نداء “يا لبن يا لبن” يعود في رمضان

فاطمة كريم _بغداد 

مع بداية شهر الصيام يمكن مشاهدة بائعي اللبن في عموم مناطق بغداد بنداءاتهم المميزة على المشروب الرمضاني المفضل، خصوصاً في الدقائق الاخيرة التي تسبق موعد الإفطار.

سيف الملقب بأبي حيدر، 35 عاماً، هو سليل لباعةٍ لبن آخرين كانوا في الماضي يطوفون على البيوت حاملين جرار اللبن على ظهور الحمير أو الخيول مرددين عبارات مميزة مثل “يا لبن يا لبن” أو “يا لبن الحليب”. 

يسكن أبو حيدر في منطقة سبع البور الواقعة على أطراف بغداد من جانب الكرخ، يمتلك عربته الخاصة ببيع العصائر والمياه يعمل عليها منذ خمسة سنوات، لكنه يختص في شهر رمضان  ببيع اللبن لكثرة الطلب على هذا المشروب. 

يوضح سيف إن الصائم يفقد الكثير من الطاقة خلال فترة النهار بالإضافة الى الشعور بالعطش الشديد، فيحتاج الصائم الى اللبن الغني بالكالسيوم والمفيد للعظام، والذي يساعد على إطفاء العطش سواء على وجبة الإفطار أو السحور.

ويضيف أن الصائمين لا يشعرون بالعطش أثناء النهار إذا كان سحورهم على اللبن، فاللبن غني بالماء وهو يحتوي على كمية منخفضة من الملح، كما أن شربه بارداً أو مع الثلج يساعد على إنعاش الجسم وتبريده في فترات الحرّ.

بالرغم من أنهم باعة لبن، لكن لكلّ واحد منهم ما يميزه عن الآخر في طريقة تحضير هذا المشروب، يوضح سيف، إذ إن معظم اصحاب العربات لا يقومون بشراء اللبن جاهزاً. “لا افضل اللبن الجاهز انما اقوم  بصنعة بيدي” يقول.

يشتري سيف الحليب من سوق الشورجة ويمرره بعدة مراحل حتى يحصل على اللبن الخاص به وذلك من خلال وضعه بإناء كبير ثم إضافة الماء المغلي للإناء ومن بعدها يقوم بتبريده إلى أن يصل للنتيجة النهائية.

يقف سيف خلف عربته بعد أن يركنها في إحدى الشوارع العامة وبيديه اكياس صغيرة يجهزها للزبائن واضعا انائه الكبير فوق عربته ممتلئاً باللبن ومكعبات الثلج. كما أن لدى سيف لمساته الخاصة في تقديم اللبن، إذ يضيف لله حسب رغبة الزبون شرائح من الليمون وأوراق النعناع المفرومة مما يعطي للمشروب نكهة مميزة. 

حسين كامل فتى عمره 13 عاماً يعمل مع والده على عربة لبيع اللبن بالقرب من عربة سيف، يفتتح حسين عربته من الساعة الواحدة بعد الظهر عند انتهاء دوامه في المدرسة، ويستمر في مساعدة والده لغاية وقت أذان المغرب. 

يقول حسين إن الوقت الذي تزداد فيه الطلبات يكون بين الرابعة عصراً وموعد الافطار. “أكثر من نصف البضاعة أبيعها خلال هذه الأوقات”. 

من يرى حسين وطريقة تعامله مع الزبائن يظن أنه أكبر سناً بكثير، أسلوبه اللبق وابتسامته اللطيفة تجعل الكثير من الزبائن يقصدونه بالإضافة الى براعته في صنع اللبن.

يقول حسين” لدينا محل صغير نبيع فيه المخلل والزيتون بالإضافة الى انواع كثيرة من اللبن، يجلس والدي داخل المحل وانا اعمل هنا في الخارج على العربة التي اشتراها لي والدي”.

أسعار اللبن ثابتة عند جميع اصحاب العربات إذ يبلغ ثمن الكيس الواحد الف دينار عراقي أي اقل من دولار، وتختلف كمية البيع من عربة الى اخرى، فلكل واحد زبانه الذين يفضلون طريقة تحضيره للمشروب.

أم علي سيدة في الثالثة والاربعين من العمر احدى زبائن سيف اعتادت يومياً خلال شهر رمضان على شراء اللبن من عربته، تقول “كل يوم اذهب الى السوق لتبضع لوازم الافطار وفي نهاية مشواري اتي الى سيف ويجهز لي كيساً من اللبن”. وتكمل ام علي حديثها “اللبن لدى سيف لذيذ جدا ونظيف جدا وكأنه معمول داخل المنزل”.

هكذا يبدو المنظر في شوارع بغداد في ايام شهر رمضان فلا يخلو شارع الا وتجد فيه بائعي اللبن، يُضفون على الشهر الفضيل أجواءً خاصة من البهجة ويحافظون على مهنة بغدادية تراثية لم تنجح المتاجر الحديثة في جعلها تندثر.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى