آخر بائع كاسيتات في بغداد

فاطمة كريـم _بغداد 

يصدح صوت المطربة العراقية “لميعة توفيق” من عربة تقف في سوق الميدان في بغداد، تنشد الراحلة أغنية “هذا الحلو كاتلني يا عمّه” في حين يتحلق مجموعة من الاشخاص حول العربة يترنمون بالأغنية وعيونهم مصوّبة نحو تلة الكاسيتات تبحث عن ألبومات مطربيهم المفضلين من أيام الزمن الجميل.

 يتخذ صفاء جعفر، 61 عاماً، من هذا السوق المزدحم مركزا لبيع بضاعته أكثر من اي مكان اخر، يتواجد مع عربته كل يوم من الساعة السابعة صباحاً الى غاية الخامسة عصرا. 

يؤكد أن هذه المهنة اندثرت بعد ان كانت العاصمة بغداد تعج بالمحال الخاصة ببيع الكاسيت ويصف نفسه بأنه آخر بائعي الكاسيت في بغداد قائلاً: “في شبابي كانت هوايتي جمعها أما اليوم وبعد أن عفا عليها الزمن صارت مصدر رزقٍ لي”. 

عمل هذا الرجل لسنوات موظفاً في إحدى الدوائر الحكومية وما أن وصل إلى سن التقاعد حتى بدأ بمهنته الجديدة مستغلاً معرفته بالكاسيتات واقتنائه عدداً كبيراً منها منذ أيام شبابه. يوضح أن الموجود فوق هذه العربة ليس من مقتنياته الخاصة، “بل آتي بهذه الكاسيتات من المحال القديمة او من الاشخاص المهاجرين الذين يبيعون محتويات منازلهم”.

يرتب صفاء كاسيتاته جنباً الى جنب بمختلف انواعها فوق العربة التي لا يتجاوز ارتفاعها متراً واحداً، منها الاغاني ومنها الافلام والمسرحيات ومنها مسلسلات الأطفال، بهذا التنوع يتلون زبائنه من مختلف الفئات العمرية، يتجذبون إلى عربته التي تثير فضولهم.

يعود تاريخ سوق الميدان إلى العام 1910 وهو من أبرز معالم العاصمة وله رواده من مقتني التحف والأنتيكات، وسمي بهذا الاسم بسبب تحول الساحة الرئيسة فيه إلى مكان لتدريب قوات من الجيش العثماني مطلع القرن العشرين، ما يعرف في الأعراف والمصطلحات العسكرية بـ “الميدان”. 

يحرص صفاء على التواجد يوم الجمعة في السوق فهو أكثر الأيام ازدحاماً. يقول “يكثر في هذا اليوم الزبائن الباحثون عن كل ما هو قديم وجميل لذلك اتخذت من الميدان مكاناً لتصريف بضاعتي”.  

منتظر علي زبون صفاء الدائم يطلق عليه صفاء لقب “زبوني الوفي”، وهو رجل في الخامسة والستين من العمر، اعتاد على زيارة سوق الميدان لشراء الانتيكات. يقول “عندما آتي إلى السوق اشعر وكأني في بغداد في زمن السبعينيات. هنا أجد نفسي واصدقائي الذين من عمري”. 

المسجل القديم واسطوانة الموسيقى والكاسيتات هي اثمن ما يمتلكه منتظر ويحافظ عليه في غرفة خصصها داخل منزله بعيداً عن متناول اولاده وأحفاده الذين يستهزئون بما يملك. “هذا الجيل لا يعرف الثقافة ولا يفهم قيمة هذه الأشياء فقد تربى على الموبايل واعتادت اذنه على سماع الأغنيات التجارية.. آذان لم تصغ الى لميعة توفيق، صديقة الملاية، ياس خضر لن تفهم معنى الفن الجميل”. 

حيدر حامد زبون آخر من مرتادي عربة صفاء وهو في الخامسة والأربعون من العمر، اعتاد كل يوم جمعة أن يأتي رفقة ابنه البكر علي وابن اخيه حسن الى سوق الميدان والمتنبي وشارع الرشيد للتبضع والتنزه.

“مشوارنا الأسبوعي جعل ابني وابن أخي يطورون ذائقتهم الموسيقية من خلال الاستماع لأغنيات عراقية هامة لم تعد تبثها المحطات والإذاعات اليوم” يؤكد حيدر.

يقف صفاء الى جانب الشابين علي وحسن وهو يشرح لهما قصة كل قطعة من الكاسيتات. “يسعدني جدا عندما أجد شباناً يرغبون في اقتناء بضاعتي، وكثيراً ما انصحهم بأغنيات قديمة لا يعرفونها، أما طلاب اللغة الانكليزية فأنصحهم بسماع مجموعة من الكاسيتات بهدف تقوية لغتهم”. 

رغم متاعب الوقوف لساعات في السوق والحديث إلى عدد كبير من الزبائن لكن صفاء يبدو سعيداً وشغوفاً بعمله. يقول للمنصة: “حلمي أن يكون لدي محل خاص بي أعرض فيه بضاعتي وأنشر ثقافة الكاسيتات بين أكبر عدد من الناس وخصوصاً بين الشباب”.   

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى