​​بيت الوتار.. آخر ما تبقى من عمارة بغداد

بغداد- مصطفى جمال مراد

في منطقة الشواكة على ضفاف نهر دجلة في جانب الكرخ من العاصمة بغداد منزل تراثي بغدادي يعرف باسم “دار الوتار” يصفه أهالي المنطقة بالأيقونة التراثية التي يزيد عمرها عن مائة عام.

في العام 1917 بنى الحاج محمد الوتار أحد وجهاء هذه المنطقة العريقة منزله على الطراز البغدادي التقليدي بالآجر والحجر الطبيعي وأخشاب الجوز.

ويظن كثيرون من اهالي المنطقة أن ملكية المنزل ترجع للدولة العراقية، إلا أن أحفاد الوتار ما زالوا يتوارثونه إلى اليوم.

يقول جلال الملقب بأبي محمد، والذي يعمل مشرفاً على المنزل، أن محمد الوتار سكن محلة الشواكة عام 1917 وكان يتقن اللغات الإنكليزية والفرنسية والألمانية والكردية والفارسية  وعمل مترجماً لوفد التجار العراقيين الذين قابلوا الجنرال مود قائد القوات البريطانية التي احتلت بغداد.

يذكر جلال إلى “أن البغداديين يعشقون التواجد قرب الأنهار لأن اصل العراقيين وتراثهم متعلق ومرتبط جدا بنهري دجله والفرات”ويكمل، “عائلة الوتار لديهم بيت اخر في الكاظمية على النهر أيضاً ولكن يختلف في التصميم عن هذا المنزل فهو عصري وحديث”.

تحرص أسرة الوتار على ترميم المنزل بشكل دوري كل سنتين أو ثلاث وتبلغ مساحته 285 متراً مربعاً مقسمة إلى 14 غرفة مصممة داخلياً على الطراز البغدادي، وهناك فناء أو حوش -كما يسمى بالدارجة العراقية- يتوسط الغرف. 

المميز في هذا البناء بحسب المشرف عليه أن سماكة الجدار تبلغ 75 سنتيمتراً من الحجر الشفق الطبيعي أما الطابق الأرضي فتم بناؤه بالطابوق (الآجر) بطريقة “العكادة” أو القناطر التي تعد من تقنيات العمارة التقليدية المستخدمة في بلاد الرافدين منذ آلاف السنين. 

تبنى “العكادة” باستخدام الطوب أو الطين المجفف على شكل قوس من دون دعامات أو قوالب ويتم بناء القوس من خلال طريق رصّ الطوب في شكل حلزوني متدرج حتى يلتقي في الأعلى.

يضيف جلال “لقد جرى استعمال حديد سكة القطار في بناء هذا البيت، في سور البلكون وكذلك في الشبابيك وفي العديد من العناصر الآخرى” ويشير إلى أن “هذا الحديد صنع في العام 1910 وقد أعطى للمنزل متانة وقوة”.

أما الطابق العلوي فمصنوع من خشب الجوز البغدادي فيجعلك تشعر عند دخولك المكان و”كأنك تعود قرناً كاملاً بالزمن إلى الوراء وتدخل في عمق التراث البغدادي” على حد وصف جلال.

في سبعينيات القرن الماضي تبرع مالك المنزل الحاج داوود الوتار بالدار لتكون مشفى لأهالي المنطقة لمدة 12عاماً لعدم توفر مستشفيات كثيرة آنذاك، ثم أصبحت بعدها مركزاً لـ “اتحاد شباب الطلائع” وتركت بعدها فترة من الزمن لتتحول فيما بعد إلى روضة خاصة بأطفال الشواكة.

ويعد منزل الوتار أحد المنازل التراثية القليلة في الوقت الحاضر التي ما زالت محافظة على شكلها التقليدي فأغلبها خالية ومتهاوية، سقطت جدرانها وبعضها مهددة بالسقوط.

حظي منزل الوتار بشهرة واسعة قبل سنة من اليوم عندما تم التصوير مسلسل درامي عراقي “خان الذهب” في أرجائه كما أقيم فيه مزاد “الأطرقچي” لبيع الانتيكات والسجاد والذي حظي باهتمام وحضور العديد من السفراء والتجار العراقيين. 

ويحتوي المنزل على شرفة كبير تطل على نهر دجلة وكذلك أعمدة في الداخل مصنوعة من الخشب.

يرى جلال هذا البيت مثال حقيقي عن منازل العراقيين التقليدية قبل أن يتم تغيير تصاميمها إلى أخرى غربية لا تتلائم برأيه مع روح العمارة البغدادية ولا مع تاريخ المدينة العريق.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى