المترتبة عليهم، إلا أن تقديرات غير رسمية تفيد بأن عددها بتراوح بين المائة ألف إلى ثلاثمائة ألف تتركز في المناطق الشعبية من العاصمة وفي المحافظات الجنوبية كما أن معظم سائقيها من الطبقات محدودة الدخل تتراوح أعمارهم ما بين 16 سنة و21 سنة.
غير أن هناك من السائقين من يتجاوز عمره الستين عاماً كما هو الحال مع باسم علي الذي يعمل في هذه المهنة منذ ثلاث سنوات والذي يصف عمله بالشاق والمرهق.
يقول باسم: “أحياناً تحصل مشاجرة بين أصحاب التكاتك على الزبون لذلك أجعل الاجرة أقل كي يختارني الزبون، وفي الليل أتعرض أحياناً لحوادث بسبب المطبات والحفر التي تملأ شوارع بغداد”.
عادة ما تجري مخالفة التكاتك غير المرخصة من خلال حجز العجلة إلى حين دفع الغرامة ثم تسليمها للسائق بعد توقيعه على تعهد بترقيمها، وهو ما حصل مع باسم الذي ينتظر تجميع المبلغ اللازم لترخيص عربته وإراحة باله من مخالفات الشرطة.
يوضح أحمد علي وهو محام مختص بدعاوى المرور أن التك تك خلق مجموعة من المشكلات المرورية جراء سوء استخدامه من قبل السائقين، “نلاحظ أن أغلبهم من الأحداث وهذه مخالفة قانونية ومرورية”.
ينص قانون المرور النافذ رقم 8 لسنة 2019 على عدم السماح بقيادة مركبة من دون لوحات تسجيل وعلى صاحب المركبة غير المرقمة مراجعة مديرية المرور لغرض تسجيل المركبة بشرط تحقيقها معايير المتانة والأمان.
حسين أحد الذي لا يلتزمون بمعايير الأمان التي يطلبها القانون، يقول “أنقل طلاب وطالبات إلى المدارس، أحياناًَ أجعل واحداً منهم يجلس في الامام بجانبي اما الطالبات فعادة لا يتجاوز عددهم يجلسون في الخلف، اذهب بهم إلى المدرسة وأعيدهم للمنزل وآخذ من الأهل مبلغاً شهرياً قدره 25 الف دينار عراقي”.
رغم عدم توفر شروط الأمان الكافية لنقل الأشخاص في هذه العربة، إلا أنها كثيراً ما أنقذت أرواحاً ولعبت دور سيارة الإسعاف، خصوصاً في أوقات الاضطرابات السياسية أو في التظاهرات ومواسم الزيارات الدينية.
السائق محمد دمعت عينيه وبدأ يتعرق عندما تذكر أيام احتجاجات تشرين أول/ أكتوبر 2019 في العراق والمحافظات الجنوبية، إذ يعده كثيرون من أبطال تلك الاحتجاجات لنقله عشرات المتظاهرين الجرحى إلى المستشفيات وإنقاذهم من الموت.
“كنت أنا وشقيقي ننقل المتظاهرين للتظاهر مجاناً ثم ننقل الجرحى والمصابين وأحياناً -مع الأسف- كنا ننقل جثامين الشهداء الذين سقطوا في المظاهرات”.
يشعر محمد وشقيقه مصطفى بالفخر للدور الذي لعبه الـ “تك تك” في تلك الأيام، ويشعر بالامتنان لهذه العربة التي “افادتني كثيراً ومكنتني من جمع اقساط دراستي وتحصيل لقمة عيشي”.
ويختم كلامه قائلاً: “لا أنكر انها فيها سلبيات، لكنها أفادت الطرفين: السائق الفقير.. والزبون الفقير”.