صانعة الأكلات الموصلية تخطف أذواق الجنوبيين

ذي قار- مرتضى الحدود

تقف الفتاة الموصلية بيرق وسط مطبخها المزدحم، تحمل بيديها نشابة، تمررها برفق على العجين، تحاول ببراعة صنع أحد أشهر الأطباق الموصلية بنكهة مختلفة ليست مألوفة لدى سكان مدينة سوق الشيوخ، جنوب الناصرية محل سكنها.

مطبخ بيرق مكان مفعم بالحياة، صخبه يأتي من الطلبات الكثيرة لزبائنها لأجل تذوق تلك الأطباق اللذيذة. تبدأ يوم عملها منذ ساعات الصباح الأولى وتنتهي مساءً، مع تخصيص بعض الأوقات الثمينة لأسرتها، خاصة أنها تعيش مع عائلة زوجها.

تزوجت بيرق وليد وانتقلت إلى محل سكنى زوجها في سوق الشيوخ منذ أحد عشر سنة، وبدأت حياتها الاجتماعية في هذه المدينة بالتواصل مع نساء الحي واكتشفت قدرتها على صنع الأطعمة بمهارة وذوق رفيع، حتى أصبحت معروفة بأطباقها الشهية ذات الطعم الموصلي الأصيل.

بيرق تحدثت للمنصة وهي تقف بجوار منضدة وضعت عليها فرامة معدنية بينما كانت تقوم بفرم “الحمص” والى جانبها أدوات تحضير المعجنات قائلة ان بدايات عملها جاءت على خلفية نصيحة من صديقات لها اثناء الجلسات المتكررة معهن بعد ان اطّلعن على مهارتها في صنع الاكلات الموصلية، مهارة اكتسبتها من امها وجدتها، لتدور هذه الفكرة في ذهنها عدة مرات قبل ان تتخذ قرارها.

بدأت بيرق مشروعها سنة 2017 مستعينة بالصديقات والجيران ورصدت ميزانية متواضعة للمشروع انذاك بلغت 100 الف دينار عراقي، ولم يكن في حسبانها أن يحقق المشروع نجاحا متواصلاً.

كانت أولى الاكلات التي باشرت بصناعتها هي “الكبة الموصلية” لتتفاجأ بشدة الإقبال على الشراء والحجز حتى ازداد الطلب يوماً بعد يوم لتتجه نحو صفحات التواصل الاجتماعي وتؤسس صفحة اسمتها “اكلات ما شاء الله” لغرض التواصل معها.

اثناء حديثها معنا لم تكن يداها تتوقف عن العمل تارة في دعك العجين وتارة في فرم الخضار وتارة أخرى في تجهيز الطلبات، تحاول ان تستغل كل لحظة تتوفر لديها، فالالتزام بوقت إيصال الطلبية هو شيء مقدس ويؤثر على مصداقية عملها.

لم تكتفي بيرق ذات العقد الثالث من العمر بصناعة الكبة الموصلية بل وسعت قائمة الاكلات على الطريقة الموصلية لتشمل الدولمة والعروك والكليجة ولحم بعجين واتسعت مديات التوصيل لعموم اقضية ونواحي المحافظة، بل إنها كسبت زبائن جدد من العاصمة بغداد لتوصل لهم ما يريدون من هذه الاكلات.

خطوات هذه الشابة الدقيقة تحاول من خلالها ليس فقط كسب المال بل الحفاظ على تراث مدينتها ونقله بحرفية ومهارة عالية الى الجنوب لتضع بصمة جديدة في صنوف الاكلات هناك.

محافظة ذي قار المعروف بطبيعتها المحافظة شهدت مؤخرا دخول العديد من الفتيات الى سوق العمل سواء في المحال التجارية داخل الأسواق او المكاتب العقارية فضلا عن السلك الأمني والعسكري ومجالات الأعمال الحرة.

وتصنف مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل بالادنى على مستوى المنطقة والعالم اذ اعلنت منظمة العمل الدولية في العراق ان “نسبة مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل تبلغ 10.6 %، أي أنَّ من بين 13 مليون امرأة في سنّ العمل، هناك نحو مليون و400 ألف منهنَّ فقط مشاركات في سوق العمل، أي أنهن إما يعملنَ أو يبحثن عن عمل”، مشيرةً إلى أنَّ “أقل من مليون امرأة يعملنَ في الوقت الحالي، 70 % منهنَّ في القطاع العام وتحديداً التدريس والخدمات”.

وبحسب تصريحات مسؤولي المنظمة، فإنَّ ما بين 300 إلى 400 ألف منهنَّ فقط يعملنَ في القطاع الخاص، لذلك فإن “التركيز خلال المرحلة المقبلة يجب أن يكون على عمل النساء في القطاع الخاص”.

ويعد القطاع الحكومي اكثر القطاعات الجاذبة لمشاركة المراة في العمل وفق لدراسة اعدها الجهاز المركزي للاحصاء التابع لوزارة التخطيط وتشكل فيه نسبة النساء العاملات 78% بينما هناك 21% من النساء في القطاع الخاص أغلبهن من النساء الريفيات.

في شهر رمضان تسجل بيرق أعلى معدل طلبات لديها على الدولمة بالطريقة الموصلية ولحم بعجين والمناقش والبرياني. زيادة الطلبات هذه دفعتها نحو تشغل ثلاث فتيات عاطلات عن العمل لانجاز المهام.

لكن طموحها لا يتوقف على زيادة عدد فريق العمل، خصوصا وان مكان عملها الحالي هو مطبخ المنزل الذي لا تتجاوز مساحته 25 مترا مربعا، فهي تسعى إلى أن تنشأ مطعماً مستقلاً يختص بالأكلات الموصلية خصوصا وان محافظة ذي قار لا تمتلك هذا الصنف من المطاعم.

مع كل طلبية تقوم بتجهيزها تلصق بيرق على الكيس أو علبة الطعام لصاقة تحمل اسم المشروع مع  لوغو المطبخ وعنوانها من أجل استمرار التواصل معها.

وبحسب كلامها فإن نجاحها في عملها لم يأت من فراغ بل هناك من وقف خلفها ودعمها وفي مقدمتهم والديها وأم زوجها الذين قدموا كافة أشكال العون لها، كي توازن بين الاهتمام بمنزلها واطفالها من جهة، وبين مشروعها الفتي الذي لم يتجاوز عمره السبع سنوات.

 

أنجزت هذه القصة ضمن سلسلة مقالات بدعم من برنامج قريب، وهو برنامج اقليمي تموله الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) وتنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الاعلامية (CFI)

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى