زيارة إلى بيت الجواهري

بغداد- مصطفى جمال مراد

في منطقة القادسية في العاصمة بغداد هناك منزل رُصّع جداره الداخلي بأبيات من قصيدة “آمنت بالحسين” التي تعود لشاعر عراقي راحل يحظي بمكانة خاصة لدى عموم العراقيين والعرب هو الشاعر محمد مهدي الجواهري.

ففي هذا المكان تحديداً عاش الجواهري وكتب عشرات القصائد، قبل أن يجبر على الرحيل والموت خارج بلاده.

ولد الجواهري في النجف الاشرف سنة 1899 من أسرة ذات زعامة  دينية منذ عهد مؤسسها الشيخ “محمد حسن” صاحب كتاب “جواهر الكلام”، لكنه لم يختطّ لنفسه مساراً دينياً بل اتجه إلى الكتابة والشعر، فكان أول نقيب للصحفيين ونقيباً للأدباء والكتاب العراقيين عام 1961.

وعندما وزعت نقابة الصحفيين أراضٍ في منطقة القادسية على أعضائها كان الجواهري من ضمنهم، فسكن هذا البيت منذ 1971 إلى قبل هجرته إلى دمشق وبراغ سنة 1981.

يتكون البيت الذي صار اليوم “متحف بيت الجواهري” من أربع قاعات تحوي الأولى منها على مقتنيات شخصية للشاعر الراحل.

يقول الأستاذ “ستار” مسؤول المتحف: “لقد تم تزويدنا بالمقتنيات من قبل عائلة الجواهري فكانت أغلبها من الدكتور كفاح والدكتور خيال نجلي الشاعر”.

وأضاف مستعرضاًَ بعضاً من المقتنيات: “هذه الساعة والنظارة ومسبحته، والراديو الصغير، والروب، وكذلك طاقية رأسه.. كانت لا تفارقه أبداً”.

تضم قاعة المقتنيات مجموعة من الأوسمة حصل عليها الشاعر في مناسبات متعددة، منها سيف تقلده من وزير الدفاع السوري الأسبق مصطفى طلاس ووسام الاستحقاق من وزارة الثقافة السورية وكذلك وسام الجمهورية الليبية من الرئيس الليبي الأسبق معمر القذافي ووسام المملكة الاردنية من الملك الحسين بن طلال بمناسبة القاء الجواهري قصيدة في عيد ميلاد الملك وجائزة مؤسسة العويس الثقافية في الإمارات العربية المتحدة.

كذلك تضم قاعة المقتنيات مراسلات مع أصدقاء الجواهري المقربين ومنهم رئيس الجمهورية السابق جلال طالباني والاستاذ الجامعي والشاعر والكاتب مهدي المخزومي كما تحتوي على أجزاء من مؤلفاته وجوازات سفره.

يصف “ستار” عمله في هذا المتحف بالقول “إنه شيء يدعو للفخر أن أكون مسؤولاً عن متحف بيت الجواهري، وكأنك تعايش الشاعر الكبير في حياته اليومية”.

 ويضيف “أشعر أني أتعرف عليه يومياً، كل يوم هناك معلومة جديدة اكتشفها سواء من مطالعة الموجودات أو من الحديث مع الزوار”.

في القاعة الثانية من المنزل يمكن للزائر مشاهدة مكتبة تحتوي على العديد من الكتب الخاصة بالجواهري والعديد من مؤلفاته إلى جانبها تمثال شمع يمثلّ صورة طبق الأصل عن الشاعر قام بصنعه السيد “ستار”.

يقول مسؤول المتحف: “كنت اعمل بالمتحف البغدادي سابقا وعملت على صنع تماثيل الشمع فكلفت بعمل تمثال للجواهري تزامنا مع تأهيل بيته ليكون متحفاً”.

أما القاعة الثالثة فتحتوي على مجموعة من الصور للشاعر مع أدباء وشعراء وشخصيات سياسية وفكرية، وكذلك صور لتشييعه في السيدة زينب في سوريا وصور له مع زوجتيه وأولاده في أماكن مختلفة، وصور له في شبابه، وصورة لقبره، وهناك صورة لشجرة عائلة الجواهري كانت من مقتنيات د. خيال الجواهري قدمها للمتحف، وأيضاً قاعة للأفلام والصوتيات لعرض أمسيات وأشعار الشاعر ومقابلاته.

تبلغ مساحة بيت الجواهري 540 متراً مربعاً استملكتها مديرية العلاقات والاعلام في أمانه بغداد بغرض تحويلها إلى متحف يخلد ذكراه.

يقول أمجد زوير مسؤل إعلام متحف بيت الجواهري إن المنزل تم استملاكه في النصف الأول من عام 2011 وتم تطويره واعماره في 2019 على يد رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي.

“كان يسكن هذا المنزل أحد أحفاد الجواهري قبل تركه  وكان البيت يعاني من اهمال قبل أن يتم ترميمه وتجهيزه للزوار ومحبي الشاعر”، يضيف زوير.

ومن المفارقات التي قد تبدو غريبة أن الجواهري توفي في السابع والعشرين من تموز/يوليو عام 1997 وتم افتتاح المتحف في التاريخ نفسه عام 2022.

ويؤكد أن التاريخ نفسه من العام الحالي سوف يصادف استضافة ندوة مسائية في المتحف  لمنتدى بغداد الثقافي ويضيف: “العديد من الفنانين والأدباء والمفكرين والشعراء والإعلاميين ورابطة المجالس البغدادية الثقافية سوف يشاركون في الأمسية”.

وبعد مرور حوالي السنة على افتتاح المتحف يذكر المسؤولون عنه أن الزيارات إليه كثيفة من قبل المدارس والمعاهد و الجامعات.

يقول السيد ستار المسؤول عن إدارة المتحف: “نعتزم إضافة غرفة جديدة تضم حياته كصحافي وتشمل ارشيف من الصور والمقالات التي كتبها وأشياء أخرى تتعلق بحياته الصحافية”.

ويعلق قائلاً إن “هذا القرار يتزامن مع الاحتفال بعيد الصحافة والجواهري يعد أول نقيب للصحفيين في العراق”.

وبحسب ستار، فإن مراحل اعمار وتأهيل المتحف كانت جميعها بالتنسيق والتعاون مع عائلة الشاعر، وقد كان لهم رأي بكثير من التفاصيل، وهم يزورون المتحف بمناسبات عديدة ومنهم الدكتور كفاح نجل الشاعر  وابنته الدكتورة خيال وحفيدته بان فرات الجواهري وحفيده عمار فلاح الجواهري.

ويتابع: “الصعوبات كانت تتعلق بإعداد البيت بشكل مرضي من حيث تنسيق الأثاث والألوان والإنارة وترتيب المقتنيات والموجودات”.

كما أن هناك الكثير من الشخصيات البارزة زارت المتحف ووفود عربية من إعلاميين وأدباء وفنانين وساسة.

ويرى الطالب  محمد الجبوري أن بيت الجواهري يعد جزءاً من تاريخ العراق وأدبه وتاريخه.

ويقول: “عند زيارتي السابقة لبيت الجواهري شعرت وكأنني اعاصر حياته التي عاشها في هذا البيت” وأكمل قائلا “لن يفارق الجواهري أذهان العراقيين وسوف يظل مرافقا لكثير من الأجيال القادمة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى