خالد الاسكافي.. “الفقراء أصدقائي وزبائني”

فاطمة كريم- بغداد 

يجلس خالد المعروف بالـ “الكردي” خلف ماكينته التي يمتلكها منذ أكثر من ثلاثين عاماً يخيط الأحذية بدقة بينما يمازح الزبائن ويلاعب الاطفال منهم.

هو في الخمسينات من عمره، يسكن في مدينة الصدر ببغداد منذ حوالي أربعة عقود، تعلقه بالمدينة جعله ينتقل إليها من منطقة كلار في محافظة السليمانية التي تبعد عنها مسافة 253كم، يقول: “الله رزقني محبة الناس في مدينة الصدر وهي نعمة لا يمكن لأي شخص ان يحصل عليها بسهولة”.

لدى خالد محل لتصليح الاحذية افتتحه قرب مكان سكناه جميع اهالي المدينة يعرفونه سواء كبار السن أو حتى الأولاد الذين يقصدون المكان لتصليح أحذيتهم الرياضية. يبتسم خالد ويقول “عندي شعبية بين صفوف الاطفال، علاقتي بهم طيبة، فهم يخرجون للعب بالكرة  وغالباً ما تتمزق أحذيتهم الرياضية فيسرعون إلى محلي كي أصلحها لهم”.

مدينة الصدر التي يقطن فيها خالد يعود تاريخ تأسيسها إلى عهد عبد الكريم قاسم الذي أنشأها في ستينيات القرن العشرين لتوطين سكان من ريف جنوبي العراق إذ ترجع أصول معظم سكانها إلى مدينة العمارة ومدن محافظة ميسان الأخرى في أهوار جنوب العراق، وكان اسمها سابقاً مدينة الثورة، وتسمى حالياً مدينة الصدر نسبة الى المرجع الشيعي محمد محمد صادق الصدر. 

مرت الكثير من الحروب والأحداث الدامية على هذه المنطقة من بغداد لكن خالد بقي فيه يقوم بعمله رافضاً ان يغادرها، يقول: “على الرغم من اني انتمي إلى مذهب آخر لكني لم اتعرض يوما الى مضايقة او كراهية من قبل جيراني بل على العكس، كنت دوماً بمثابة أب أو أخ لهم”.

يروي خالد تفاصيل يوم عمله منذ أن يفتح المحل في الساعة التاسعة صباحاً الى السابعة مساءً، مشيراً إلى أن أكثر زبائنه هم من لاعبي كرة القدم في الفرق المحلية.

ويكمل “لا يقتصرون على مدينة الصدر فهناك من يأتي من أحياء اخرى في بغداد، يسأل عن محل خالد الاسكافي فيدله الأهالي على موقعي”.

ويتسوق خالد بضاعته من سوق الشورجة والمتنبي أسبوعياً، وهي عبارة عن خيوط وإبر وبعض المستلزمات الأخرى، أما الادوات المستخدمة في هذه المهنة فهي المطرقة والمسامير والخيوط وقوالب الأحذية البلاستيكية أو الخشبية.

مهنة الاسكافي تراجع حضورها في السنوات الاخيرة والأسباب كثيرة وفقاً لخالد، منها دخول البضاعة المستوردة رخيصة الثمن فاصبح الناس يفضلون شراء قطعة جديدة على ان يصلحوا القديمة.

لكن خالد لا يخشى على مصدر رزقه فهو مقتنع أن الفقراء لن يتخلوا عنه، “زبائني ليسوا قادرين على شراء أحذية جديدة كلما تمزقت أحذيتهم، وأنا هنا أقدم لهم كل جهدي لإسعادهم”.

ولكي يزيد خالد من دخله أضاف بعض الخدمات إلى المحل إلى جانب تصليح الاحذية، كتصليح الحقائب الدراسية والنسائية وكذلك كرات القدم، يقول “أنا ماهر في تصليح أحذية وحقائب النساء، ولا احد ينافسني في ذلك”.

علي كاظم، 17 عاماً، قصد خالد ليصلح له حقيبته الدراسية ومجموعة من الأحذية القديمة. يقول: “تعرفت على العم خالد عن طريق والدتي عندما كانت تصطحبني الى محلة لتصليح ما يلزم تصليحه، ومنذ ذلك الوقت”.

ويضيف: “عندما أتحدث للعم خالد أشعر وكأني جالس مع واحد من أفراد أسرتي، فهو يعلمني الكثير من الحكم في الحياة ويرشدني في امور الدراسة.. انا واصدقائي نحترمه جدا”.

هذا الحب الكبير الذي يكنه الأهالي للإسكافي الكردي جعله بتمسك بالسكن في المنطقة حتى بعد ان توفي ابنه الوحيد في تفجير وقع في سوق مريدي بالمدينة سنة 2009 فلم يبقى له سوى ابنته الصغيرة وزوجته، لكن خالد رغم حزنه كلما تذكر تلك الحادثة يعتبر أن جميع أهالي الحي أسرة له، “وجودهم حولي يعوضني عن خسارة إبني والابتسامة على وجوه أطفالهم تجلب لي العزاء”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى