أم أكرم.. أول امرأة تفتتح مخبزها الخاص في بغداد 

فاطمة كريم- بغداد 

“شعور لا يوصف عندما تقرر المرأة الاعتماد على ذاتها ولا تنتظر من يقدم الها المساعدة”، تقول أم أكرم الملقبة بـ” الحجية” والتي افتتحت أول مخبز تديره سيدة في العاصمة بغداد لتصبح مثالاً للمرأة العراقية الناجحة.

أم أكرم وهي في الأربعينات من عمرها من سكنة منطقة البلديات ببغداد أم لثلاث أولاد وابنتين، تعيش بمفردها بعد ان انفصلت عن زوجها عام 2010 لتقرر بعدها مواجهة الحياة وتحدي العادات والتقاليد السائدة في بيئتها المحافظة.

تتحدث قائلة “كانت الناس تنظر إلى بعد انفصالي كأنني عورة، لا يجوز ان اعمل أو أن أخرج من المنزل، حتى اقاربي وقفوا ضدي”. وتواصل حديثها “عملت في بداية الامر خياطة ومن بعدها عملت خبازة من داخل المنزل ومن ثم اتت لي فكرة افتتاح المخبز وتمكنت من ذلك عام 2018”. 

واجهت أم أكرم الكثير من الصعوبات في حياتها عندما كانت تعمل داخل المنزل لكن الصعوبات زادت عندما قررت افتتاح المخبز سواء من ناحية النظرة المجتمعية لعمل المرأة وافتتاحها مشروعها الخاص بها، أو بسبب التحديات المالية وقدرتها على تأمين المعدات اللازمة لتشغيل المخبز.

لكن تلك المعوقات لم تقف حائلاً بينها وبين حلمها في امتلاك مشروعها الخاص وتأمين مصدر دخل ثابت لها. تقول الحجية “جمعت المال وبدأت بتجهيز المحل بعد أن استأجرته.. كل هذا بمجهود شخصي  ومساعدة اولادي، وبهذا تم افتتاح اول مخبز تديره امرأة في بغداد”. 

وتتابع: “في البداية كان كثيرون ينظرون لي بغرابة، كنت اراقب نظراتهم المليئة بالاستهجان لكن ذلك لم يمنعني من المضي في مشروعي”.

بسبب اصرارها وجودة الخبز الذي تصنعه وتعاملها الحسن مع الزبائن اصبح مخبز الحجية من اشهر المخابز في بغداد يقصده مئات الزبائن يومياً، ليس فقط من سكان البلديات بل من معظم أحياء بغداد.

تروي أم اكرم تفاصيل يومها قائلة: “استيقظ عند الساعة الرابعة صباحا، اذهب الى المخبز وابدأ بتحضيرات العجين، بعدها أبدأ مع العمال بتجهيز الطلبات ومن ثم اعد لهم الافطار ونفطر جميعنا سوية وعند حلول الظهيرة اشعر بالتعب فاذهب الى منزلي ومن بعدها أعود إلى المخبز لغاية العاشرة مساءً”. 

الجهد الذي تبذله الحجية كبير جدا فعمل المخابز متعب للغاية ويحتاج الى قوة جسدية ويتطلب صبراً وحسن إدارة وتنظيم للعمل، كما أن تراجع قيمة العملة العراقية أمام الدولار في الأشهر الأخيرة أدى إلى ارتفاع سعر الدقيق والغاز وأجبر بقية المخابز على رفع سعر المخبوزات، لكن أم أكرم حافظت على سعر منتجاتها على الرغم من تعرضها لخسائر مادية. تقول “لدي زبائن أوفياء ويجب أن أراعي ظروفهم وان أساندهم لذلك لا ارفع الاسعار ولو ادى ذلك لتراجع أرباحي”. 

أبو علي رجل في الخمسينات من عمره أحد زبائن مخبز الحجية يقطع مسافة ثماني كيلومترات يوميا لشراء الخبز منها. يقول “أعرف أم أكرم منذ ثلاث سنوات وهي امرأة قوية، صبورة، مكافحة عملت بكل جد حتى تصل الى هذا المستوى. انا من الناس الداعمين لها وادعم كل امرأة تريد ان تعتمد على نفسها وتحقق أهدافها”. 

ويكمل أبو علي: ” نفتقد نحن العراقيين إلى الخبز المنزلي الذي كانت تصنعه أمهاتنا وجداتنا فخبز  السوق ذو  طعم غريب لا يمت بصلة إلى طعم خبز المنزل، لكني وجدت ذلك الطعم عند مخبز الحجية.. خبز جيد لذيذ مختلف عن باقي المخابز”.

بعد اصابتها بجلطة دماغية اضطرت ام اكرم ان تأتي بعمال يساعدوها في العمل فالمرض منعها من ممارسة عملها بحرية كما كانت تفعل في السابق.

غزوان احد العمال الذين يعملون داخل محل الحجية وهو في العشرينات من عمره يقول “مر على وجودي في المخبز  عام كامل  ورأيت الحجية مختلفة تماماً عن باقي مديري المخابز فيوجد منهم الشديد ومنهم المتعصب لكن الحجية بمثابة أم لنا”. 

وبما أن عدد من أولئك العمال كان قد أتى من محافظات أخرى وفرت لهم أم أكرم مبيتًا في الطابق العلوي من المخبز وهم يحصلون على حقوقهم العمالية وعلى إجازة كل فترة زمنية. يقول غزوان “رأينا في ام اكرم الطيبة والحنان فهي تعامل الجميع سواسية حتى ابنائها فلا تفرق بيننا وبينهم”. 

بعدما كانوا معارضين لما تفعله تشعر أم أكرم اليوم بتقدير خاص من الجيران والأقارب ومجتمعها المحيط، بل صاروا أكثر الناس دفاعاً عنها. تقول الحجية “هنا في الحي أناس كبار في العمر كنت في البداية أسمع مذمتهم لي واليوم اصبحوا يأتون للمخبز لالقاء التحية علي والبعض يصفني بالمجاهدة”.

وترى أم اكرم أن العمل كرامة للمرأة ونصر وقوة، وتحلم بأن يكون لمخبزها عدة افرع في مختلف المحافظات العراقية وبأن توفر فرص عمل للنساء العاطلات عن العمل، كما تحلم بأن تحقق ادخاراً يمكنها من شراء منزل خاص تعيش فيه بدلاً من بيتها المستأجر. 

 

 

 

  

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى