“بيت المحاربين” ينتصر على السرطان بالقلم والموسيقى

مهدي غريب- بغداد
بيتٌ قد يصفه البعض بالثكنة القتالية، أشخاصٌ تدربوا على هزيمة الأمراض والانتصار على الانكسار بجهودهم الفردية، فهذا البيت المسمى بـ “صحيح” يجمعُ العديد من محاربي مرض السرطان في بغداد.
همام عباس أصغر محارب للمرض تمكن من الانتصار على سرطان الغدد بعدما احتضنته “صحيح” فور اصابته بالورم.
يقول همام عباس البالغ اثنا عشر عاماً لموقع المنصة بينما هو يعزف على الة الأورغ”منظمة صحيح لم تصنع مني محارباً للمرض فقط بل كونت في داخلي انسانا محباً وعاشقاً للفن. استطعت بفضل الأشخاص القائمين هنا أن أتماثل للشفاء بشكل كامل وان أكون عازفاً موسيقياً”.
يضيف همام “ما نفعله هنا كفيل بنسيان المرض فقد مكننا هذا البيت الصغير من تكوين عائلة كبيرة أعطتنا دعماً نفسياً منقطع النظير” .
يفتقر العراق بشكلٍ عام الى منظماتٍ انسانية تعنى بمرضى السرطان وتقديم المساعدة المادية والنفسية لهم إذ يلجأ أغلب المصابين إلى المشافي الحكومية والأهلية بعد اكتشاف مرضهم والكثير منهم لا يستطيع دفع تكاليف رحلة العلاج الطويلة في ظل انعدام الادوية في القطاع الحكومي.
القائمون على منظمة صحيح هم أنفسهم مصابون بالسرطان وأغلبهم شفي منه، وبالنسبة لهم فإن “نسيان المرض وتطوير الذات وحب الحياة” أولى الواجبات التي على المصابين الجُدد تعلمها كي يبدأوا رحلة الشفاء.
رسل علي مصابة بسرطان الجلد وهي عضو في منظمة “صحيح” تقول للمنصة “منظمتنا هي بيتنا الثاني وملجأنا الآمن.. نمضي أغلب وقتنا هنا في تعلم مهارات جديدة واكتشاف الذات”.
وتضيف رسل ” كل من كان مصاباً في منظمة صحيح صار لديه مهارة جديدة.. إما الكتابة أو الرسم أو العزف أو حتى تقديم محتوى ايجابي على المواقع التواصل الاجتماعي”.
تمثّل رسل علي الصديقة والأخت الكبيرة لكل الموجودين في منظمة “صحيح”، يقول همام عباس إنها ساعدته هو وبقية الأشخاص الجدد الذين دخلوا المنظمة على التخلص من الخوف وتكوين شخصية قوية في التعامل مع المرض.
وتتوزع مراكز علاج السرطان في العراق بحسب عدد دوائر الصحة وهي 20 دائرة صحة ثلاثة منها في بغداد ودائرة واحدة لكل محافظة أخرى، وفي كل دائرة هناك مركز واحد لعلاج الاورام لكن معظم تلك المراكز تشكو من كثرة المراجعين ونقص الخدمات والمعدات والأدوية.
ولا تملك الجهات الرسميّة المتخصصة في العراق أرقاماً دقيقة لعدد مرضى السرطان فهناك احصائيات صادرة من وزارتي الصحة والبيئة تفيد بأن المعدل السنوي للإصابة بأمراض السرطان بلغ 2500 حالة إصابة كل عام، لكن تقديرات مستقلة تقول إن عدد المصابين أكبر من ذلك بسبب التلوث والحروب.
كما كشفت وزارة الصحة العراقية عن مؤشر خطير يتعلق بالإصابات بأمراض السرطان عند الأطفال التي وصلت إلى 20 و25 إصابة شهريا.
وهناك اليوم ما يزيد عن 30 ألف مصاباًَ بالسرطان يتلقون العلاج في العراق حسب احصائية وزارة الصحة العراقية، ويأتي مصابو سرطان الرئة في المرتبة الأولى بسبب نسب التلوث خاصة في جنوب العراق و يليه سرطان الثدي ثم السرطانات الأخرى كالمثانة والأمعاء.
وتتلقى منظمة “صحيح” دعماً محدوداً من قبل بعض ميسوري الحال أو احياناً يتم تبنى حالة معينة من خلال عرضها على مواقع التواصل الاجتماعي فيتكفل شخص بتغطية تكاليف علاجه كاملاً، في حين تقديم بعض المنظمات الانسانية الدعم المالي لمجموعة أشخاص مصابين بالسرطان في المنظمة.
لم تكتفِ منظمة “صحيح” بإيواء المصابين بالسرطان فقط بل ترعى عشرات الأشخاص المصابين بأمراض أخرى تحتاج الى رعايةٍ خاصة بسبب خطورتها وارتفاع تكلفة العلاج، فيتم تبني الحالة ومعالجتها.
تأسست منظمة صحيح قبل خمس سنوات بجهودٍ من قبل محاربي السرطان لوضعِ حدٍ للحالة النفسية التي تهزم الإنسان المصاب وتقتله نفسياً أكثر من المرض ذاته، ففكرة التأسيس جاءت وفق دراسة من قبل المرضى السابقين الذين انتصروا على الورم الخبيث.
حمد ذو الرابعة والعشرين عاماً أحد مؤسسي المنظمة لم يُصب بأي مرض لكنه صديق ورفيق درب للمصابين بسبب الدعم الذي يقدمه لهم على مدار اليوم.
يتحدث حمد للمنصة قائلاً: “عندما أصيب أحد أصدقائي بهذا المرض الخبيث اعددنا العدة لمجابهة السرطان وبفضل الله حصلنا على الدعم المالي من قبل مجموعة أشخاص ومنظمات وتعافى صديقنا”.
ويضيف حمد “يسموننا هنا أنا ورسل علي بأوكسجين الحياة بعدما شاركنا المصابين مرضهم واستطاعوا أن يهزموا الورم”.
يتجمع المحاربون بالقرب من همام بينما هو يعزف مقطوعة موسيقية على آلة الأورغ، تقف خلفه رسل منبهرة بالموهبة التي اكتسبها همام من السرطان قائلةً “احيانا يكون المرض نعمة كي نتعرف على ذواتنا”.