في النجف: مهندس عراقي يصنع ماكينات صديقة للبيئة وسماداً خالياً من السموم

النجف- منار الزبيدي
بعد عدة محاولات، تمكن المهندس الزراعي علي مردان الحسناوي ذو (34) عاماً الذي يسكن ناحية العباسية في محافظة النجف من تصنيع عدد من الماكينات المحلية “صديقة للبيئة” استخدمها لإنتاج سماد “الكمبوست” العضوي الصناعي، من خلال اعادة تدوير المخلفات النباتية في مزرعته، لتصبح هذه الفكرة مشروعاً اقتصادياً صديقاً للبيئة ومصدر دخل جيد في الوقت ذاته.
عصفوران بحجر واحد
يمتلك الحسناوي مزرعة كبيرة تضم العديد من النباتات والأشجار الرحيقية والطبية والمثمرة والخشبية.
اثناء عمله في المزرعة لفت انتباهه وجود الكثير من المخلفات النباتية مثل سعف النخيل وبعض أخشابها وأغصان أشجار أخرى التي بدأت تأخذ حيزاً كبيراً من مساحة المزرعة، فتبادرت إلى ذهنه فكرة إعادة تدوير تلك المخلفات والاستفادة منها بدل تكديسها أو حرقها الامر الذي يؤثر سلباً على البيئة ويكلفه المال لشراء السماد لمزرعته.
وبهدف التخلص من مخلفات مزرعته النباتية والاستفادة منها في إنتاج سماد عضوي خالٍ من المواد الكيميائية بدلاً من شرائه، بدأ الحسناوي بصنيع ماكينة خاصة بهذه المهمة، إذ إن كلفة الطن الواحد من السماد العضوي تتراوح بين (300-500) الف دينار عراقي.
يقول الحسناوي: “استخدمت محرك البحث جوجل لجمع المعلومات عن كيفية تدوير المخلفات في وقت كنت فيه بحاجة إلى ماكينة لتقطيع المخلفات النباتية في مزرعتي”.
ويضيف: “نجحت بالفعل في تصنيع هذه الماكينة رغم التحديات الكثيرة التي واجهتني وابرزها كيفية تقطيع مخلفات أشجار النخيل كون اغلب الدول المتقدمة لا توجد لديهم أشجار نخيل”.
جهود اقتصادية مربحة
بعد عمل مستمر واصرار وتفكير متواصل ومحاولات متكررة نجح الحسناوي بتصميم الماكينة الصديقة للبيئة وبدأ يستخدم المخلفات النباتية في مزرعته ليحولها إلى سماد عضوي “كمبوست”.
بعد اتمام عملية التقطيع داخل الماكينة يقوم الحسناوي بإعادة استخدام المخلفات بعد أن تتحلل ويتم تخميرها، وذلك لتسميد النباتات والأشجار في مزرعته، وهو يقوم بهذه التجربة في كل عام حتى اصبحت مزرعته من المزارع النموذجية في العراق، بحسب وصفه.
كما ان هذه العملية وفرت على هذا المهندس ثمن السماد الذي كان يشتريه للمزرعة والذي يقدر بحوالي (3)طن سنوياً، بل إنه صار اليوم يبيع الفائض من السماد الذي ينتجه بعد الانتهاء من عملية تسميد مزرعته بالكامل.
أكثر من خمسين ماكينة
بعد نجاح تجربة الحسناوي بتصنيع ماكينته، بدأ الاصدقاء وغيرهم يطلبونها ايضا، فلم يكتف الحسناوي بتصنيع الماكنة الاولى فقط بل قام بتصميم ماكينات اخرى متنوعة، بعضها لتقطيع المخلفات النباتية والبعض الاخر لتقطيع مخلفات النخيل الأخضر واليابس وثالثة تعمل بشكل مزدوج، كما استخدمها بعض اصحاب حقول الابقار لصناعة الاعلاف للحيوانات. ويقوم الحسناوي بتصميم الماكنات وتنفيذها بنفسه ويعمل معه كادر يساعده في تنفيذ التصاميم وتقطيع الحديد ولحامه.
“تمكنت من تصميم ماكينات أضخم وأكثر تطوراً وبعدها صنعت ماكينات اكثر حداثة استخدمت فيها الشفرات المستوردة من خارج العراق وصنعت لحد الآن أكثر من 50 ماكنة تضاهي الماكينات المستوردة”.
ماكينات صديقة للبيئة
يقول الحسناوي ان الماكينات التي قام بتصنيعها تعتبر صديقة للبيئة فهي لا تبث أي غازات ملوثة للبيئة، بعضها يعمل من خلال العربة الزراعية “الكاروبة” وأخرى تعمل باستخدام الكهرباء.
وهناك ماكينات تعمل بمحركات الديزل لكن صنعها تم بطريقة لا تسبب التلوث البيئي، “فهي تخرج بخار ماء بدلا عن الكربون، وتسهم بإنتاج اسمدة عضوية غنية بالعناصر المغذية لنمو النبات وخالية من المتبقيات الكيميائية” يوضح الحسناوي، وذلك من خلال تدوير المخلفات الزراعية وإعادتها الى التربة نفسها مما يؤدي الى إخصاب التربة والحفاظ على رطوبتها.
وجهز الحسناوي الكثير من الجامعات والمزارعين والشركات الزراعية المحلية فضلا عن شركة ألمانية بماكيناته، إضافة الى تعاقده اليوم مع وزارة الزراعة العراقية لامدادها بهذه الماكينات بسبب ميزاتها الهامة وسعرها المناسب الذي يتراوح بين (750) الف دينار عراقي الى (12) مليون حسب الحجم والأداء، علماً أن بعضها يستغرق تصنيعه حوالي (7) ايام والبعض الآخر يتم الانتهاء منها خلال شهر.
وبحسب الباحث العلمي الدكتور جواد عناد مهدي الكلابي مدير مشروع الأسمدة العضوية وزراعة الفطر في وزارة الزراعة، والذي اقتنى احدى ماكينات الحسناوي لاستخدامها في مشروعه الخاص، فإن الماكينات مفيدة جداً في ظل وجود الكثير من المخلفات الزراعية خاصة مخلفات النخيل التي يمكن استخدامها لإنتاج سماد عضوي مفيد للتربة.
“إنها ماكينات عملية وسعرها مناسب لأصحاب المزارع وبساتين النخيل، وهي ضرورية للتخلص من المخلفات الزراعية وانتاج السماد العضوي بعد تعلم طريقة إنتاجه” يقول الدكتور الكلابي.
أهمية الكمبوست
بحسب الكلابي فان سماد الكمبوست”سماد عضوي صناعي” له اهمية كبيرة بالنسبة للتربة من ثلاث نواحٍ، حيوية وفيزيائية وكيميائية. فهو يحتوي على نسبة مرتفعة من البكتيريا الضرورية لتحلل المواد العضوية المتواجدة بالطبيعة بما فيها الأوراق وبقايا النباتات والجذور و يقضي على بيوض الحشرات الضارة بفعل درجة الحرارة العالية التي تتولد نتيجة تحليل المادة العضوية وبذلك يحد من خطورة الأمراض النباتية، “وبالنتيجة نحصل على محصول جيداً كماً ونوعاً”، يشرح الباحث العراقي.
ويبين الكلابي أن الكمبوست الناتج عن عملية تخمر الأغطية النباتية أو المخلفات الحيوانية له فوائد كبيرة، فهو “خزان للطاقة الحيوية ومصدر للمغذيات الكبرى والصغرى وكذلك محفز لنشاط الانزيمات ونمو النباتات والاحياء المجهرية”، مما يساعد على اعادة الحياة للتربة، واحياء التربة الدقيقة التي كلما ازدادت ارتفع مستوى صحة التربة.
ويساعد “الكمبوست” على إنتاج نبات يحتوي على عناصر غذائية أكبر وقدرة على مقاومة للأمراض، “وهذا ينعكس ايجاباً على صحة الإنسان الذي يتغذى على تلك النباتات”.
كما يعتبر استخدام هذا السماد أحد الممارسات الزراعية التي من شأنها تقليل الاستعمال المفرط للأسمدة المعدنية المكلفة للإنتاج كونه يرفع من القيمة الإنتاجية للتربة، ويقلل من التلوث البيئي الناتج عن الإسراف في استخدام الأسمدة الكيميائية، وأيضاً يقلل من الكثافة الظاهرية للتربة ويزيد من معدل مساميتها.
وأشار الكلابي إلى أن “الجهود العالمية منصبّة اليوم على إعادة صحة التربة والحفاظ عليها بسبب زيادة التلوث والأسمدة الكيمائية المستخدمة”.
تهجين سلالة نحل
للحسناوي قصة أخرى مع النحل، فقد بدأ بتربيته عندما كان عمره (11) عاماً فقط أي منذ (23) عاماً، وهو يعمل اليوم في انتاج العسل، كما تمكن وبدون دراسة اكاديمية من تهجين سلالة من النحل ملائمة لأجواء العراق وتنتج نوعية معينة من العسل الممتاز وبكميات كبيرة.
والحسناوي هو واحد من أبرز منتجي العسل في العراق، يمتلك منحلاً نموذجياً على مستوى البلاد يتوافد إليه العديد من طلبة الأبحاث العلمية والدراسات العليا من مختلف الجامعات.
وتعدّ مزرعته “نموذجية” تتوفر فيها الوسائل العلمية كالمختبر والحقول التي تتيح امكانية إجراء التجارب العملية، اضافة الى المعلومات التي يرفدهم بها الحسناوي، فهو عضو اتحاد النحالين العرب ولديه العديد من المشاركات في المؤتمرات العلمية المحلية والدولية.
وكان الحسناوي قد اطلق مبادرة “ازرع” لتكثير انواع من الاشجار وخاصة المنتِجة منها ويقوم بتوزيعها الى جانب البذور “مجاناً “على الناس والجهات الحكومية المعنية، دعماً للبيئة و تشجيعاً على الزراعة.