الفتى مهدي.. يجمع الخردة من أجل متابعة دراسته

الناصرية- مرتضى الحدود
يمضي مهدي صالح عشرة ساعات كل يوم سيراً على قدميه يلف فيها أزقة وشوارع الناصرية بحثاً عن معادن الخردة المرمية بين أكوام النفايات أو عند ناصية الطرقات، يجمعها من اجل بيعها وكسب ما يعينه على مصاريف البيت ونفقات الدراسة.
يتحدث مهدي الذي لم يتجاوز الـ 18 عاماً من عمره وهو جالس أمام إحدى هياكل جهاز التبريد، يقوم بتفكيكه لعزل أنواع المعادن المصنوعة منها كالنحاس والالمنيوم، “أستطيغ فك أي جهاز واستخراج المعادن منه، وقد أحظى احياناً ببعض القطع الالكترونية التي تزيد من دخلي اليومي”.
يرتدي مهدي قميصاً وبنطالاً مهترئين وقبعة عتيقة يضعها على رأسه تقيه حر الشمس وقفازات تحميه من حدة المعادن وكيساً متيناً يجمع فيه الخردة عند التجوال يضعه على كتفه. يؤكد للمنصة أن هذه الملابس لا تشعره بالنقص أو الخجل، “فهي ملابس عملي وأنا فخور بها”.
ينطلق هذا الفتى في الساعة السابعة صباحاً إلى أحياء بعيدة عن محل سكناه، وما أن يرى كومة من النفايات متروكة عند مفترق طرق أو في مكب للنفايات حتى يقوم بالبحث فيها علّه يجد ما يستفيد منه.
أما في فترة الظهيرة عند تعامد الشمس، فيلجأ إلى أماكن باردة بعض الشيء، إما في محل صديق أو مقهى يستلقي فيها على إحدى الارائك، وبعدها يكمل مسيره.
عندما تشارف الشمس على المغيب يعلم مهدي أن يوم العمل الشاق قد شارف على الانتهاء، تحديداً عند وصوله إلى محل بيع الخردة، “أضع عنده ما جمعته من النحاس والالمنيوم وبعض الأسلاك وأتقاضى المال مقابلها”.
لا يكسب جامعو الخردة هنا أموال كثيرة، إذ يتراوح دخله اليومي بين 10 و 15 ألف دينار أي ما يعادل 15 دولار أمريكي، “أحاول من هذا المكسب القليل دفع أجور المدرسة الأهلية وقد قمت وبدل التسجيل في دورات التقوية” يقول، فهو طالب في مرحلة السادس الاعدادي الفرع العلمي.
أبو محمد، تاجر خردة في الناصرية، يؤكد بأن الكثير من الاطفال يعملون بهذه المهنة، يحاولون كسب المال لإعالة أسرهم ومساعدة أنفسهم.
وتبلغ نسبة الأطفال في ذي قار 28.5% من النفوس السكاني للمحافظة البالغ تعداد سكانها حوالي المليونين و300 ألف نسمة.
ويكمل أن “هذا العمل يتطلب جهداً عضلياً كبيراً” رغم أن البعض ينظر إليه باعتباره عملاً قليل الشأن.
أما ما أجبرهم على هذا العمل فهي الظروف الاقتصادية الحالية، يوضح أبو محمد، “فلو توفرت لذويهم ظروف أفضل لما انخرطوا بهكذا اعمال ولتفرغوا للدراسة بشكل كامل”.
وتتراوح أسعار المعادن التي يقوم هذا التاجر بشرائها بين 500 الى 1000 دينار للكيلوغرام الواحد بحسب نوع المعدن.
يشير تقرير منظمة اليونسيف السنوي لعام 2022 أن 7 بالمائة من أطفال وفتيان وفتيات العراق ممن تتراوح اعمارهم 5 الى 17 منخرطون في سوق عمالة الأطفال، وإن أحد الأسباب الجذرية لعمل الأطفال هو الفقر والحرمان الاقتصادي، مما يدفع الأسر لأن تكافح من أجل تغطية نفقاتها.
وكشف الناطق الرسمي باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي في تصريح صحفي سابق بأن “هناك أقل من نصف مليون طفل عامل في العراق” وأن “نسبة الفقر بين الأطفال ارتفعت إلى 38%، فيما بلغت نسبة الفقر في العراق عموماُ 25 بالمئة”.
وعادة ما يكون تجوال مهدي ليس لوحده بل مع رفيق يخفف عنه وحشة اليوم ووطأة ساعات العمل الطويلة.
لكن مهما كانت طبيعة اليوم، يبقى أمل مهدي معلقاً على متابعة تحصيله العلمي، يقول: “لا يهم ما الفرع سادرسه في المستقبل..ربما هندسة ميكانيك، لكن المهم أن أدخل الجامعة وأخرج من حالة الفقر التي أعيشها”.