هل تعرفون عازف الناي في شارع المتنبي؟
فاطمة سمير- بغداد
وسط شارع المتنبي يجلس رجل كبير في السن على مصطبة خشبية، يعرفه باعة السوق بإسم “الشاعر شاكر الساعدي”، أمامه قطعة قماش صغيرة يضع عليها عدد لا يتجاوز العشرين من قصبات الناي.
بيده التي تلمؤها التجاعيد يمسك واحدة من تلك الآلات، ينهض من مكانه ويتجول بضعة أمتار بعيداً عن البسطة، يبدأ بالعزف فيخرج صوت عذب وحزين من هذه القصبة، يجذب المارة إليه فيهموا بالتجمع حوله والتصفيق له.
تعود أصول آلة الناي التي يحملها العمّ شاكر إلى عصور ما قبل التاريخ، إذ تم العثور على جداريات في كهوف تعود للحضارة المصرية القديمة تحمل رسم هذه الآلة هذه الرسوم يرجع تاريخها إلى 5000 عام قبل الميلاد. وكان المصريون القدامى يستخدمون آلة الناي في التراتيل والمناسبات الدينية بالإضافة إلى استخدام السومريين لهذه الآلة في تلك الحقبة الزمنية أيضاً.
ويعدّ الناي من أقدم الآلات الموسيقية الشرقية التي استخدمت في الموسيقا العربية والفارسية والتركية، وهو عبارة عن قصبة مفرغة مفتوحة من الطرفين، كان يصنع قديماً من نبات القصب أو الريش أو الخيزران أو العاج، وفي الوقت الحالي فإن معظم آلات الناي التجارية يتم صنعها من البلاستيك.
يوجد في الناي عدد من الثقوب التي يتم المباعدة بينها عند الصنع حسب نسب وحسابات موسيقية معينة، لكن الناي العربي كما يوضح العم شاكر يختلف عن الفارسي والتركي في تلك القياسات والأبعاد.
يخبرنا العم شاكر البالغ من العمر سبعين عاماً بأنه كان يصنع الناي من القصب، لكن بسبب تقدمه في السن لم يعد قادراً على النزول إلى النهر لجمع القصب ثم تجفيفه. “وجدت طريقة جديدة في صناعة الناي من أنابيب البلاستيكية مستخدمة في تأسيس الكهرباء، فصنعها أسهل بالنسبة لي إذ أقوم بثقب الآلة بواسطة الدريل الكهربائي ثم اضع خشبة مقصوصة بحجم سنتيمتر ونصف داخل ذلك التجويف”.
الساعدي يمارس هذه المهنة منذ خمسة وأربعين عاماً، كان قديماً يتجول في الدرابين البغدادية ليبيع هذه الآلة للأطفال الصغار ويقدم أثناء تجواله دروساً مجانياً للراغبين بتعلم العزف على هذه الآلة.
تنقل الساعدي في حياته بين مهن كثيرة، فقد كان مدربا للتايكواندو وصباغاً وعامل بناء، فضلاًَ عن كونه خريجاً في معهد الفنون الجميلة سنة 1975، لكن العزف على الناي هي هوايته الأولى وفق تعبيره، وبسبب ظروف المعيشة الصعبة ومحاولاته الدائبة لتأمين لقمة العيش لعائلته الكبيرة من أبناء وأحفاد أصبحت مهنة يرتزق منها.
خالد، شاب في العشرينات من العمر، تعلم العزف على آلة الناي على يد العم شاكر، يقول بأن هذه الهواية ممتعة لكنها متعبة من الناحية الاجتماعية على حد تعبيره، إذ ليس جميع الناس يقدرونها أو ينظرون إليها بإيجابية وتقبل.
ويضيف: “البعض ينظر لنا بفوقية ظاناً أن الناي مجرد لعبة اطفال وليس آلة موسيقية تتطلب دراسة وفهم وتمرين، ويظنون أن مهنة بيع الناي مهنة قليلة الشأن”.
غير بعيد عن النقطة التي يبيع فيها العم شاكر ناياته يجلس العم أبو أحمد وهو بائع لوحات وتماثيل مصغرة، يكشف سبب تلقيب صديقه بـ “الشاعر” قائلاً: “إنه شاعر موهوب عادة نسمعه يعزف على آلته ويقرأ الشعر فيمتّع المارة فيقومون بتصويره وتسجيل ما يقوله لهم من أشعار حزينة”.