باحثة في جامعة البصرة في خدمة البيئة والمجتمع

البصرة- نغم مكي 

تقضي حليمة جبار معظم ساعات يومها في مختبر مركز أبحاث النخيل في جامعة البصرة تعمل على أبحاثها الخاصة، جلّ هدفها تحسين الواقع البيئي في العراق.

في مختبرها ترتدي حليمة قميصاً أبيض اللون وكمامة للوجه وقفازات تغطي كفّي يديها ثم تسير بضع خطوات قبل ان تخلع حذائها وترتدي خفاً مريحاً مخصص للعمل تعقّمه بمحلول وضع على الاسفنجة الأرضية.

تقف بشكل مفاجئ خلف عدسة المجهر، تراقب عينات من إحدى التجارب كانت قد وضعتها في أمبولات صغيرة لتشخيص حالة النباتات وتسجل بين الحين والآخر ملاحظاتها الخاصة على جهاز اللابتوب.

بعد نجاح تجربة كانت قد أجرتها على براعم صغيرة الحجم تأخذ حليمة العينات الإيجابية وتضعها في صندوق زجاجي مهيأ لهذا الغرض يوفر للبراعم درجة حرارة ورطوبة واضاءة معينة، فهي تنوي بعد ذلك زرعها في التربة ومراقبتها لفترة محددة ثم نقلها النهائي لمشتل مركز الأبحاث. 

رغم نشأتها بعيداً عن الطبيعة ودخولها كلية الزراعة “مجبرة” لأسباب خاصة على حد وصفها إلا أن حليمة أبدعت في مجال عملها. تقول “لم اكن احب هذا الاختصاص لكن العمل في هذا المجال بات شغفي الأكبر اليوم”.

تعمل حليمة بالتعاون مع مركز أبحاث النخيل على انجاز بحث بدعم من شركة غاز البصرة  لزرع مائة فسيلة نخيل في مناطق مصابة بالتلوث بدءاً شهر آذار (مارس) الجاري على أرض مخصصة بمساحة 600 متر مربع.

توضح حليمة أن ثمار أشجار النخيل النائجة عن هذه الفسائل لن تصلح للأكل إنما ستكون مرشحات حيوية ومفلترات للهواء تعمل ليلاً نهاراً للتخفيف من عبء التلوث ومن الغازات الدفيئة السامة بهدف الحد من خطرها على صحة العاملين في مناطق النفط والتجمعات السكنية المجاورة.

تخصصت حليمة في مجال زراعة الأنسجة النباتية والتقانات الحيوية وقدمت في بحث التخرج طريقة مبتكرة للتخلص من الذبابة البيضاء المدمرة لمحصول الطماطم عن طريق زرع نبات الخيار بالقرب منها ليستقطب الذباب ويصده عنها، وهي تجربة تفتخر بها حليمة وتعدها الخطوة الأولى في نجاحها.

تتذكر حليمة التجربة التالية التي أجرتها في بحث الماجستير، “اخترت فكرة تغذية النبات عن طريق الأوراق فكنت اذهب الى مزرعة تملكها إحدى العائلات القروية وكنت لأوقظهم من نومهم قبل طلوع الشمس كي نرشّ السماد على أوراق النبات.. لقد كانت تجربة رائعة”.

تشارك حليمة بعدة حملات تطوعية للحفاظ على البيئة داخل أروقة الجامعة وخارجها فتجول على مناطق الأرياف وتوزع منشورات تشجع على  النظافة وتخفيف التلوث وعدم هدر الطعام وتعطي محاضرات في كيفية استخدام بقايا الغذاء كسماد عضوي من خلال طمرها في التربة بالقرب من الأشجار.

تتابع حليمة “أشجع المحيطين بي على الزراعة وأحياناً أشتري لهم الشتلات واعتدت أن اسمع من الأهل والأصدقاء عبارة: وين ما ترحين تخضرين، لشدة حبي للزراعة”. 

أما أبرز التجارب التي أجرتها بها حليمة فكانت إنشاء هور اصطناعي في مركز علوم البحار في جامعة  البصرة. تتحدث عن التجربة بحماس قائلة: “كانت من أهم الأشياء التي أفخر بها حينما أنشأت الهور و ساهم في حماية البيئة المحيطة بالمركز وذلك بتحويل المبزل الذي يحتوي على مياه آسنة وحشرات ضارة الى بيئة نظيفة ومتكاملة، لكن التجربة توقفت بسبب انعدام التمويل”.

في يوم المرأة العالمي وقع الاختيار على حليمة كواحدة من أبرز الشخصيات الملهمة في مجال البيئة، إذ تم تكريمها من قبل مركز سيدات الأعمال في البصرة وبالتعاون مع منظمة العمل الدولية تثميناً للأعمال المتميزة في خدمة المجتمع، واعتبرت قصتها قصة نجاح تعكس قيم الابتكار والإبداع في خدمة البيئة والمجتمع. 

تسعى حليمة جاهدة لإيجاد حلول مستدامة تحافظ على موارد الطبيعة وتعبر عن حبها للبيئة بالقول: “أن مبدأ حياتي هو أن أستخدم العلم لصالح البيئة وأقوم توعية الجيل الجديد بأهمية الزراعة”.

ولا يبدو أن شيئاً من شأنه أن يثبط عزيمتها، فها هي اليوم تخطط لمشروعها القادم وهو إنشاء منظومة معالجة حيوية لمياه الصرف الصحي قبل أن ترمى في مياه الأنهار الفرعية. 

 

أنجزت هذه القصة ضمن سلسلة مقالات بدعم من برنامج قريب، وهو برنامج اقليمي تموله الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) وتنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الاعلامية (CFI)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى