كيف يمرّ اليوم على رجل شرطة في بغداد؟

بغداد- فاطمة كريم 

تحت أشعة شمس حارقة يقف شرطي المرور محمد غير مبالٍ بالحر أو الغبار وكثرة السيارات حوله، همّه الوحيد تلبية واجبه تجاه مهنته وتنظيم السير وتجنيب السائقين والمارة الحوادث القاتلة والاختناقات المرورية.

يحمل محمد جمعة محسن ذو الـ 35 عاماً شهادة ماجستير في العلوم السياسية لكنه اختار العمل في هذا الوظيفة منذ عشر سنوات، فقد كانت رغبته منذ الطفولة أن ينضم للسلك الامني إلى أن تحقق حلمه فحصل على رتبة مقدم وأصبح شرطي مرور.

يعمل محمد في تقاطع الجادرية القريب على جامعة بغداد، يقول “تكون واجباتنا في العمل مقسمة إلى ثلاثة أجزاء في اليوم الواحد صباحاً ومساءً، وعدد ساعات العمل هي ثماني ساعات يومياً حسب قانون العمل العراقي”.

يكابد رجال المرور في كافة أنحاء العراق ارتفاع درجات الحرارة خصوصاً في السنوات الأخيرة نتيجة التغيرات المناخية التي حصلت في العراق، فقد ناهزت درجات الحرارة في فصل الصيف الـ 50 درجة مئوية بالإضافة الى موجات الغبار التي تعصف برجال المرور بينما يحاولون القيام بواجباتهم.

يقول المقدم محمد “في فصل الصيف توزع مديرية المرور علينا عبوات المياه وكمامات طبية لتخفيف أثر الحر والعواصف الترابية”.

سوء البنى التحتية في العراق عموماً وبغداد خاصة، وعدم انشاء جسور جديدة أو شوارع في مقابل زيادة مضطردة في عدد السيارات، كل هذا يشكل ضغوطات على محمد الذي يتحدث عن متطلبات بسيطة يحتاج اليها شرطة المرور في الشوارع قائلاً: “نحتاج لتوفير مظلات مكيفة في فصل الصيف وكذلك صندوق إسعافات أولية، فقد تعرض الكثير من شرطة المرور إلى الوفاة أو إلى حالات إغماء في الشوارع بسبب الحر الشديد”.

ليس الحر وحده ما يعاني منه محمد وزملاؤه، فقلة الوعي المروري لدى المواطنين على حد تعبيره هي من أبرز الصعاب التي تواجههم، وهو ما يتسبب بوقوع خلافات وشجارات بين الشرطة والسائقين تصل أحياناً حدّ التعدي بالضرب على رجال الشرطة.

يعلق محمد على هذا النوع من الحوادث بالقول: “تحصل الكثير من حالات التجاوز والتعدي على رجال المرور، وفي مثل هكذا حالات تتخذ بحقهم الإجراءات القانونية فيتعرضون للحبس او الغرامة المالية”.

وبحسب محمد، يحاول رجال المرور زيادة الوعي المروري من خلال نشر عدد من الملصقات التوعوية كما يعززون من حماية أفراد الشرطة في التقاطعات المرورية التي تتكرر فيها التجاوزات. ويشير محمد إلى أن “أكثر فئة ملتزمة بالتعليمات المرورية هم كبار السن، أكثر من فئة الشباب”.

 

أحمد حردان وهو في عمر الخمسين، أحد افراد شرطة المرور في التقاطع ذاته يعمل في الوردية المسائية وهو في هذا العمل منذ اكثر من عشرين عاماً، يقول: “خبرتي في هذا العمل اكتسبتها بمرور السنين، وقد جعلتني على دراية تامة بالشارع العراقي وكيفية التعامل معه” مضيفاً أنه لاحظ “تغيراً في المفاهيم والقيم التي لم تعد كالسابق”.

يعمل الشرطي حردان في وقت الذروة  التي تبدأ من الساعة 12 ظهراً وحتى الثالثة مساءً موعد خروج الموظفين والطبة من عملهم وأماكن دراستهم، وهو بذلك يواجه ازدحامات مرورية خانقة.

فالمكان التي يقف فيه يقع في النقطة الرئيسة للعبور إلى جسر الجادرية وتمر من هذا التقاطع مركبات جامعة بغداد والنهرين وكرادة داخل وكرادة خارج سواء في وقت الذروة الصباحي بين الساعة السابعة والتاسعة، أو المسائي.

وبحسب تصريح العميد زياد القيسي مدير اعلام المرور العامة لـ “المنصة” فإن “في بغداد أربعة مليون سيارة بينما شوارعها مصممة  لاستيعاب ثمانين ألف سيارة فقط” ويكمل ويقول “نعمل بكل طاقتنا لتيسير حركة المرور ونقوم بالتنسيق مع اكثر من جهة  حكومية لتقليل عدد السيارات في الشوارع  من خلال تسقيط الموديلات القديمة من المركبات فضلا عن اجراءات أخرى”.

أما المقدم محمد، فيؤكد على أهمية نصب كاميرات مراقبة في جميع الشوارع، “وأيضاً اشجع المواطنين على تنصيبها داخل منازلهم فهذا يخفف عن الشرطة جزءاً من المهمة ويقلل اعدادهم في التقاطعات ويقلل من حوادث السير المرورية”. 

ورغم صعوبة المهنة والأجواء الحارة، يبدو محمد سعيداً بمهنته، يقف يومياً عند التقاطع معتمراً قبعة رجال الشرطة وصفارته في يده، يحافظ جاهداً على ابتسامته رغم العرق الذي يتصبب من وجهه، وكأن وقوفه في هذا المكان دليل على أن الحياة تسير هنا في بغداد، بأقل قدر من الحوادث والكوراث.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى