الجفاف يلتهم آلاف الأمتار المربعة في ذي قار ويدفع المزارعين للنزوح 

الناصرية- مرتضى الحدود

تلاشى حلم أبو عبد الله الذي يسكن قضاء سيد دخيل شرقي مدينة الناصرية بعد آخر موسم زراعي شتوي لعام 2021، فترك ارضه ونزح نحو المدينة بعد موجة الجفاف التي ضربت قريته وخلّفت مساحات واسعة من الأراضي يجرفها الهواء الحار.

الرجل الذي تجاوز الستين عاماً من العمر جمع أغراض منزله البسيطة مستأجرا مركبة حمل لنقلها الى منزله الجديد في مدينة الناصرية الذي سبقه إليه ابنه وعائلته. 

كان أبو عبدالله جالساً الى جانب السائق بينما عربة النقل البيضاء تسير في طرق متعرجة وذرات الغبار ترتفع إلى الأعلى نتيجة حركة المركبة. يقول أبو عبدالله، “لا أعرف ما هو مصيري وكيف سأؤمن مصدر رزقي، فقد أمضيت أربعين سنة في الزراعة ولا أتقن مهنة غيرها”.

أسرة عبد الله واحد من مئات الأسر التي نزحت من مناطق سكناها في أرياف ذي قار بفعل التغير المناخي واتجهت نحو المدينة بحثاً عن عمل. فقد سجلت محافظة ذي قار منذ عام 2021 وحتى ايار 2023 نزوح اكثر من 1300 عائلة بسبب الجفاف وفقا لإحصاءات رسمية.

محمد شاب في العشرينات من العمر اضطر هو الآخر للعمل في محل لبيع الخضار عند الشارع الرئيسي وتعرض للخسارة المالية في بادئ الامر لعدم معرفته باسرار البيع وطرق تحقيق الربح. 

يتحدث للمنصة قائلاً إنه يعشق أيام الخوالي التي كان يجوب فيها أرض والده من ساعات الفجر الاولى وحتى المساء من دون كلل أو ملل.

تبلغ مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في ذي قار حوالي المليونين و 400 الف دونم وما يتم زراعته من هذه المساحة الكلية لا تتجاوز الـ 230 الف دونم وفي كل مرة تتقلص الخطة بحسب الحصص المائية التي تحددها وزارة الموارد المائية.

مدير زراعة ذي قار الدكتور فاقد عبد الامير تحدث للمنصة بان اكثر من 60% من الأرض الصالحة للزراعة تعرضت للجفاف في المحافظة بمساحة تتجاوز المليون و 300 الف دونماً.

كما بلغت أعداد المزارعين للموسم الصيفي 2022 اكثر من 7480 فيما تتراوح أعدادهم للموسم الزراعي الصيفي 2023 ما بين 4 الاف الى 5 الاف مزارعٍ بفعل الجفاف والشحة المائية بحسب عبد الأمير.

جفاف الأراضي منع المحافظة من تحقيق اكتفائها الذاتي من مادة الطحين المستخرجة من الحنطة خلافاً للسنوات السابقة، ففي عام 2022 لم تحقق المحافظة سوى نسبة 26% من الاكتفاء لمحصول الحنطة فبلغت الكميات المسوقة 67 ألف طن، فيما بلغت الكميات المسوقة عام 2019 اكثر من 170 الف طن، علماً أن المحافظة تحتاج سنويا لـ 260 الف طن كي تحقق هذا الاكتفاء.

أكثر الأراضي الزراعية تضرراً في محافظة ذي قار بحسب الفلاحين هي تلك الواقعة عند نهايات الأنهر لقلة المياه الواصلة اليها. 

مزارع محاصيل الطماطم والباذنجان وغيرها من الخضروات الواقعة بمنطقة ام عنيج جنوبي المحافظة المحاذية لمدينة البصرة كان عددها حتى عام 2003 و2004 حوالي 320 مزرعة بمساحات مختلفة الا ان هذا العدد تضاءل ولم يتبق منها اليوم سوى 20 تقريباً.

أما منطقة الاهوار التي دخلت لائحة التراث العالمي عام 2016 والتي كان من المفترض أن يحدد لها حصة مائية من دول المنبع، فتقصلت مساحتها أيضاً ولم يتبق منها اليوم سوى 556 كيلو متراً مربعاً مغموراً بالمياه، علماً أن المساحة المحدد إغمارها بحسب الخبير في الشأن البيئي جاسم الاسدي هي  5160 كيلو متراً مربعاً.

مع حلول صيف 2023 سجلت المناسيب المائية الداخلة للاهوار انخفاضاً بمقدار 1 سم يومياً. هذا الامر يرفع من نسب الملوحة والتراكيز الاخرى وينعكس سلبا على ماشية الجاموس التي انخفض مستوى إنتاج الحليب لديها من 6 الى 3 لتر يومياً وكذلك انخفضت اسعارها نتيجة محاولة المربين التخلص منها فهي تحتاج الى مياه دائمة واعلاف بكثرة.

ووفقا لتقديرات قسم الثروة الحيوانية في زراعة ذي قار فإن الهلاك الذي تعرضت له ماشية الجاموس من صيف 2022 حتى اذار الماضي من العام الحالي تجاوز الـ 6500 رأس ماشية فيما تضم الاهوار أكثر من 57 ألف رأس، أي أنه من بين كل 10 رؤوس من ماشية الجاموس هناك واحدة نفقت.

محافظة ذي قار سجلت في الاعوام 2020 و2021 معدلات مطرية قليلة وفقا لمدير الانواء الجوية في الناصرية علي طارق اذ بلغ اجمالي الكميات في العامين 31 ملم وهذه الكميات لم تسجلها المحافظة منذ خمسين عاماً ماضية وهذا ناتج بحسب الخبراء عن التغيرات المناخية.

إلا أن المعادلة تغيرت في عام 2022 و2023 وسجلت المحافظة معدلات جيدة بلغت سبعة اضعاف الكميات السابقة، لكنها لا تكفي لتعويض جفاف الأرض على مدى الأعوام الماضية.

التغير المناخي والحصص المائية من تركيا كانا لهما أثر في تغيير خارطة مجرى الانهر الرئيسة في العراق، فنهر الفرات بحسب ما يتم تدريسه في المقررات المدرسية العراق يلتقي بنهر دجلة مكوناً شط العرب في كرمة علي. 

إلا ان الوضع تغير، فمنذ اكثر من اربع سنوات تقريبا لم تتمكن مياه نهر الفرات المائي من عبور ارتفاع السدة المائية القاطعة بين قضاء الجبايش شرقي ذي قار وشمال قضاء المديّنة التابعة للبصرة، اذ يبلغ ارتفاع السدة قرابة الـ 160 سم والفرات في افضل حالاته اليوم لا يتجاوز ارتفاع منسوبه الـ 80 سم.

 

وبحسب معاون مدير عام هيئة تشغيل مشاريع وزارة الموارد المائية غزوان السهلاني فإن خطة الوزارة تصل مياه الفرات حتى الاهوار دون اكمال مسيرها نحو البصرة والخليج.

أما تصاريف نهر الفرات عند الحدود السورية العراقية وفقا للخبير جاسم الاسدي فبلغت منذ أكثر من اسبوعين 150 متراً مكعباً بالثانية علما أنها يجب ان لا تقل عن 295 متراً مكعباً بالثانية، فيما كان مستوى التصريف عند الناصرية والسماوة حوالي خمسين متراً مكعباً بالثانية (يجب ان لا يقل عن 60 متراً مكعباً بالثانية)، وهذه جميعها بحسب الأسدي لها تأثيرات خطيرة، آنية ومستقبلية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى