جهود فردية وحكومية من أجل طاقة نظيفة

الديوانية- منار الزبيدي
حصل على أول لوح شمسي في العام 2003 و كان اللوح من مخلفات الجيش العراقي إذ تم بيعه مع بعض المعدات الأخرى على ناصية أحد الطرقات في قضاء الحمزة الشرقي التابع لمحافظة الديوانية، و رغم أن اللوح الذي اشتراه كان صغير الحجم، لكنه ألهم حامد ساهي (47 عاماً) فكرة استخدام الطاقة الشمسية في تخديم منزله بالكامل.
بعد شرائه ذاك اللوح انضم ساهي الى مجموعة على الفيسبوك مختصة بمجال الطاقة الشمسية تنشر محتوى للمبتدئين على شكل دورات تدريبية مجانية، فتعلم منهم أبجديات المهنة التي طورت خبرته السابقة كفنّي كهرباء.
ظلت فكرة الطاقة النظيفة تراود ساهي، خاصة بعد الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي في المنطقة التي يسكنها، وبعد توفر المال اللازم قرر شراء المزيد من الألواح الشمسية يقول: “كانت تجربة رائعة إذ أصبحت الكهرباء لا تنقطع عن منزلي”.
بعد تجربته الناجحة في استخدام الطاقة الشمسية لاحظ هادي مدى توفيره للتكاليف التي كان يتكبدها للحصول على الكهرباء من المولد الأهلي، “لقد استرجعت الاموال التي كلفتني لشراء اللوح الشمسي وملحقاته خلال خمس سنوات، فقد ادخرت المال الذي كنت اسدده لفاتورة المولد الاهلي مقابل الحصول على الكهرباء”.
لم تكن هذه العملية مكلفة او صعبة بالنسبة لفنيّ الكهرباء هذا، فقد اشترى الواح شمسية وهيكل حديدي قام بلحامه بنفسه كما استخدم اسلاك كهربائية ومحول “انفيرتر” ومنظم شحن إضافة إلى بطاريات.
يقول ساهي إن “استخدام الطاقة الشمسية للحصول على الكهرباء عملية ناجحة بسبب الكلفة المناسبة للوح الشمسي فثمن اللوح الواحد بقدرة 570 واط يبلغ 300 الف دينار عراقي والمنزل البسيط يحتاج الى لوحين او ثلاثة مع منظم ،او حسب الاحتياج إذان كل لوح واحد يغذي المنزل بـ 2 امبير”.
لم يكتف ساهي بلوحه الشمسي الذي بدأ يستخدمه منذ خمس سنوات فقد طوره بعدما لاحظ زيادة كفاءة الخلايا الشمسية مقابل انخفاض الكلفة المالية مقارنة بغيرها من مصادر الطاقة الكهربائية.
في بداية الأمر استخدم لوحا شمسيا بقوة تتراوح بين 150 و250 واط، و بعدها استبدله بلوح جديد بقوة 570 واط، كما يستخدم ساهي بطاريات مستعملة سعرها منخفض يقدر بحوالي 45 الف دينار يستعملها لخزن الطاقة فتمكنه من الحصول على الكهرباء لمدة 24 ساعة في حال الحاجة إليها.
ويشتري البطاريات المستخدمة من أصحاب ابراج الانترنت، “فهم يبيعونها بعدما تضعف قوتها، إذ انهم يحتاجون الى بطاريات ذات قوة عالية تعمل لساعات عند انقطاع التيار الكهربائي”، يوضح.
طاقة مستمرة
يحصل ساهي على الطاقة الكهربائية المستمرة في حال انقطاع التيار الكهربائي الوطني فقد هيأ عدد من البطاريات التي يمكن من خلالها توفير الكهرباء ليوم كامل.
وقد بدأ يعرض خدماته وخبراته على من حوله، خصوصاً انه يفكر بافتتاح مشروع لتركيب ألواح طاقة شمسية في القرى والارياف التي تعاني من انقطاع التيار الكهربائي.
ويتوقع ان الطاقة الشمسية ستصبح بديلة عن غيرها بمرور الزمن ولكن الامر يحتاج الى توعية ودعم حكومي، “حينها ستصبح شائعة الاستخدام كأطباق الستلايت التي تعتلي أسطح المنازل” على حد تعبيره، خاصة وان الألواح الشمسية لا تحتاج الى الكثير من الصيانة، “يكفي تنظيفها من الأتربة ومخلفات الطيور بين فترة وأخرى”.
اعادة تدوير المياه
لا يعاني العراقيون من انقطاع الكهرباء فحسب بل من شحة مياه الشرب والري أيضاً، لذا يستخدم ساهي طريقة “الري بالتنقيط” و هي إحدى وسائل سقي النباتات بأقل كمية من المياه.
فقد زرع أشجار النخيل حول منزله اضافة الى بعض النباتات يرويها باستخدام مضخة تعمل على الكهرباء التي يحصل عليها من خلال الالواح الشمسية ويجمع المياه الناتجة من الاستخدام المنزلي -ماعدا المياه الثقيلة- في احواض، ويعود مرة أخرى لاستخدامها في سقي المزروعات التي تتقبل هذا النوع من المياه وبذلك وفر المياه باستخدام طاقة نظيفة وحافظ على ديمومة غطاء منزله النباتي.
طاقة نظيفة
يقصد بالطاقة النظيفة الحصول على الطاقة من مصادر غير ملوثة للبيئة مثل الطاقة الشمسية والمائية وطاقة الرياح، وتعد الطاقة الشمسية الأكثر وفرة من بين جميع مصادر الطاقة المتنوعة.
وتسهم الطاقة النظيفة بحماية الانسان و الكائنات بمختلف أنواعها من الملوثات البيئية فاستخدامها يخفّض من كميات الانبعاث الحراري ومن آثاره، بحسب المهندس حيدر هاشم الغرابي، رئيس فريق الايزو طاقة في محافظة الديوانية.
وبحسب هذا المهندس، قد يكون الاعتماد على الطاقات النظيفة حلاً لسكان المناطق البعيدة عن مراكز المدن حيث وفرة الطاقة الشمسية وزيادة الحاجة الى الكهرباء المفيدة للاستخدامات المنزلية والزراعية إضافة إلى أنها طاقة مستدامة ومتجددة لا تسبب الضوضاء عند العمل ولا تصدر انبعاثات ضارة بالبيئة، وفقاً للغرابي.
مبادرة وطنية
انطلقت المبادرة الوطنية لدعم الطاقة وتقليل الانبعاثات في شهر آب 2021 بعد موافقة الامانة العامة لمجلس الوزراء.
وتهدف هذه المبادرة للحصول على بيئة نظيفة من خلال استخدام الطاقة المتجددة، وتضمنت رسالتها تقليل الاستهلاك الحكومي للطاقة بمقدار خمسين بالمئة والاستهلاك المحلي بمقدار ثلاثين بالمئة، وكذلك تقليل انبعاثات غاز ثاني اوكسيد الكربون إلى النصف، وبالتالي تقليل استهلاك الوقود الأحفوري، بحسب الغرابي.
ويصنف العراق في تقارير صادرة عن الأمم المتحدة ضمن البلدان الواقعة في المنطقة “الحمراء” المتأثرة بشدّة بالتغيرات المناخية، لذلك انطلقت المبادرة بحسب المسؤول المحلي “لتترجم التزام العراق بالمعاهدات الدولية التي وقعها بخصوص تقليل نسبة الانبعاثات الحرارية”.
ومن أبرز خطط المبادرة استخدام مصابيح اللد والاجهزة الاقتصادية ذات مستوى الاستهلاك الطاقي (A) وتحويل السيارات الى منظومات (LPG) التي تعمل بالغاز المسال بدلا من الديزل والبنزين، وكذلك اعتبار التجاوز على الطاقة هدر بالمال العام مع تكليف الجهات الرقابية بتنفيذ مهامها في هذا الجانب.
سياسة المبادة الحكومية
اضافةً الى المبادرة اطلقت الحكومة العراقية سياسة المبادرة الحكومية 2023-2030 وتضمنت السياسة (11) هدف اساسي، تعمل الجهات الحكومية الحالية على تنفيذ الهدف الثامن منها المتضمن تحويل 20 بالمئة من الابنية الحكومية الى بنايات موفرة للطاقة.
وتم تخصيص مبلغ (90) مليار دينار عراقي لتنفيذ الهدف ضمن موازنة هذا العام، كما بين الغرابي.
وفي محافظة الديوانية تم اختيار مبنى الحكومة المحلية ليكون المبنى النموذجي للبنايات الموفرة للطاقة ضمن تخصيصات تحقيق الهدف في الموازنة بالشراكة مع مديرية الطاقة المتجددة في وزارة العلوم والتكنلوجيا.
وبالنسبة للهدف الحادي عشر والمتضمن التشجير المستدام “زراعة مليون شجرة” يبين الغرابي ان حكومة الديوانية تعتزم هذا العام و كخطوة اولى زراعة عشرة آلاف شجرة سيتم تقسيم زراعتها بين الوحدات الادارية في المحافظة البالغ عددها(16) وحدة ادارية، على ان يتم اختيار انواع الاشجار من قبل وزارة الزراعة وفق مواصفات معينة وفقا للظروف البيئية الملائمة لكل منطقة.
واشار الغرابي الى أن بقية الاهداف سيتم تطبيقها حسب السقف الزمني المقرر، مشيرا الى تخصيص نسبة (2) بالمئة من الموازنات التشغيلية لكافة الوزارات والهيئات المستقلة والجهات غير المرتبطة بوزارة ليتم صرفها لأغراض الطاقة بما يسهم بتنفيذ متطلبات المبادرة الوطنية.
وكانت حكومة الديوانية قد وجهت لجان المشتريات باستبدال المصابيح الحالية بالمصابيح الموفرة للطاقة-صديقة البيئة، وكذلك استخدام الالواح الشمسية وشراء الأجهزة الكهربائية ذات كفاءة الطاقة (A) والتي تمتاز بكونها صديقة للبيئة وموفرة للطاقة في نفس الوقت.
مبادرة مهمة لكن الاقبال ضعيف
في كانــون الثانــي الماضي، 2022 اطلق البنك المركزي العراقي مبادرة قروض بدون فوائد لاقتناء منظومات توليد الطاقة المتجددة “الشمسية ” والتي شملت الوحدات السكنية والمجمعات السكنية والمشاريع الاقتصادية، ووصل حجم المبلغ المالي المخصص لها ترليون دينار، على ان يتم تسديد القروض خلال (5) سنوات علما أن الحد الأعلى لاقتناء المنظومات يكون وفقا للحدود العليا لسعة الطاقة.
كما حدد البنك تعليمات مفصلة لأنــواع القروض المتوفرة ضمن المبادرة كما انه اتاحها لجميع المصارف لتسهيل عمليات منحها للزبائن، ولكن رغم ذلك لم تحــظ المبادرة بالتفاعل المطلوب مــن قبــل الفئة المستهدفة، ربما يعود السبب الى حداثة التجربة و ضعف ثقافة اســتخدام هذه التقنية لذلك فان نجاحها يتوقف على استخدامها بمرور الوقت، وشيوع ثقافة استخدام الطاقة المتجددة “الشمسية” وزيادة الوعي بأهمية المحافظة على البيئة.