مشوار المليون شجرة يبدأ بشتلة
مهدي غريب _ بغداد
تحاول منظمات مجتمع مدني محلية ودولية أن تأخذ على عاتقها “تقوية مناعة العراق البيئة” من خلال زراعة أكبر قدرٍ ممكن من الأشجار في البلاد، خصوصاً في المناطق والمحافظات شديدة التلوث أو تلك القريبة من مصادر الانبعاثات الكربونية.
المصانع والمعامل أولى الأهداف التي تسعى اليها تلك المنظمات إلى زراعة الأشجار قربها بحسب علي عبدالرحمن رئيس منظمة “بصمة أمل” الذي يقول للمنصة:
“نحن كمنظمات مجتمع مدني محلية اتفقنا مع منظمات دولية على زراعة 2600 شجرة في بغداد وثلاث محافظات جنوبية منها محافظة بابل و الناصرية والبصرة وهذه الخطوة هي فقط المرحلة الأولى بهدف زراعة مليون شجرة في كل العراق”.
يضيف عبدالرحمن “الفكرة لا تقتصر على زراعة الأشجار في المناطق التي تزداد بها نسب التلوث بل الأهم من هذا هو التوعية التي نقوم بها من خلال الرسومات الجدارية والحملات الإعلامية، والتي تؤكد عن حاجة الأرض لزراعة النباتات والأشجار”.
إحدى المنظمات الدولية الداعمة للمشروع هي المنظمة الامريكية للتنمية الدولية التي أجرت اتفاقاتٍ مع منظمات محلية لزراعة أنواع مختلفة من الأشجار فضلاً عن تأهيل المدارس المتهالكة القريبة من مصدر الانبعاثات بدءا من تصليح الابواب وصبغ الجدران وصولاً إلى تحسين شروط الإضاءة والتهوية”.
شهد حزام بغداد الأخضر في العقد الأخير توسعاً عمرانياً غير مدروس ما أدى الى تزايد العواصف الصفراء في الفترة الأخيرة فضلا عن مشكلات بيئية كبرى تواجهها العاصمة وبقية المحافظات بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري وتصاعد نسبة التلوث في الهواء وانخفاض مناسيب المياه في دجلة والفرات.
بعضُ مناطق العراق لم تفقد أشجارها ونخيلها بسبب تحول اراضيها الى أراض سكنية، بل بسبب شحة المياه التي صارت كابوساً يثقل كاهل الفلاحين خصوصاً بعد جفاف مساحات واسعة من المسطحات المائية في الاهوار، الأمر الذي يجعل الهجرة خياراً وحيداً أمام ساكني هذه المحافظات.
لذا فإن دراسةٍ بحثيةٍ من قبل فريق المنظمات المحلية بالتعاون مع المنظمة الامريكية الدولية للتنمية أوصت بزراعة مليون شجرة في المرحلة الثانية من المشروع بعد أن تم تشخيص المواقع الجغرافية التي سيتم زراعة الأشجار فيها.
يقول انمار فارس رئيس منظمة بسمة أمل للمنصة “حملتنا تهدف لتصفير البيئة من كل الأضرار السامة التي تخدش الطبيعة. لقد وضعنا كل الخطط وأعددنا فريقاً بحثياً كاملاً لزراعة الأشجار المعمرة في المحافظات التي تحتاج لهذه الأشجار”.
يضيف فارس للمنصة “الحملة لا تقتصر على زراعة هذه الأشجار في المدراس والمناطق التي يكثر بها التلوث أو حتى على التوعية من خلال الرسوم على الجدران بل اتفقنا مع أصحاب المعامل والمصانع الحكومية وبالتعاون مع الامانة العامة لمجلس الوزراء بوضع فلاتر على الأعمدة البخارية يتم تبديلها بينَ فترةٍ واخرى حتى يتم فلترة الدخان قبل الخروج إلى الهواء”.
يحتاج العراق الى 16 مليار شجرة معمرة كي تتنفس رئته من جديد حسب تصريحٍ سابقٍ لوزارة الزراعة. هذا العدد الكبير من الأشجار يحتاج الى جهود محلية وحكومية واممية من أجل زراعة 16 مليار شجرة موزعة في جميع انحاء البلاد خاصة وان الحكومة بحسب منتقيدها لم تقم بخطوات كبيرة لحسر الضرر الناجم عن التصحر والاحتباس الحراري بل لم تستطع ايقاف الجرافات السكانية التي أكلت الأراضي الخضراء في حزام بغداد.
كان العراق قد أنشأ هذا الحزام في سبعينيات القرن الماضي كجزء من حملة قامت بها الدول العربية بمساعدة منظمة الاغذية والزراعة لتشكيل مصدات تحمي من العواصف الترابية.
يتكون الحزام الاخضر من أشجارٍ دائمة الخضرة مثل الكالبتوس والصفصاف والأثل وغيرها من الأشجار المعمرة التي تتحمل ملوحة الأرض والجفاف والتي تعمل كمصدات للرياح، تفلتر الهبوب الترابية وتنقي الهواء .
وسجل العراق 122 عاصفة ترابية في سنة واحدة ومن المتحمل أن تسجّل البلاد في السنوات المقبلة 300 يوم مغبر في كل سنة، حسب وزارة البيئة العراقية.
ويدل ارتفاع وتيرة العواصف على ان اغلب مدن العراق بدأت تتصحر إذ بلغت نسبة مساحة الغابات الطبيعية والاصطناعية 1.6 بالمئة فقط من مساحة العراق الكاملة، حسب إحصائية أعدّها الجهاز المركزي للإحصاء, في عام 2020.
قبل أكثر من ثلاثةِ شهور اطلق رئيس الوزراء السوداني مشروعاً لزراعة خمسة ملايين شجرة ونخلة في عموم محافظات العراق خلال مؤتمر العراق للمناخ الذي عقد في محافظة البصرة، بحضور سفراء دول ومسؤولين أمميين.
لكن زراعة هذا العدد الكبير من الأشجار في كل محافظات العراق دفع مراقبين في مجال البيئة والتصحر إلى إطلاق الكثير من الاسئلة حولَ مصدر الري لهذا العدد الهائل من الاشجار والنخيل خصوصاً أن العراق يعاني من شحةٍ مائية.
عبدالرحمن عدنان عضو في فريق بسمة أمل يتحدث للمنصة بينما يقوم بزراعة الشتلات “قمنا بزراعة خمسين شتلة في مدرسةٍ واحدةٍ وجميع الشتلات التي زرعناها مقاومة للجفاف والملوحة ولا تستهلك كميات كبيرة من المياه وهذا ما تحتاجه سياسة العراقية البيئية والمائية”.
ويضيف عدنان “هذه الأشجار ستعطي أوكسجين كبير في هذه البقعة الجغرافية وستغير من بيئة هذه المنطقة ولقد اخترنا الأشجار بعناية حتى تستطيع أن تكبح جماح الهبوب السامة” .
في نهايةِ يومٍ مُتعِبٍ تمكّن عبدالرحمن رئيس منظمة بصمة أمل هو ورفاقه من زراعة خمسين شتلة دائمة في مدرسة واحدة في بغداد مع تأهليها كاملة. يقول: “لقد صبغنا الجدران وأصلحنا مصارف المياه والأبواب وتمديدات الكهرباء المعطلة.. غداً نذهب إلى المدرسة التالية”.